ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 20/10/2012 Issue 14632 14632 السبت 04 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أصبحت ثقافة مكافحة الفساد حديث الناس، وتكاد حواراتهم وأدبياتهم لا تخلو من الحديث عن وجوه الفساد وأنماطه، وهل من الممكن إيقافه أو إصلاح الشأن، وهل هو عمل منظم، أم أنه يظهر بسبب غياب المحاسبة وعدم إحكام الرقابة على أداء المؤسسات، وقد يكون كلاهما، لكن يظل الأمر يحتاج إلى شيء من التفصيل، لأن الفساد متنوع، فعلى سبيل المثال المنظومة التي تُدار من خلال نظم بيروقراطية بطيئة تختلف عن الإدارة التي تُدار من خلال عقل الفساد، تلك الآفة التي يجب التخلص منها في أسرع أوقت، قبل أن يحل الدمار والخراب في الوزارة أو المؤسسة أو الإدارة أو الشركة.

ما أريد الوصول إليه أن بعض الإداريين يجعل من الفساد معياراً إيجابياً وسلماً يصعد من خلاله صغار الموظفين، فإذا أثبت الموظف أنه قادر على كسر الأنظمة والتلاعب كيفما شاء بقوانينها وأنظمتها، فهو إذن مؤهل للاستمرار في منصبه، ومرشح للوصول إلى ثقة الذي يُدير المؤسسة من خلال آلية الفساد، وإذا كان المرء على خلاف ذلك، وحريصاً على الأنظمة، وملتزماً بأهداف الشركة أو المؤسسة فأنه يُقصى ويُطارد في عمله حتى يُسلم بقدر وسمو أخلاقيات منظومة الفساد، وإذا لم يتكيف معها يُنفى خارج المنظومة الإدارية، هذا حسب وجهة نظري أخطر أنواع الفساد، وأكثرها فتكاً لمصالح المجتمع والبلد، ولا بد من البحث عن هؤلاء في مختلف زوايا المؤسسات الحكومية، وإقصائهم قبل أن تحل الكارثة.

عندما يكون الفساد معياراً إيجابياً، يشعر المرء أنه يعيش في أشبه بورشة العمل اليومية لإعداد الكوادر الفاسدة، والتي بمقدورها تنفيذ ما يريد المسؤول الكبير بدون أن يتكلم أو يُوجه، أي تصبح بمثابة لغة الإشارات التي لها قواعدها وكلماتها ولا يعيها إلا القلة، وبسبب ذلك تنهار منظومة الأخلاق، وينحدر الإنتاج، وتموت المواهب، ويُصبح الإبداع طريداً في دهاليز المؤسسة، ليصبح شعار المؤسسة أن تصمت خيراً من أن تعمل، وعندما يكون الفساد مؤهلاً وشهادة تفوق، ينتشر الكذب ويسود التسلط والتسيب في آن واحد، وتصبح المؤسسة منظمة لإدارة الخلافات والعمل على إسكات الأفواه إما بالتهديد أحياناً، أو بالضغط في أحيان أخرى.

عندما يكون الفساد الإداري هيكلاً تنظيمياً له تراتبيته ومناصبه ومكافآته، يخسر الوطن طاقاته، ويُصاب الجيل الجديد بالإحباط، ويكثر اللغط والهرج والمرج، وتضيع جهود الناس في الاقتتال على الهامش، وفي إقصاء غير المرغوب فيهم بأساليب تُعتبر جنايات في حكم القانون، لكن تحت مظلة إدارة الفساد تُعتبر عملاً ناجحاً بكل المقاييس وتُمنح من أجله المكافآت، ما أتحدث عنه في هذا المقال قد يكون طرحاً نظرياً من نسج خيال فلاسفة الإدارة، لكن قد يكون له وجود تطبيقي في الحياة العملية، وقد يكون منفذوه في غاية الذكاء في تسيير شؤونهم الإدارية بعيداً عن عيون الرقيب.

يبقى السؤال الأهم عن كيفية كشف هؤلاء، وهل بالإمكان إيقاف انتشارهم في المؤسسات والوزارات؟، وأعتقد أن ذلك ممكن إذا تخلى النظام الرقابي والمحاسبي عن الفساد الحميد وهو البطء البيروقراطي الذي أصبح بمثابة الحاضنة غير المباشرة لفكر الفساد الإداري، لذلك لا بديل عن تحريره من قيوده، من أجل أن تتسع زاوية رؤيته حول قانونية العمل الإداري داخل المنظومات الإدارية، على أن تخضع جميع المؤسسات أو الوزارات لإصلاح إداري يجعل من الرقابة القانونية وإدارات المشاريع مستقلة، وتعمل خارج دائرة نفوذ إدارة المؤسسة أو الوزارة، ولو حدث ذلك سيصبح الفساد حتماً معياراً سلبياً ودليلاً جنائياً يُعاقب بسببه المخالفون، وعندها ستختفي ورش عمل إعداد كوادر الفساد داخل المؤسسات، وسيعود العمل المؤسسي إلى تشجيع التنافس المهني والوظيفي في أجواء الإبداع والإنتاج.

 

بين الكلمات
عندما يكون الفساد فكراً إدارياً
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة