ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 10/10/2012 Issue 14622 14622 الاربعاء 24 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

استلمت رسالة بالإيميل من كليتي التي أعمل فيها مشيرة إلى أنه بدءاً من هذا الفصل الدراسي الحالي يتوجب على جميع الأساتذة الأخذ في الحسبان أنًّ اختبارات مواد التخصص، وليس المواد العامة، ستكون موحدة وعليه يجب على الأساتذة والأستاذات في قسمي الطلاب والطالبات

ممن يدرسون نفس المادة التواصل فيما بينهم من أجل القيام بوضع اسئلة موحدة للجنسين. الأمر الذي يعني أن كل خطوة في عملية تدريس مقرارت التخصص يجب أن تكون موحدة بين من يقوم بتدريس تلك المواد بشكل يعني عدم السماح بحيادة أي من الطرفين عن ذلك قيد أنمله. وعندها سألت نفسي السؤال التالي:

هل أنا أستاذ في المرحلة الثانوية؟ أم أستاذ في المرحلة الجامعية؟

وجاءني الجواب: لا، مازلت أستاذاً جامعياً، ولكنك ربما لم تكن على اطلاع في مسعانا الحثيث منذ مدة للحصول على اعتماد أكاديمي خارجي وعليه فهذا يأتي استجابة لاحدى متطلبات، أو معايير الجودة والتقويم الأكاديمي. قلت هكذا نحن دوماً في تعاطينا مع كل ما هو مفيد؛ إذ نعمل باجتهاد بارز على تحويله نحو وجهة سلبية، أو على الأقل نتعامى عن الناحية المفيدة فيه وبالتالي نئد كل جميل في مهده. خذ على سبيل المثال من فضائنا الأكاديمي السنة التحضيرية وما أدراك ما السنة التحضيرية، والممارسات المصاحبة لعملية التصنيف، واللغط حول النشر العلمي في القنوات والأدبيات العالمية، والطنطة الإعلامية الصاخبة حول منجزات جامعاتنا وريادتها، وغيرها كثير.

لا يساورني الشك أن هناك مغالطة كبيرة فيمن يسعى لفرض توحيد أسئلة مواد تخصص تدرس في جامعة من منطلق أن هذا متطلب تفرضه الجهات المانحة للاعتماد الأكاديمي من منظار أنًّ عدم تحققه يؤدي إلى إخلال بأحد شروط الحصول على الاعتماد، أو لنقل بدقة أكثر قصور في تحقيق معايير الجودة والتقويم الأكاديمي. لا أظن جامعة عالمية في الشرق والغرب يمكن أن ترضخ لطلب كهذا، وتطلب من أساتذتها أن يقوموا بتوحيد أسئلة مادة يقوم أستاذين بتدريسها سوية، لأن هذا يترتب على نتائج تعليمية سلبية عديدة يدفع ثمنها الأستاذ والطالب في آن واحد.

يأتي على رأس المفرزات السلبية للدفع بهذا السلوك الأكاديمي لتقييد حرية الأستاذ الجامعي في تدريس طلابه ما يراه مفيداً لنموهم الفكري ، والعلمي، ودفعه ليقدم معرفة سطحية لهم، والوقوف حجر عثرة في طريق إبداعه التدريسي؛ لأنه حيئذ لن يسمح له بأخذ زمام المبادرة بالبحث عن الجديد والمفيد لطلابه، والسعي لتنويع طرق عرضه للمادة، والحرص على الاستمرار في تجدويد أدائه، ومحاولة الدفع بطلابه للبحث عن معلومة هنا، أو هناك رغبة في تعزيز فهمهم لما يتم مناقشته داخل قاعة المحاضرات، ومن ثم بناء شخوص متكاملة مستقلة قادرة على استيعاب المعرفة، وإنتاجها، وتوظيفها والتي هي مجتمعة تمثل مطالب رئيسية من متطلبات هيئات الإعتماد الأكاديمي، وبخاصة شق الحرية الأكاديمية الممنوحة لعضو هيئة التدريس الجامعي في نطاق التدريس، والبحث الحر، وإبداء الرأي، وباعتبارها أيضاً أحد منطلقات الحرية الأكاديمية القانونية الذي صادقت عليه دول منظمة اليونسكو في عام 1998 ضمن ما يعرف بمشروع الإعلان العالمي في مادته الثانية بعنوان: “الدور الأخلاقي والاستقلال والمسؤولية ووظيفة الاستباق”.

كما أنه في الوقت نفسه يؤثر سلباً على حماسة الأستاذ ورغبته في بناء منهج يمتاز بالمرونة والاستجابة لمتطلبات وقدرات طلابه، وفوق هذا وذاك أيضاً يقلل من اعتزازه وانتمائه لجامعته نظراً لسلبها أبسط حقوقه المتمثلة في تدريس طلابه بالطريقة التي يراها مناسبة وتتماشى مع الخطوط العريضة لمتطلبات كليته.

الأمر الآخر أنًّ هذا المنحى يؤدي إلى وقوع ظلم على الطالب والطالبة؛ لأنه لا يمكن بحال من الأحول ضمان توافق الأستاذين في طريقة الشرح لمفرادت المنهج، فضلاً عن تفاوات متوقع في كفاءة الشرح وجودته، وحتمية أن يقوم الأساتذة بقصد، أو من غير قصد بوضع أسئلة تأتي في صالح مجموعة على حساب أخرى لم يتوفر لها القدر الكافي من الشرح والإيضاح للمعلومة المسؤول عنها.

وهذا يعيدنا إلى أنًّ الجهات المانحة للاعتماد الأكاديمي في الواقع تصر على توحيد الخطوط العريضة في تدريس المواد عامها وخاصها، والاتفاق على مفردات محتويات المقررات الدراسية، ووضع أطر واحدة عامة للتقويم والقياس، ولكنها لا يمكن بحال أن تصر على فرض الالتزام بتوحيد أسئلة اختبار المادة في حالة قام بتدريسها أستاذين، أو أستاذ وأستاذة في كل من قسمي الطلاب والطالبات.

إن أخوف ما أخشاه بعد الاطلاع على طلبات وتوجيهات مماثلة في عدد من جامعاتنا أنها بذلك قد هيأت الأجواء للدخول في مرحلة التحول رويداً رويداً الى مدارس ثانوية تحدد للأستاذ الجامعي خط السير، وتمنحه حرية التحليق ضمن نطاق فضائي أكاديمي محدد سلفاً. ومن هنا يتوقف دورها عند فقط إنتاج موظفين، وبهذا تتقاعس عن كونها مراكز لبناء جيل مسلح بالعلم والمعرفة قادر على استيعاب المستجدات في العلوم، والتكنولوجيا، وثورة المعلومات المتدفقة، ولعب دور منتج للمعرفة، وصانعة لبُناة التنمية الوطنية. وليت المسؤول الذي يدفع بذلك يدرك أن تفريغ مؤسسات التعليم العالي من مضمونها الحقيقي، وتقزيمها بحيث تصبح عاجزة عن تأدية دورها المأول في ميادين التنمية المستدامة، والتقدم التكنولوجي، والإسهام في الإنتاج، وقيادة المجتمع الفكرية لا يصب في مصلحة الوطن الذي يجب دوماً أن تتوارى مصالحنا الذاتية أمام رفعته وسؤدده ومصلحته العليا.

alseghayer@yahoo.com
@alseghayer
 

جامعاتنا والأسئلة الموحدة للجنسين
د. خالد محمد الصغِّير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة