ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 22/10/2012 Issue 14634 14634 الأثنين 06 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يُعد مفهوم القوة المحرك الرئيسي في حراك المجتمعات، وتختلف جاذبيتها باختلاف مصادرها، فتارة قد تعني القوة الجبارة المتمثلة في القهر والسيطرة والاستبداد، وفي تارة أخرى قد تعني جاذبية الحضارة وجمال الحياة ممثلة في القدرة على الاستقلالية والإبداع والإنتاج في فضاء من الحرية، ويُطلق عليها في مفهومها الأول بالقوة الخشنة، بينما في نمطها الجذاب توصف بالقوة الناعمة، في حياة السياسة قد تعني القوة الناعمة أن يكون للدولة جاذبية من خلال ما تقدمه لمواطنيها من حقوق وثقافة وحرية وتنوع حضاري، تؤدي إلى نشوء علاقة احترام وولاء متبادل للمبادئ العامة وللأمن الجماعي، وتعتبر القوة الناعمة أكثر جدوى ونفع على المدى الطويل من أساليب القبضة الأمنية، وذلك عندما تكسب الدولة احترام الجميع، ثم تجعلهم يخلصون لها من دون أن تجبرهم على فعل ذلك، في حين تؤدي القبضة الأمنية إلى ظهور أفراد غير مسموح لهم بالحركة إلا ضمن مسارات محددة، وبالتالي يفقدون حرية العمل خلال فضاءات أوسع وبلا حدود.

في المجتمعات التي يحكمها الاستبداد بقبضة من حديد يطوف الناس فرضاً وقسراً حول مركز المستبد، وتتجه العيون إليه خوفاً منه، وتصبح حركة المواطنين على وتيرة مقننة بتعاليم الجبروت والرهبة، وتفصل القوة المركزية بين وظائف وخصائص الصفوف الأولى والأخيرة، فتجعل من الصفوف القريبة الأكثر قرباً وأماناً وحظاً من الصفوف التي تطوف بعيداً عن مركز القوة، وتحظى الصفوف القريبة بمنافع وثبات في دورانها حول المركز، لكنها في نفس الوقت قد تتعرض للهلاك لو حدث الانفجار داخل المركز بينما تظل الصفوف البعيدة الأقل تأثراً سواء بالمنافع أو غيرها.

في مجتمع الحرية والحقوق لا يرتبط الناس بالدوران في مدارات محددة حول المركز، ولكنهم يعيشون في حياة أشبه بالفوضى المنظمة، والتي تحكمها قوانين عامة تحدد علاقات الناس بعضها ببعض، وتجعل كل منهم مصدراً مشعاً للجاذبية والقدرة، مما يجعلهم يعيشون في أجواء من الحرية تتوقف عن بدء حرية الآخر وهكذا، في هذه المجتمعات تختفي التراتبية الهرمية، ويعيش الناس فوق مسطحات أفقية تجعل منهم سواسية في القوة ومتكافئين في حدود علاقاتهم القانونية.

قد يوجد استثناءات في فيزياء القوى الناعمة والجاذبية الاجتماعية وإن كان يحكمها الاستبداد، فعلى سبيل المثال لم تفقد مصر جاذبيتها عبر عصور الاستبداد، ولن تفقدها في حكم الإخوان، والسبب أن المجتمع المصري يتمتع بإنتاج البهجة والفن والثقافة منذ آلاف السنين، لذلك لم تنجح الأنظمة الاستبدادية في تغيير طبائع الإنسان المصري، فقد ظل يتمتع بالتسامح وحب الحياة، ومصر حالة فريدة في تاريخ الشرق، فقد عاشت سبعة آلاف سنة بدون حرب أهلية.

في حين يختلف الحال في الجزيرة العربية، والتي تفرض قسوة الحياة على الناس أن يرضخوا لقوانين الطبيعة، وأن يقتربوا من المركز مهما استطاعوا من أجل أن يظلوا على قيد الحياة، لذلك تظهر حول المركز مدارات لا حدود لها، تزداد كثافة كلما اقتربت من المركز، في هذه البيئة توجد عوائق طبيعية ضد الحرية، والتي تحتاج إلى ظروف طبيعية شبه مستحيلة، من أجل أن تقلل من جاذبية المركز، وبالتالي تجعل من الشعوب منتجة للبهجة والحرية، وذلك من أجل أن تستمر الحياة.

 

بين الكلمات
فيزياء القوة في حياة الشعوب
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة