ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 15/10/2012 Issue 14627 14627 الأثنين 29 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في الأسبوع الماضي تناقلت وسائل الإعلام المختلفة في بقاع العالم فوز البروفيسور شينيا ياماناكا، الياباني الجنسية، بجائزة نوبل في مجال الطب هذا العام. وكان قد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في الطب عام 1432هـ - 2011م،

وهو - بهذا يكون السادس عشر من الذين نالوا جائزة الملك فيصل في الطب أو العلوم، ثم فازوا بجائزة نوبل على الإنجاز الذي حَقَّقوه، فنالوا به جائزة الفيصل. وهذا إضافة إلى علماء آخرين في المجالين المذكورين نالوا هذه الجائزة، ثم نالوا جوائز كبرى غير جائزة نوبل؛ مثل جائزة لاسكار، التي يُسمِّيها باحثون “ نوبل الأمريكية”، والميدالية الوطنية للعلوم، التي هي أرفع جائزة علمية في أمريكا.

وما تَحقَّق لجائزة الملك فيصل العالمية من ريادة في تكريم من يستحقون التكريم على مستوى العالم إنما تَمَّ بتوفيق من الله، ثم بفضل جهات الترشيح لها، وللمحكَّمين الذين حكَّموا إنجازات الباحثين، ولأعضاء لجان الاختيار الأفاضل، الذين لهم الكلمة الفصل في منح الجائزة أو حجبها. فلجميع من أسهموا في إيصال التكريم إلى من يستحقه خالص الشكر والتقدير.

ولقد كان من توفيق الله لأولاد الملك فيصل، رحمه الله، أن بادروا بإنشاء مؤسسة الملك فيصل الخيرية؛ مؤسسة رائدة في ميدان العلم الخيري النيِّر. ذوأدرك هؤلاء الأولاد البررة المنزلة الرفيعة للعلم والعلماء، التي أكَّدتها نصوص القرآن الكريم والسنة القويمة، وأوضحتها مواقف عظيمة لقادة من أُمَّتنا؛ سلفاً وخلفاً، عرباً وغير عرب. وقد تختلف مظاهر تقدير العلم والعلماء من جيل إلى جيل، ومن مجتمع إلى آخر، لكن جوهر المضمون واحد؛ وهو الأهم.

ولإدراك أولاد الفيصل أَهمِّية العلم جعلوا من أولويات مؤسسته الخيرية تشجيع طلاب العلم، ونشره، وتكريم العلماء. فكان أن قاموا بإنشاء مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، المشتمل على مكتبة غنية بالمصادر والمراجع المفيدة للباحثين، والذي له فضل في نشر كتب قيِّمة، وإقامة معارض لتراث الأُمَّة ومحاضرات وحلقات نقاش مُهمَّة. وقاموا بإنشاء مدارس الفيصل، التي أصبحت لها مكانتها الرفيعة في التعليم العام، كما أنشأوا جامعة الفيصل، التي يُرجَى أن تحتلَّ المكانة التي هي جديرة باحتلالها بين جامعات الوطن؛ إضافة إلى ابتعاث طلاب من العالم الإسلامي للدراسة في جامعات رفيعة المستوى.

ولقد رأى أولاد الفيصل الكرام أن يكون من أولويات تكريمهم للعلماء إنشاء جائزة عالمية تحمل اسم أبيهم، الذي:

حَذَق السياسة حنكة وتجارباً

وبفنِّها كان الخبير المُلهَما

لم تثنه الأحداث عن تَصميمه

يَوماً ولم يألف “عسى” أو “رُبَّما”

وتمنح هذه الجائزة سنوياً تقديراً للجهود الرائدة النافعة لأُمَّتنا الإسلامية بخاصة، وللبشرية بعامة؛ دعوة طيبة وفكراً نيِّراً أو ممارسة بَنَّاءة. وفروعها خمسة: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي واللغة، والطب، والعلوم.

كان قرار أمناء مؤسسة الملك فيصل الخيرية إنشاء جائزة الملك فيصل العالمية، عام 1397هـ/1977م، خطوة رائدة مُوفَّقة. وقد بدأ منحها بعد ذلك بعامين. فعمرها الآن؛ مانحة للجائزة ثلاث وثلاثون سنة. وهذا العمر اكتمال الشباب؛ تَدفَّق حيوية. ورئيس هيئة الجائزة هو صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، الذي كان مما قاله عنها وعن المؤسسة على العموم: “إن عظمة الأمم لا تقاس بما تملكه من وسائل الحضارة المادية، وإنما تقاس بمواقفها الإنسانية من أعمال الخير والبر.. وإن مجد الأفراد تصنعه أعمالهم العظيمة الهادفة إلى خدمة عقيدتهم وخير أُمَّتهم وبلادهم والإنسانية كُلِّها.”

ولقد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية بفروعهـا الخمسة حتى الآن 223 فائز أو فائزة من 40 دولة في العالم: في خدمة الإسلام 40 من 20 دولة؛ وضمن هذا العدد 5 مؤسسات خيرية، وفي الدراسات الإسلامية 33 من 14 دولة، وفي اللغة العربية والأدب 44 من 13 دولة، وفي الطب 59 من 11 دولة، وفي العلوم 47 من 11 دولة.

ولِكُلِّ فائز، أو فائزة، بجائزة الملك فيصل العالمية ريادة خاصة مُتميِّزة في إنجاز الكثير مما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ مثرياً المعرفة الإنسانية العامة، ومُعمِّقاً للمعرفة التخصصية الدقيقة. وكُلُّ ريادة لفائز أو فائزة جديرة بالحديث عنها، لكن حَيِّز المقالة لا يتيح في هذه الحلقة إلا إيراد كلمات عن الفائز بجائزة نوبل في الطب هذا العام، والذي كان فوزه مما تناقـلته وسائل الإعلام العالمية المختلفة في الأسبوع الماضي، وهو البروفيسور شينيا ياماناكو، الياباني الجنسية، والذي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في الطب العام الماضي.

ولد هذا العالم الكبير في مدينة أوساكا اليابانية عام 1282هـ/1962م. وحصل على الدكتوراه في الطب من جامعة تلك المدينة. وأصبح طبيباً مقيماً في قسم جراحة العظام هناك مدة سنتين. ثم حصل على زمالة لما بعد الدكتوراه في معهد جلادستون لأمراض القلب والأوعية الدموية في سان فرانسيسكو بأمريكا. وهو الآن مدير مركز بحوث الخلايا الجذعية وتطبيقاتها، وأستاذ في معهد علوم المواد المتكاملة في جامعة كيوتي، وباحث أَوَّل في بيولوجية الخلايا الجذعية في معهد جلادستون، وأستاذ التشريح في كلية الطب بجامعة كليفورنيا.

ولهذا العالم العظيم بحوث كثيرة في مجال الخلايا الجذعية في طليعتها اكتشافه، عام 1427هـ/2006م، طريقة وراثية لتحويل الخلايا الجلدية إلى خلايا جنينية مماثلة للخلايا الجذعية الجنينية؛ أي خلايا قادرة على الانقسام والتكاثر بلا حدود والتحوُّل إلى نوع آخر من أنواع خلايا الجسم. وكان لهذا الاكتشاف أثره الكبير في البحوث العالمية في بيولوجية الخلايا الجذعية.

وقد نالت بحوث البروفيسور شينيا ياماناكا الرائدة تقـدير الدوائر العلمية العالمية، وحصل - إضافة إلى جائزة الملك فيصل العالمية - على عدد من الجوائز الكبيرة من مؤسسات علمية راقية. ولقد اختارته مجلة التايم الأمريكية “الشخصية المميَّزة لسنة 2007م، وأدرجت اسمه ضمن قائمة المئة شخص الأكثر تأثيراً في العالم لسنة 2008م. ولَعلَّ من الجدير بالذكر أن الفائز بجائزة نوبل في الطب عام 2010م سبق أن فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في المجال نفسه قبل واحد وعشرين عاماً من ذلك التاريخ، وأن للمرأة حضوراً واضحاً في جائزة الملك فيصل العالمية منذ إنشائها؛ مُحكَّمة، وعضواً في لجان الاختيار، وفائزة. وكثير من الناس يَهمُّهم، بالدرجة الأولى، فوزها بالجائزة. وقد نالها - حتى الآن - تسع نساء: أربع عربيات في الأدب العربي، وأربع في الطب، اثنتان أمريكيتان، وواحدة فرنسية الجنسية من أصل عربي، وواحدة كندية ومسيحية بريطانية في الدراسات الإسلامية. ومن الجدير بالذكر، أيضاً، أن نسبة الفائزات بجوائز علمية عالمية إلى الرجال الفائزين بها لا يرَقى إلى نسبة الفائزات بجائزة الملك فيصل العالمية.

وقبل إنهاء هذه الحلقة من المقالة أود أن أشير إلى الأمور الآتية:

الأول: أن الإسلام - كما يفهم فهماً صحيحاً - قد أتاح للمرأة أن تنال ما يليق بها من احترام وتقدير. وهذا ما تَحدَّث عنه، ووضَّحه بالتفصيل عدد ممن فهموا هذا الدين القَـيِّم حق الفهم، وأدركوا مضمونه غاية الإدراك.

الثاني: أن العمل عمل بغض النظر عن المكان الذي يُؤدَّى فيه. ومما يؤسف له وجود نظرة لدى بعض الناس مُؤدَّاهـا أن عمل المرأة في بيتهـا؛ مُربِّية لأطفالها، وراعية لمنزلها، ليس عملاً؛ بل العمل لديهم لا بد أن يكون خارج المنزل.

الثالث: أن المرأة في الغرب وصلت إلى مكانة اجتماعية مرموقة في بعض الجوانب؛ وبخاصة السياسية، لكنها هوت إلى درجات انحطاط في جوانب أخرى حتى أصبحت بمنزلة سلعة، وبدأت تظهر أصوات نسائية في الغرب نفسه تدعو إلى إنقاذها من الدركات.

الرابع: أن المرأة في الغرب - مع وصولها إلى مكانة سياسية - ما زالت نسبة تمثيلها في الحياة السياسية بعيدة عن نسبة تمثيل الرجل في تلك الحياة. ونظرة إلى البرلمانات في أوروبا وأمريكا توضح ذلك. ولقد فتح الباب على مصراعيه أمام النساء في بعض البلدان العربية التي تجري فيها انتخابات. فمن تلك البلدان ما لم تنتخب فيها من النساء إلا أعداد محدودة جدا؛ بل إن منها ما لم تنتخب فيها امرأة واحدة. وللمرء أن يسأل:أين نصف المجتمع - وقد سمح له بالانتخاب - عن انتخاب جنسه الناعم؟ وما يرى في الحياة السياسية يمكن أن يرى ما يقاربه في المجال العلمي؛ سواء في التدريس بالجامعات أو في العمل بمراكز البحوث. ولِقلَّة العاملات في هذا المجال لم يكن غريباً أن يُرَى عدد الفائزات بجوائز علمية راقية قليلاً جداً مقارنة بعدد الفائزين بتلك الجوائز من الرجال.

على أن الحلقة القادمة من هذه المقالة ستكون عن فائزتين فقط ممن فزن بجائزة الملك فيصل العالمية لما لهما من جهود علمية مُميَّزة، ولما في حياتيهما من عبر ودلالات.

 

جائزة الملك فيصل العالمية في أوج شبابها - 1 -
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة