ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 20/10/2012 Issue 14632 14632 السبت 04 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

نحن مجتمع التناقضات! مجتمع غريب في أحكامه على الظاهرات وعلى الشخصيات وعلى التحولات؛ فمثلاً نسمي التاجر البارع الفطن في سبل الثراء «الشيخ فلان» وكانت المشيخة لا تطلق سابقاً إلا على عالم الدين المتفقه فيه، البصير بخلافات مذاهبه، الوقور، الصبور، المجتهد، ذي السمت الحسن، والصيت الطيب، والمواقف الخيرية النبيلة، المحبوب في الحي، والوسيط الشفيع في حل المشكلات والخلافات، فكلمة منه تفك أزمة، وشفاعة منه تطلق سجينا بتنازل خصومه عن حقهم، وموعظة منه تلين قلباً قاسياً وتدله على سبيل الرشاد، مظهره سمح أليف وليف لطيف قريب من النفس، ووجهه هاش وباش، وبسمته موسومة مرسومة على محياه، إن قال أصاب، وإن صمت فهو يعني التحفظ عن الخوض فيما لا يعلم، مهابته تتشكل من ورعه عن اقتناص الغنائم أو التزلف إلى ذوي الجاه والسلطان لغاية دنيوية، وسطوته على الآثم والمعتدي والمنحرف عن جادة الصواب لا تدعمها سلطة ولا جند ولا رتبة وظيفية عالية؛ وإنما هي قوته في الحق، وغضبه من أجل الحق، وتنزهه في سبيله من أي مأرب أو شهوة أو مكاسب.

أما صور «التمشيخ» الآن فما أبعدها عن نقاء أولئك المشايخ الفضلاء الأنقياء الأتقياء الذين اختفت صور كثير منهم، وتكاد أن تكون تلاشت معالم تلك الملامح الخيرة من تلك الوجوه الطيبة النادرة، وإن كان الخير ولله الحمد لايزال موجوداً، والنماذج الطيبة لم تنقرض بعد؛ لكن ما طغى وبغى من الادعاء والتمظهر يكاد أن يغيب صورة «الشيخ» الفاضل القديم من الأذهان.

فنحن الآن واجدون لهاثاً لا ينقطع على كنز المال وادخاره والسعي إلى تحويشه وتشبيكه والسعي إلى ذوي المال والجاه بمظهر «التمشيخ» للوصول بالمظهر أو الوظيفة الدينية للغايات الدنوية بحق وبغير حق، حتى أصبح بعضهم شركاء في «بلوكات» كاملة له منها عشر أو عشرين بعد إفراغها وبيعها؛ وأصبح «المتمشيخ» لا عالم دين جليل ورع حذر من المتشابه خواف من الدخيل أو غير المعلوم؛ بل لهاث ركاض نديم لأصحاب العقار ولذوي الجاه، يأتون إليه في بيته فيفرغ لهم بخطه، أو يذهب إليهم إن كانوا من الكبار فيفرغ لهم في منازلهم.

لا نقول إنه ليس من حق «المتمشيخ» أن يبيع ويشتري، ويكسب بالحلال مثلما يكسب غيره؛ لا.. لكن هل لو انزوى في بيته تناثرت في حضنه قطع الأراضي إن لم يكن ذا وظيفة تؤهله لأن يخدم فلاناً وعلاناً؟..

أمن الحق ومن العدل أن يطلق عليه هذا اللقب الجميل مثلما كنا نطلق على أولئك العابدين الصالحين النزيهين الأتقياء الورعين المتعففين؟.

من أهدر قيمة مشيخة مثل هؤلاء؟.. من أضاع هيبتهم وألحق بهم الظنون وجعل الأقاويل المتندرة الساخرة تلاحقهم أينما ذهبوا؟.. أيمكن أن يفتري الناس كلهم عليهم بغير حق لو لم يروا منهم ما يدعو إلى الريبة والتساؤل والشك؟.

أيسمع من مثل هذا المتمشيخ قول؟.. أو تقبل منه موعظة؟.. أيكون هذا اللاهث في طلب الدنيا ما وسعه اللهاث في موضع صلح أو شفاعة خير أو وساطة فك نزاع ومن حوله يعلمون مدى تفريطه وتساهله وانتفاعه وتلاعبه بحقوق وظيفته ومكانته التي لم يصنها ولم يبال بما تفرضه عليه من بعد عن مواضع الريبة والشكوك؟.

أما الصورة الأخرى البعيدة لادعاء «المشيخة» الكاذبة التي لا صلة لها من قريب أو بعيد؛ فهو أن يثري أحدهم فجأة بطريقة أو بأخرى؛ لصلة بذي نفوذ، أو لفرصة واتته، أو لإرث تحدر إليه، أو لمنزلة اكتسبها فجأة؛ فيتحول من ذلك الصعلوك المسكين البعيد عن الأضواء والمناسبات وصدارة المجالس فجأة إلى الشيخ الوجيه فلان.

فما علاقة المال الذي انكب فجأة وبدون ترقب ولا انتظار في أحضان هذا البائس الفقير أمس ليصير الشيخ الجليل اليوم؟.. وهل المشيخة هنا تكتسب وجاهتها من شرف التدين وطهارة الالتزام بقيم الدين النبيلة السامية التي ترتفع بالإنسان عن الدنايا وتصونه عن الدنس، أي أن هذا الذي اغتنى في لمحة بصر لابد عليه لكي يحتل المنزلة العالية المرجوة في عيون الناس أن يكون على النحو السالف الذي تفرضه صورة الشيخ الوقورة الجليلة؟.. أم أن المنزلة العالية في عيون الناس ووفق تقديرهم تتشكل من القدرة على الفعل والتأثير أياً كان مصدر تلك القوة وذلك التأثير؛ بالمشيخة الحقيقية النافذة المؤثرة بحق مما رسمنا صورها في صدر هذا المقال، أو بقدرة المال العنيفة على تسخير الأشياء ولي اتجاه الأمور وصنع ما يشتهي الغني المتمشيخ أياً كان القرار والفعل على حق أو باطل.

إنها اختلاف المعايير وتقلب الأحكام حسب التحولات الاقتصادية والوظيفية وضغوط المادة وضعف حضور القدوات الحقيقية لمن يصح أن يطلق عليه بحق «فضيلة الشيخ».

moh.alowain@gmail.com
mALowein@
 

كلمات
من هو الشيخ ومن هو المتمشيخ..؟
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة