ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 08/10/2012 Issue 14620 14620 الأثنين 22 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ليست هي المرة الأولى التي يتجرأ فيها الإيرانيـــون على إنتاج أفل ام، تجسد حياة الرسل، والأنبياء، بل سبقتها أعمال فنية جسدت فيها حياة إبراهيم، ويوسف، وعيسى، ومريم العذراء - عليهم الصلاة والسلام - ويبدو أن تجسيد هؤلاء في المسلسلات سنة، سبقت إليها الدراما الإيرانية، - باعتبار - أن منطلق السينما الإيرانية في التعاطي مع الأنبياء عقائدي في المقام الأول، فالثقافة الخمينية لا تجد مانعا في عرض سير الأنبياء، والرسل.

الأنبياء هم أفضل البشر على الإطلاق، وإن تفاوت فضلهم فيما بينهم. اختارهم الله للنبوة، والرسالة؛ لما علم فيهم من الفضل، والنقاء، والكمال، - وبالتالي - فإن مكانتهم أعز من أن يُتمثل في صورتهم؛ لمكانتهم الرفيعة، ومنزلتهم العالية. وفي تجسيد حياة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليه به، وتنزيل له من المكانة العالية، التي جعلها الله له، وأكرمه بها.

أحد مفاسد تجسيد الأنبياء، هي تعلق المشاهد بشخصية الممثل، والخلط بين ذلك، وبين المحبة الشرعية للنبي - صلى الله عليه وسلم. وعلى تقدير صحة ذلك، فإن شر المسلسل سيطغى - حينئذ - على خيره، ومفسدته ستربو على مصلحته، وتجسيدهم في هذه الحالة، سيكون حراما؛ لأنه سيؤثر سلبا في وصول فكرة العمل إلى قلب المشاهد، وعقله. وتأمل معي كلاما نفيسا - للكاتب - أحمد أبو رتيمة، وهو يقول: حين تصور شخصًا، أو تنحته، فإنك تضع له شكلاً محددًا، ينطبع في مخيلة المشاهد، وبذلك تحرم المشاهد من فضاء الخيال الواسع، الذي كان يتمتع به في النظر إلى هذه الشخصية، فهو لن يكون قادرًا بعد ذلك على تصور هذه الشخصية خارج حدود القالب الذي وضع له. وهذا ما نراه - مثلاً - في فيلم عمر المختار، فبمجرد ذكر اسم هذه الشخصية، تتبادر إلى الذهن صورة - الممثل الأمريكي - أنتوني كوين، الذي جسد دور عمر المختار في الفيلم المشهور، فغطت شهرته على الصورة الحقيقية لعمر المختار، وحتى حين يرى أحدنا صورة عمر المختار الحقيقية، فإنه سيجد صعوبةً في إحلالها في ذهنه محل صورة أنتوني كويني، المنطبعة في ذاكرته بعد أن ترسخت بالتكرار.

أما حين لا تظهر شخصية البطل في المسلسل، فإن ذلك يحيطها بهالة من الأهمية، ويساعد خفاؤها في شد ذهن المشاهد؛ لمحاولة تخيلها، وينطلق عنان فكره في كل اتجاه؛ مما يساهم في إثراء خياله، وتوسيع أفقه، ويحافظ على بقاء فكره متحررًا من أي قوالب محددة؛ لانطلاقته.

إذاً، من شأن بقاء الصورة الحقيقية خافيةً، أن يتيح المجال واسعًا أمام خيال الإنسان؛ للذهاب إلى أبعد مدى يستطيع أن يذهب إليه، وهو ما عبّر عنه الروائي الكولومبي المشهور، والحائز على جائزة نوبل في الآداب “غاربرييل غارسيا ماركيز” إلى هذه الحقيقة، فرفض عروضًا؛ لتحويل رواياته إلى أفلام سينمائية معللاً هذا الرفض، بالقول: “أنا أفضل أن يتخيل قارئ كتابي الشخصيات كما يحلو له، وأن يرسم ملامحها مثلما يريد، أما عندما يشاهد الرواية على الشاشة، فإن الشخصيات ستصبح ذات أشكال محددة، هي أشكال الممثلين، وليست تلك الشخصيات التي يمكن أن يتخيلها المرء أثناء القراءة”.

إذا كان العلماء المعتبرون، هم المخولون للبت في مواضيع كهذه؛ لالتزامهم بقواعد الفتوى، والبيان، وعدم الخروج عن إجماع من تقدم، فإن قرار مجمع البحوث الإسلامية، وقرار الأزهر الشريف، ودار الإفتاء في مصر، وقرار هيئة كبار العلماء في السعودية، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية، والإفتاء، ولجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية، وغيرها كثير، قد نصت على عدم جواز تجسيد الأنبياء، والرسل. ومنطلق التحريم، هو أن تمثيلهم ليس مطابقا للواقع، كما قد يؤدي إلى إيذائهم، وإسقاط مكانتهم.

سأضم صوتي هذه المرة إلى عبارة المنتج الهوليودي “محمد رسول الله”، - للأستاذ - محمد العنزي، بأنه: “لا توجد شخصية في العالم، يليق بها أن تجسد سيرة أهم رجل في التاريخ، وهو - خاتم الأنبياء - محمد - صلى الله عليه وسلم”. وأنا أقول: كيف تتأتى الاستفادة من تمثيل إنسان لشخص نبي، أو رسول، ومن قبل مثّل مشاهد الله أعلم بها، ومن بعد سيمثل ما كان في سابق عمره؟

drsasq@gmail.com
 

تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية!
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة