ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 01/10/2012 Issue 14613 14613 الأثنين 15 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

جاء صوتها عبر الأثير وهو يقطر دلالا وشهوة بحلمها بولادة ابنها في غرفة بالغة الفخامة والترف فجاء زوجها ممازحا ً إياها بلهجته السعودية: “هذي ولادة ولا فندق خمسة نجوم” ؟

هذه الدعاية التي تروج لها إحدى المستشفيات الكبرى في مدينة الرياض, وتدفع لها مبالغ طائلة لتبث كل بضعة دقائق في الراديو, تمثل ظاهرة اجتماعية مأساوية تحصل في غرف وأجنحة مستشفيات مدن المملكة الكبرى, أحب أن أسميها أعراس الولادة الصغيرة, فهي تحمل كثير من خصائص الأعراس التي تقام في قاعات الاحتفالات, عدا أنها أصبحت هذه المرة في أجنحة بعض المستشفيات.

فمنذ لحظة دخولك إلى غرفة تلك الأم الجديدة, ستجد أطنانا من الورد الموزع باتجاهات الغرفة الأربعة, وكميات مهولة من الشوكولاته والمعجنات, ولترات من القهوة العربية والعصائر والشاي والنيسكافيه بكميات كبيرة, فينتابك شعور بأن القائمين على إعداد مراسم الاستقبال تلك بكل ما تتضمنها من تقديمات سيطعمون قطعانا من الجياع الذي لم يأكلوا منذ أيام وليس زوار أتوا لتقديم واجب الزيارة والمباركة, ما يجعل هؤلاء الزوار أيضا ً تحت ضغط تقديم شيء يناسب حالة المغالاة الاجتماعية تلك.. فإذا كانت باقة ورد صغيرة أو علبة شوكولاته ناعمة تسعد المرأة “الوالدة” وتفي بالغرض إلا جانب عناء القدوم قديما, فإنها اليوم لم تعد تكفي أبدا ً في ظل التضخم الحاصل في كل جوانب مراسم الولادة! فأصبح الزائر مجبرا على تقديم باقة طولها متر أو “صينية شوكولاته” تكفي لإطعام 5 عوائل على الأقل, أو ربما هدية أخرى ثمينة ومكلفة مادية يضطر الزائر لتقدميها ليجاري واقع المظاهر والبذخ المستشري في أوصال المجتمع, فيصبح خبر ولادة فلانة مزيجا من الفرح والهم.. فرح قدوم ابنها, وهم مشوار البحث والتنقيب عن الهدية المناسبة ذات التكلفة الباهظة غالبا ً, ما جعل مناسباتنا الاجتماعية تصبح أحيانا عبئا وهما لا يطاق خصوصا حين يكون الشخص فردا ً في عائلة كبيرة وذات فروع متعددة, ما يعني تزايد ارتباطاتك والتزاماتك الاجتماعية.

الضحية الأولى لهذه الظاهرة السيئة, هو ذلك الزوج المسكين الذي أصبح مجبرا على دفع عشرات الآلاف أحياناً لتأمين ولادة في جناح مستشفى خاص, يتغذى على شهوة بعض فئات المجتمع المقيتة للمادية والبذخ, فيصبح خبر حمل زوجته ممزوجا ً بهم تحقيق تطلعاتها بولادة “خمس نجوم” كتلك التي تمنتها وروجت لها أختنا في الله بالدعاية.

فيصبح المثل القديم الذي يثني على الزوجة “ الولود الودود” منتهي الصلاحية, في زمن أصبح فيه حتى إنجاب الأبناء له ترتيبات اجتماعية محددة تحمل طابع الفخامة ويتم الحديث عنها مجالس النساء, ما يجعل التنافس بينهم شرس للفوز برضا الزوار, ليبقى الرابح الأكبر هو محلات الورد والشوكولاته وبالطبع ملاك المستشفى, والخاسر الأكبر هو جيب الزوج المسكين.

سألت إحدى صديقاتي الأجنبيات ما هو أول شيء ستفعلينه حينما تعرفين بأنك تحملين طفلا ً في أحشائك.. فقالت: سأقرأ كتباً عن كيفية تربية الطفل والاعتناء به, وسأبحث عن أفضل مراكز الحضانة التي ستحتضنه حينما أعود إلى عملي, كما أني لن أنسى البحث عن أفضل مدرب رياضي يساعدني على إنقاص وزني واستعادة رشاقتي بعد الحمل. أذهلني جوابها خصوصا وأني ابنة مجتمع أول ما يخطر بباله حينما يقترب موعد الولادة, حجز أفضل الأجنحة وأفخمها وبدء البحث عن شركة تصمم ديكور الغرفة, ومحلات الحلويات التي ستطعم الزوار وتملأ بطونهم.

أخيرا ً ما يؤلمني حقا ً بأن أفراحنا لم تعد تفرحنا, وكثير من مناسباتنا الاجتماعية التي من المفترض أن تتسم بالفرحة العفوية أصبح يغلفها التكلف والبذخ المقيت, ابتداء من حفلات الخطوبة والزواج وصولا إلى استقبال الولادة وغيرها من المناسبات الاجتماعية.. فمتى ندرك أن الجمال يكمن في الاعتدال وأن السعادة تولد من رحم البساطة وأن إرضاء الناس والمجتمع غاية لا تدرك؟؟

Twitter:@lubnaalkhamis
 

ربيع الكلمة
“ولادة” خمس نجوم !
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة