ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 29/09/2012 Issue 14611 14611 السبت 13 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من تابع تويتر يوم 23 سبتمبر سيصاب بالهلع إن كان خارج منظومتنا ظنا منه أن حرب عصابات عارمة قد لفت شوارع المملكة: إليكم بعض مقتطفات مما كان يدور:

“شبكة ساهر الإخبارية: سقوط شاب من أعلى كوبري شارع صاري بعد أن أخرج جسده من نافذة السيارة، حينما كان يحتفل بـ اليوم الوطني.”

“لا أذكر أني شعرت بالخوف من شوارع الرياض مثل البارحة خرجت من مكتبي متأخراً فمررت بسيارات تالفة، أشخاص يهربون من الدوريات ومشاة استحلوا الطرق مالك نجر تغريدة 24 سبتمبر”.

“نعم للأسف همج وما في أي تعبير آخرممكن يصف إلي حدث بالأمس،قذارة الشوارع اليوم الصباح كانت خير دليل على شباب غير متربي ويجهل أبسط أنواع الحضارة”.

اسماء العمري

@dr_almuqbil‏ ‎@hani_almogbil‏” يجب التركيز على ثقافة العبث واللامسؤولية والاستخفاف بكل قيمة، وليس مجرد الاستشهاد بالفوضى لدعم منع اليوم الوطني”.

والأخبار تأتينا من كل حدب وصوب حول شباب متهور تهجموا على بعض المحلات التجارية في عدد من المدن فعرضوا الناس وأنفسهم للخطر وقد رأيت بعضهم بنفسي وأنا أحضر احتفالات اليوم الوطني في نجران وكيف تعلقوا بأبواب الشاحنات وتدلوا من نوافذ السيارات دون أن يفكروا بأنهم مهمون لدينا ولعائلاتهم وأحبائهم ولوطن ينتظرهم ويقدم الغالي والرخيص لرعايتهم إضافة إلى انهم يعرضون حياة الآخرين من حولهم لخطر أكيد.

لاحظ التويتة الأخيرة.. رائحة السياسة الطاغية تفوح: “لا يجب الاستشهاد بالفوضى لدعم منع اليوم الوطني “هل هناك حملة مقصودة لمنع الاحتفال باليوم الوطني ؟؟؟ في التويتر نعم.. توجد هذه الحملة كما تضمرها أفئدة البعض من المتشددين الذين قاوموا فكرة الاحتفال وتفصح عنها تغريداتهم والهاشتاقات الشامتة التي تنضح بغضب حاد.

هذا جانب علينا جميعا العناية به ومناقشته بصراحة ووضوح حتى نعرف الأسس الفكرية والنفسية والثقافية التي تدعمه ونفكك ما قامت عليه من مفاهيم مغلوطة. نحن أمة واحدة تحاول تركيز مفاهيم الوطنية التاريخية والذهنية في عقول مواطنيها وبناء ذاكرة شعبية تحمل التفاصيل كل سنة في الثالث والعشرين من سبتمبر حول العلاقة مع الوطن. هل يعني هذا كما ذكر الكاتب الرشيق الكلمة مشاري الذايدي في مقالته الثلاثاء 25-10- في الشرق الأوسط أن كل شيء بخير ووظيفتنا التصفيق للنظام ؟ بالطبع لا.. ونحن كمتابعين للشأن العام نجهد في نقد وتتبع المشكلات والتعثرات التي يتعرض لها بناء هذا الوطن.. لكننا نؤمن بوحدته ونخلص له ونؤمن بالانتماء إليه بكل أطيافنا المناطقية والقبلية والمذهبية والجنسية وغيرها من التنوعات التي تحمل ثراء لهذه الأمة ولا تهدد وحدتها.

لنعد إذن للظاهرة الأكثر ملاحظة وهي ما قام به بعض الشباب من فوضى غير مبررة تجاوزوا فيها حدود القانون وعرضوا حياة وممتلكات الكثيرين للخطر بل أوصلوهم للمستشفيات وهذا حق خاص وعام يجب أن يتناوله القانون ويحاسب عليه وهذا بلا شك ما سيحدث لكن تبقى مشكلة الشباب قائمة نحاول أن نتفهم جذورها التي أشارت إليها الكثير من المقالات التي تابعت الظاهرة بالتحليل وإعطاء بعض التفسيرات لكنني أريد هنا أن أركز على أحد العوامل التي أعتقد بأنها ساهمت بشكل كبير في تفشي ظاهرة اللامسئولية الاجتماعية بين الشباب ودفعتهم للتعبير عن أفراحهم بطريقة عرضتهم وغيرهم للخطر ولملاحقة القانون.

لنتفق أولا على مسلمات عامة لا تحتاج إلى جدل مثل أن الشباب في فترة عمرية مليئة بالحيوية والنشاط الجسدي والعقلي وأنهم بحاجة إلى تفريغ طاقاتهم واستثمارها بما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالخير بل إن الشباب كطاقات بشرية هم المورد الأساسي الذي تستثمره الدول وخاصة تلك التي لا توجد لديها موارد طبيعية مثل سنغافورة وهونج كونج وغيرها من الدول.. فتجد النظام التعليمي يعج بمختلف أنواع النشاطات الرياضية والفنية والتشكيلية والبيئية بحيث يغرق الطالب منذ دخوله في المدرسة في الصباح وحتى يغمض عينيه مساء في دروسه ثم أنشطته بعد الظهر ثم مساهماته المجتمعية والتطوعية في كل وقت وخاصة في العطلات الأسبوعية. أي أن النظام نفسه ممثلا في مدارسه ومؤسساته الرياضية والثقافية والفنية يضع اعتبارا كاملا ليس فقط لفكرة التعليم الحرفي بل الأنشطة والرياضية والترفيه والتطوع جنبا إلى جنب لخلق شخصية متكاملة تفرغ طاقاتها وتعبر عن نفسها وتسلي ذاتها وتساهم في خدمة المؤسسات الاجتماعية بحيث تركز على تنمية الإنسان الذي يستشعر مسئوليته ويؤمن بدوره الاجتماعي والوطني وجد حوله أحدا أم لم يجد.

تعال لنقلب الصورة ونرى شبابنا ومراهقينا المساكين (وهذا ينطبق على البنات والبنين ولكن البنات هنا لم يتمكن من التكسير والفوضى لأنهن أبقين في المنازل خوفا عليهن من الغوغاء وحقا فعلنا).الطالب لدينا لا تتعدى علاقته بالمدرسة هذه الحصص المملة التي ينتظر متى يعلن الجرس نهايتها بعد صلاة الظهر ليهرب إلى بيته وكمبيوتره ثم يحوس في بيته لا يعرف ماذا يفعل ثم يخرج لسوق الكمبيوتر يبحث عن سلك أو جوال ثم يتمشى بسيارته إلى شارع قريب ليأكل فولا وتميسا أو وجبة مكادونالدز ثم خيمة أحد الأصحاب أو استراحة في العطلة الأسبوعية. لا مجال لتفريغ الطاقة ولا مجال للمتعة أو الفرح أو الصخب أو الفوضى أو الجنون وهي ما يحتاجه هذا العمر ومن حقهم علينا أن نرعى هذا الجنون حتى لا يدمرنا كما حصل من البعض في اليوم الوطني.

ببساطة شديدة نحن شعب ممل ومدننا مملة وقاتلة وكئيبة ولا مكان للفرح فيها كل هذه الشوارع وهذه الأنفاق وكل هذه الأسواق لكنك لا تستطيع أن تفرح فالأجهزة تراقب والفرح ممنوع بحكم القوي ولا مجال للتفريغ الشخصي سوى حين لا يكون هناك أحد وهنا تبدأ دورة الجنون الخطرة التي نخاف منها فمن منا يعرف ماذا يحدث في هذه الاستراحات أو الغرف المغلقة. الأهالي مفصلون عن الأبناء الذكور بحكم الفصل الاجتماعي القائم فكيف يمكن لي أن أستمتع مع ابني بجلسة أو أذهب معه لمباراة يلعب فيها وأشجعه وأرفع الأعلام وأنادي الأهل والجيران لتشجيعه وكيف أصفق له في هواية يمارسها مثل السباحة أو ركوب الخيل أو الرسم والمدرسة لا تتيح أية أنشطة تربط الأسرة بها وتشغل وقت الطالب وتجعل الأهل والحي شركاء فاعلين في التنظيم والتدريب. ومثل ذلك باقي المؤسسات الاجتماعية التي لم تضع ضمن برامجها أندية الأحياء أو الأندية المتخصصة في نشاطات محددة مثل السيارات أو التطعيس على الرمال أو تربية أنواع من الطيور أو الحيوانات أو الغناء والرقص. وهذا بالضبط ما فعله هؤلاء الشباب حين أتيحت لهم الفرصة. لم نعلمهم كيف يتصرفون في الأماكن العامة ولم نفرغ طاقاتهم الجسدية والنفسية فوجدوا في اليوم الوطني متنفسا لا يلومهم أحد فيه على تعبيرهم عن فرحهم فتهوروا بهذا الشكل الخطر.

مجتمعنا يمر بتحولات اجتماعية عميقة والكثير من الوظائف التي كانت تؤدى بواسطة الأسرة أو الحي أو المسجد حين كان عدد الناس بسيطا والمتطلبات بسيطة انتهت لكن لم يوجد البديل الذي يوفر ذلك وهي المؤسسات الحكومية والتعليمية والثقافية..

العيب لم يكن أبدا في الاحتفال باليوم الوطني.. العيب هو في نموذج الحياة المفرغة التي يعيشها الشباب اليوم المليء بالطاقة والآمال والنشاط أمام سياسات وطنية عجوزة ومؤسسات تعليمية بالية تقليدية تؤمن فقط بفك الحرف واستراتيجيات وطنية تسيطر عليها الأدلجة والحسابات السياسية في مقابل وطنية هؤلاء الشباب التي تم تشويهها. لكم الله.

 

اليوم الوطني .. تسيس أم مجرد فوضى شباب؟
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة