ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 06/10/2012 Issue 14618 14618 السبت 20 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

فقدنا نحن شعب المملكة العربية السعودية ابتسامة تالا.. وحضورها بيننا.. ولعبها البريء مع أهلها ورفيقاتها وربعها وجيرانها.. فقدت عائلة تالا طفلة الأربع سنوات التي كانت بتواجدها وحضورها تدب الحياة في أرجاء منزلهم في ينبع بمنطقة المدينة المنورة.. ولكن بقيت تالا في قلوبنا، وعاشت معنا كما هي أحد أبنائنا وبناتنا..

لقد عشنا أياماً صعيبه وأوقاتاً حرجة مع أسرة سعودية نموذجية تعكس صفاء ونقاء الأسرة السعودية في بلادنا بسبب ما اجتاحتها من أحداث صعبة وآلام فوق الاحتمال.. ولكن لنقول ما قالته زينة الشهري والدة تالا “الحمد لله” الذي لا يحمد على مكروه سواء.. وجعلها الله شفيعة لوالديها عند رب العزة والجلال.

زينة الشهري كانت نموذجاً للمرأة المسلمة المتيقنة من ربها والتي كانت نموذجاً للمرأة التي عايشت إحدى أكبر مصائب الإنسان مع زوجها وبناتها وأسرتها وأهلها، ولكنها احتسبتها لله وارتبطت بمن أعطى وبمن أخذ بصمت وصبر وحكمة ورجاحة عقل.. فألهمها الله الصبر ويقنها الحكمة لتقود أسرتها وباقي الأسر السعودية والأسر الإنسانية أينما كانت في كل مكان في هذا العالم أن الصبر هو اللغة التي يجب أن تكون مع مثل هذه الأحداث الجسام التي مرت ومررنا بها.

تالا الشهري دخلت في بيتنا وعاشت معنا، وعشنا معها خلال الأيام الماضية وكأنها عاشت معنا منذ ما يزيد على أربع سنوات.. لقد عاشت تالا مع كل أسرة سعودية ونحن نتخيلها جميعاً أنها منا وهي فرد من أفراد أسرتنا، فقدناها وكأننا فقدنا عزيزاً أو غالياً من أهالينا وأسرنا القريبة.. تالا لم تعد طفلة عاشت في أحضان والدها ووالدتها وأخواتها، ولكنها أصبحت منا فقد حجزت لها مكاناً في منازلنا واحتلت قلوبنا، وأدمعت عيوننا، وسكبت الحسرة في كل أرجائنا ومحيطنا.. نعم عاشت تالا فينا، ونحن عشنا معها ومع أسرتها الكريمة لحظة بلحظة وكلمة بكلمة وحدثاً بحدث.

لقد أدارت زينة الشهري -في ظل غياب زوجها لظروف أخرى صعبة- الأزمة التي اجتاحت أسرتها بحكمة وروية، ولم تكن مصيبتها واحدة بل تعدت ذلك إلى أسرة أخرى بريئة ذهبت ضحية صدم الحادث وتخيل المفجوع.. ما أصعب أن يشعر شخص أن ظروف مأساوية فاجعة قد دخلت منزله وهو في طريقه إلى منزل زوجته وأبنائه وأسرته.. أمور وخيالات جامحة وصعبة يلفها الغموض وتجتاحه لحظات يتغلب فيها جموح الخيال على صوابية المفترض من المواقف والأحاسيس.. لقد أدارت زينة في ظل الغياب الفاجع لزوجها أزمتها الشخصية مع فقدان ابنتها، وأزمتها مع تبعات وتداعيات هذه الأزمة، وأزمتها مع مكفولتهم التي صعقتهم وصعقت كل إنسان في هذه الأرض بجريمتها النكراء في طفلة الأربع سنوات.

تالا هي رمز طفولي بريئ موجود في منازلنا، وفي مدارسنا، وفي كل مكان نتردد عليه.. ولكن جنون اللحظة، وفقدان الاتزان العقلي، وتضاليل أشخاص وفئات أودت بحياة تالا في أبشع جريمة إنسانية على وجه الأرض.. لقد غدرت بها أيادي الجريمة، ولا أريد أن أتخيل أن “كارني” الخادمة القاتلة قد جاءت إلى تالا بأي وسيلة وبأي كلمة وبأي أسلوب.. وكيف كانت تالا تنظر إلى الخادمة التي كانت تحبها وتودها وتحترمها.. أيادي الجريمة حاولت أن تستغل براءة وطهارة وثقة تالا، ولكن بدل أن تبادلها الحب بالحب بادرت تلك الأيادي لأن تقتلع حياة تالا وتفعل بها أبشع الجرائم.. وبكل أساليب التعذيب الوحشي والهمجي الذي قد لا يفعله أعتى المجرمين على وجه الأرض.

إن مقتل تالا يجب أن يكون منعطفاً أساسياً في كثير من الأمور التي يجب أن يعمل عليها المجتمع السعودي يداً بيد حتى يتم تصحيح بعض الأمور وإصلاحها حتى لا تتكرر مثل هذه الواقعة الأليمة في بيت آخر -لا قدر الله - أو في ظروف أخرى مشابهة.. إننا لا يمكن أن نرد قضاء الله وقدره، ولكن يجب أن نعمل بأسباب وظروف تحول بمشيئة الله دون تكرار هذه الجرائم الإنسانية في منازلنا.. وفي مقدمة هذه الظروف منع الساعات الطويلة لأطفالنا وخلوة الخادمات بهم، ولربما أحد هذه الظروف التصحيحية هو ضرورة وجود حضانات ورياض أطفال تستوعب جميع الأطفال في بيئات العمل النسائية، إضافة إلى حضانات أخرى في الأحياء تعمل لساعات طويلة يمكن أن نأمنها على رعاية الأطفال حتى الساعات المسائية المبكرة.. وهذه الحضانات ورياض الأطفال هي مطلب وطني هدفه التربية والتعليم في الأساس، ولكن في مثل هذه الحالات سيكون مطلباً إنسانياً بالدرجة الأولى.. وليندرج هذا الأمر ضمن حقوق المواطن على مؤسسات التعليم والصحة وغيرها من المؤسسات. لقد فقدنا تالا في حالة مأساوية، ولا نريد أن نفقد غيرها -لا قدر الله-.

alkarni@ksu.edu.sa
رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود
 

تالا وزينة الشهري: في بيتنا مجرمة
د.علي بن شويل القرني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة