ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 09/10/2012 Issue 14621 14621 الثلاثاء 23 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا أحد يعرف من اخترع، ومتى، “النافذة” في البيت.. في العام مائة قبل الميلاد، اخترع الرومان تصنيع النافذة من الزجاج.

السينما الغربية استخدمت كثيراً موضوع “النافذة”.. نذكر فيلم (ألفريد هيتشكوك) الشهير “نافذة على الميدان”، ورواية (جورج سيمنون)، التي تحوّلت فيلماً عن ذلك المُتلصص القابع دوما خلف “نافذته”، وعيناه تراقبان سكان العمارة.

وإذا كانت العين “نافذة” الروح، كما يقال شعراً، فإن “النافذة” في جسد المنزل هي عينه المُطلّة على الحياة، على العالم، على الشمس، على الهواء. مِنْ جرح النافذة ينساب الضوء قاهرا ظلمة الداخل.

ثقافة الرسم والتصوير فوتوغرافي في أوروبا، قرَنتْ، دائماً، بين الأنثى والنافذة، ما دعاها إلى التأمل في هذا القران: أنثى تنظر من النافذة، وتُطلّ برأسها، أو تمسح زجاجها. موضوعات القران بين الأنثى والنافذة، منذ القرن السابع عشر الميلادي، استخدمها الفنانون الأوروبيون في الرسم وفي التصوير الفوتوغرافي بشكل خاص.

برغم اختلاف العصر والتقنية، كانت الرغبة واحدة في غواية الفنانين لرسم أو تصوير أنثى قرب النافذة، أو من ورائها، فهل كان هدف هذا الإغواء وضعَ الأنثى في الضوء، أم إبراز قيمتها في “النافذة - اللوحة”؟.

يبدو للعين الفاحصة أن النافذة والأنثى، في لوحات الفنانين الأوروبيين، ليست مجرّد منظر تزييني، إذ تنعقد بينها وبين الأنثى صلة ما. الأنثى أمام “اللوحة - النافذة” حالمة، فضولية، متلصصة، وحبيسة في حالة انتظار. هذه وغيرها تشير إلى أن زجاج النافذة وإطارها الخشبي يتعديان كونهما أشياء. إنها أدوات للرؤية وربما.. أكثر.

إبان فترة طويلة من الزمن الأوروبي، لم تجد الأنثى غير النافذة منفذاً للرغبة في إلقاء نظرة، أو استقبال واحدة. ظلت سجينة الدور الاجتماعي الموكل إليها بوصفها ربة منزل. أنثى الداخل وحبيسة العالم المُغلق لبيتها. النافذة هي جسر العبور الوحيد للنظر إلى آفاق جديدة.

(هنري ماتيس)، الرسام الفرنسي الذي كان من كبار أساتذة “المدرسة الوحشية” في القرن العشرين، رأى أن النساء الفرنسيات البورجوازيات، هنّ حالمات، يستدرن نحو المهرب الذي تُوفّره لهنّ النافذة.

الرسام والمسرحي الفرنسي (جان فيلار) رأى أن النساء يُنقّبن الشوارع في راحة، في حين أن الرسام الفرنسي (هنري ده تولوز - لوتريك) رأى أن الأنثى تنسى للحظة مكانها، عندما تقف وراء النافذة.

النافذة تُقدم للأنثى، ومن دون قسر، المنظور الذي تبحث عنه وتطلبه نظراتها الهاربة، والساعية إلى نقطة راحة. إنها تجعل من الفضاء الذي تُتيحه النافذة لها معراجا لخيالها.. فمن خلال شفافية زجاج النافذة تنتقل الأنثى إلى خارج نفسها، وتنتزع حالها من واقع الحياة.

تتجه الأنثى نحو هذه النقطة - النافذة، التي هي فرجة وثغرة في حجر الجدار الصلد الأبكم، فتدفع بعيداً حدود وجودها وتضع في هذه الفتحة شوقها إلى الفعل والقول والإنوجاد.

تُفسح النافذة للأنثى إمكان الحلم بأمكنة أخرى، ولو بمساحة النظر الحسير.

أنثى أوروبا القرون الثلاثة الماضية، المحتجزة في داخلها، قارَبها الرسام من خلال الزجاج حتى تُضيء على نفسها. جعلها تقبع في المستطيل الخشبي، حتى يضبط رؤيته ويُخرج السرّ الذي تحمله في داخلها. وللحظة خُيّل إليه أن شفافية الزجاج تغلبت على كثافة العالم الأنثوي، وأن نظرته الرائية قد ولجت إلى عالمها، فثبّتها الرسام في لوحة، وها هي مُحاصرة ومسجونة مرة أخرى.

Zuhdi.alfateh@gmail.com
 

النافذة.. أنثى
زهدي الفاتح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة