ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 23/10/2012 Issue 14635 14635 الثلاثاء 07 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أقلب صفحات تاريخي.. أعيد قراءة سيرتي الأولى منذ لحظة الميلاد وحتى الساعة.. أمعن النَّظر من جديد في قرارات مفصليَّة اتخذتها وأفعال اقترفتها وأحاديث قلتها وأفكار سطرتها وخطوات مشيتها و... وأمنيتى أن أعود من حيث بدأت على أن أعمل صالحًا فيما تركت.. وتمضي الأيام عجلى، وتتصارم الليالي سريعًا والأمل يتجدد والتسويف يتكرر والتجاذب بين الخوف والرَّجاء يجعل النَّفس تتأرجح صباح مساء ولكنَّها سرعان ما تعاود اقتراف المحظور وتقع في دائرة الممنوع.. يمرُّ شهر رمضان فرصة سانحة وساعات ثمينة فيتجدد العهد مع الله.. ومع صبيحة يوم العيد يعود داعي الشر من جديد فيهتزُّ الشَّيطان طربًا، ويرقص الهوى عجبًا، وتعود النَّفس لتفتح صفحة جديدة في سجل الأعمال السيئة التي كنت أمني ذاتي ألا تعود وأعاهد الله على ذلك.. وما إلا أيام معدودة حتَّى يمَّن الرب على عباده الموحدين بفرصة عظيمة تُمكن الراغبين بالعودة إلى المربع الأول في حياتهم تحقق ذلك لهم بفضل من الله عزَّ وجلَّ ومنَّة وكرم، ثمَّ بأداء مناسك هذا الركن العظيم.. «الحج».. تلك العبادة التي ستعيد المرء - كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم - بلا ذنوب كيوم ولدته أمه، وهذا بحقٍّ مربعٌ ذهبيٌّ يستحقُّ البحث عنه وبذل الجهد في الوصول إليه.

نعم، الأصل في المسلم -وكما يعلم الجميع- أنه يتصل بربه خمس مرات في اليوم، ويتجدد عهده ويغسل أدران نفسه كل أسبوع في يوم الجمعة، وعندما يهلّ شهر الخير والبركات يخضع الجميع منَّا لدورة تدريبيَّة تربويَّة وإيمانيَّة ويَتَعرَّض الجميع لنفحات أرحم الراحمين ولمدة شهر كامل وجوهرة العقد في هذا الشهر الكريم ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وقبيل نهاية عامنا الهجري وفي مثل هذه الأيام يترك المسلم أرضه وولده وماله ليشارك غيره رحلتهم الفريدة التي تختلف عن كل الأسفار، وليرحل عن مسكنه لوادي غير ذي زرع عند بيت الله المحرم تلبيَّة لدعوة الله واستجابة لنداء إبراهيم عليه السَّلام ورغبة في أن يتحقق لنفسه ميلاد جديد!!.

والشرط الذي نصَّ عليه حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لتحقق الميلاد الثاني للحاج كما في حديث أبي هريرة رَضِي اللهُ عَنْه الذي أخرجه الشيخان «البخاري ومسلم» هو عدم ارتكابه وهو متلبس بنسك الرفث والفسوق، وكل هذا يقع في دائرة الأخلاق ويرتبط بالجانب السلوكي في حياة الإنسان ولذا فالمحافظة على قيم الإسلام ليست نفلاً ولا هي سنَّة، بل ركيزة أساس وقاعدة مهمة في بناء شخصيَّة المسلم في كلِّ زمن وبأيِّ مكان وصدق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)..

لنتصور معًا أن هذه الجموع من المسلمين الذين جاءوا من كل حدب وصوب رغبة بما عند الله عزَّ وجلَّ حققت هذا الشرط العزيز فتحقق لها ميلاد جديد، ماذا سيكون حال اُمَّتنا في صلتها بالله وعلاقة بعضنا ببعض وفهمنا لمقتضيات الالتزام الحقيقي بأوامر الله وسلوكنا اليومي في شارع الحياة!!.

ويبقى السؤال الكبير والمهم: ترى كم من هؤلاء الوافدين إلى الله الذي يتحقق له وفيهم هذا الميلاد الغالي فيعودون إلى أهلهم وديارهم وقد غفرت ذنوبهم وانمحت أعمالهم السيئة وفتحت له صفحة جديدة في السَّماء خاليَّة من تلك السطور السوداء التي هي صنع أنفسهم يومًا ما، ليس هذا فحسب، بل كم منَّا من يستطيع أن يحافظ على ثمرة حجه هذا حتَّى يلقى الله عزَّ وجلَّ، أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يكونوا أكثر وأن ينفع بهم أمّة الإسلام، وكما يعلم الجميع فالفرصة ما زالت أمام الحاج سانحة ليعود بحجِّ مقبول وذنب مغفور وبميلاد جديد، دمتم بخير وعشر مباركات وحج مبرور وعيد سعيد وإلى لقاء والسَّلام.

 

الحبر الأخضر
الميلاد الجديد
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة