ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 15/10/2012 Issue 14627 14627 الأثنين 29 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عقب انطلاق الثورات العربية شمال إفريقيا كانت أغلب التوقعات تبشر بحل نموذجي للأزمات الخانقة عن طريق الديمقراطية. لكن بعد فشل الحكومات الانتقالية هناك بدأ التفاؤل بالتضاؤل، وتحول إلى تحذير من أن تقود التجربة الديمقراطية إلى فوضى عارمة أشد سوءاً من الاستبداد السابق.

فهل هذه الفوضى بسبب الديمقراطية؟ إذا نظرنا إلى حسابات التاريخ والتجارب السابقة حتى قبل عقدين في أوربا الشرقية، سنجد أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على هذه التجربة الوليدة.. فكافة الثورات في التاريخ تمر في سنواتها الأولى بمخاضات عسيرة، لكن يبدو أن عصر العولمة وثورة الاتصالات، والضخ المتتالي للأخبار والمعلومات كثَّف الزمن بحيث يبدو الشهر سنوات. فهناك كتّاب يتميزون بالتحليل السياسي الفذ، لكنهم على عجلة من أمرهم فالإعلام لا وقت لديه للانتظار، والناس لا تحب الانتظار..

خذ مثلا الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، كان من أكبر المرحبين بهذه الثورات، قال قبل بضعة أشهر: “ما يحدث اليوم بمنطقة الشرق الأوسط يشير إلى تعثر الربيع العربي، وضياع آمال المتفائلين بالانتقال نحو الديمقراطية والمستقبل الزاهر”. وسبق أن حذرت صحيفة “الجارديان” البريطانية من أن “الجيش المصري يسعى مع كل تغير يحدث إلى تقويض عملية التحول للديمقراطية مما أشاع حالة من اليأس لدى المصريين..” وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك أعظم خطر يواجه مصر.

كما حذرت الجارديان من انزلاق ثورات الربيع العربي نحو المجهول.. ففي اليمن تشير التقارير إلى أن الثورة لم تنجح إلا في تغيير الرئيس عبدالله صالح فيما عدا ذلك فإنها فتحت الباب أمام القاعدة لتتعمّق أكثر في بلد يعاني من الفقر والجوع والأمية ويعيش تأزّما سياسيا خانقا.. فهذا “الطوفان العربي”، وفق تعبير رئيس الوزراء الجزائري أحمد أو يحيى، احتل العراق ودمّر ليبيا وقسّم السودان وهو اليوم يكسر مصر (موقع المغربية).

يلاحظ هنا أن الكُتّاب الذين ينتقدون التجربة الديمقراطية الجديدة هم من الخارج أكثر من الكتاب العرب؛ ليس بسبب ندرة هذا الرأي في العالم العربي، بل يبدو نتيجة خوف الكاتب العربي من أن يوصم بالتهم المعلبة الجاهزة. ألم يستفتح الكاتب والإعلامي المعروف عماد الدين أديب مقاله قبل أيام قائلا: سوف أطرح سؤالاً أعرف أنه يفتح علي أبواب جهنم السياسية، خاصة في زمن الديمقراطيات الشعبية، وفي زمن ما يعرف باسم “الربيع العربي”. كان المقال بعنوان “هل تحتاج الكويت إلى برلمان؟” وفحواه أن الكويت مجتمع تاجر، وصراع الإرادات السياسية والخلافات الشخصية عطلت مصالح البلاد. والآن يستحكم الخلاف بين الحكومة والبرلمان، وتشتد التجاذبات الحادة كما حصل من عملية اقتحام البرلمان، وما اتخذه الصراع من أبعاد قبلية وطائفية.. هذا كله يدفعنا للسؤال: هل البرلمان خير أم شر؟

نلاحظ، إذن، أن التشاؤم من فوضى الديمقراطية امتد من الدول التي شهدت ثورات إلى الدول التي لم تشهدها! فهل المسألة عدوى الفكرة؟ في تقديري أن الحكم على تجربة الكويت يغفل أن مجلس الأمة يمتد لحوالي نصف قرن، مما يشكل لبنة أساسية في بناء دولة الكويت الحديثة، والأزمة الحالية جزء من صيرورة هذه التجربة وليس بدايتها ولا خاتمتها. لنتصور لو قلنا هل تحتاج اليونان إلى برلمان على ضوء الأزمة المالية الخانقة والاضطرابات العارمة وفشل الحكومات المتتالية فيها وتخبط علاقتها مع البرلمان؟ بطبيعة الحال سيكون ذلك صادماً، رغم أن تجربة مجلس الأمة الكويتي اقدم من البرلمان اليوناني الحديث! إذن، ألا يمكن لنا نظرياً أن نعكس الجملة، ونقول إن الأزمة في الكويت ليست في الديمقراطية بل في نقصها والتضييق على مجلس الأمة!

وكان الكاتب والإعلامي المبدع تركي الدخيل قبل أقل من ثلاثة أشهر عنوان مقاله بـ”ديمقراطيات الخراب” قائلاً: “يتحمس بعض الناشطين في الخليج بالدعوة إلى الديمقراطية من دون أن يأخذ بالاعتبار الشروط الثقافية التي لا بد أن تتوافر عليها.. دون أن يدرك أن الغايات التي ستأتي بها الديمقراطية موجودة ومتحققة أساساً في الخليج. حين نأتي إلى التنمية ومستوياتها في العالم العربي سنجد أن الدول التي اتخذت التنمية مساراً مثل دول الخليج هي أغنى الدول وأكثرها استقراراً، على حين أن الدول الديمقراطية، أو التي تزعم أنها كذلك هي أقل الدول نمواً وأكثرها تفككاً وتشوهاً.”

يمكنني أن أساعد الدخيل بفكرة إضافية، وأقول إن مؤشر الديمقراطية قبل الربيع العربي يوضح أن ترتيب الديمقراطية في الدول العربية هو: لبنان، العراق، الكويت، موريتانيا. أليس هذا الترتيب مضحكاً، فثلاث دول من هذه الأربع تترنح وبالكاد تمتلك هيكل دولة! إنما المؤشرات الرقمية عوراء وأحيانا عمياء.. نعم، لبنان ديمقراطي لكنها ديمقراطية من النوع “الرث” إن صح التعبير، فالرئيس لا بد أن يكون من طائفة ورئيس الحكومة من أخرى ورئيس البرلمان من ثالثة.. وكل طائفة لها وزير محدد في الحكومة.. وكل طائفة تكاد تحكم منطقة من البلد.. ومليشيا الأحزاب أقوى من الجيش النظامي.. إلخ. وما يقال عن لبنان يمكن أن يقال عن العراق. أما الكويت فالديمقراطية فيها ليست مستجدة ويصعب اتهامها بأنها سبب الأزمة الأخيرة.

لقد تم التحذير بأن أكبر خطر يواجه مصر هو استيلاء الجيش على السلطة. لكن ما الذي حصل؟ ها نحن شاهدنا كيف سلم الجيش كافة السلطات المدنية التشريعية والتنفيذية إلى الإدارة السياسية. إذا أردنا أن نقيّم ما يحدث بشكل عام في تونس ومصر وليبيا، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على هذه التجربة الوليدة خاصة أنه لم يحدث فراغ في السلطة باستثناء بعض مناطق ليبيا التي يبدو أنها مؤقتة. أما عدم الاستقرار في اليمن فهو استمرار لما كان عليه سابقاً ولا جديد فيه ما يحسب على الثورة.

في تقديري أنه من الأجدر أن يعدل السؤال من هل هذه الفوضى بسبب الديمقراطية، إلى سؤال أدق وهو: هل هذه الفوضى بسبب نقص الديمقراطية؟ فالاستبداد السابق ومعه تؤميه الفقر والفساد هي التي دفعت شعوب هذه البلدان إلى الثورة، وما يحدث الآن هو نتائج لعقود من هذا الطغيان، وذنب الديمقراطية فيه هو كذنب طبيب قاسٍ يعالج مريضاً أهمل نفسه طويلا!

alhebib@yahoo.com
 

هل الديمقراطية تناسب العرب؟
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة