ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 23/10/2012 Issue 14635 14635 الثلاثاء 07 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من التأويلات المضحكة المبكية - وشرُّ البليّة ما يُضحك - قول “الكليني” الشيعي، في تفسير قوله تعالى: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ، أي :- “إذا غاب عنكم إمامكم، فمن يأتيكم بإمام جديد”. وحين نستعير بعض تلك الآية التحذيرية،

لمعالجة معضلة اقتصادية، فإنما نعني ما نريد.

فـ[دول الخليج العربي] يشكِّل النفط لمجمل كياناتها، ما يشكِّله الماء لكلِّ وجوه الحياة الإنسانية، ثم هي إلى جانب الاتكالية، لا تتوفر أرضها على مقوّمات الحياة السَّويَّة، فهي في مجملها صحراء مشمسة.

وحين يتجذّر النفط في حياتنا بهذا القدر المخيف، وعلى هذه الأوضاع المفْضُولة، فإنّ علينا أن نفكر ونُقدِّر، لكيلا نظل مرتهنين له، بحيث نكون معه وجوداً وعدماً.

وإذ يصطلح الخليجيون مع أئمتهم، وولاة الأمر فيهم، فإنهم مضطرون إلى التفكير في تعدُّد مصادر رزقهم، ومن الخير لهم تنويعُها، وتوازن هذا التنويع، وإشاعة ثقافة الاستهلاك المرشّد، فالمستفيض عن الخليجيين البذخ، والتبذير، واستنزاف الثروات بنهم شديد.

والعقلاء المجرّبون من الناس استباقيون، يضعون لكل احتمال خطته، قبل حدوثه، حتى لا تروعهم المفاجآت، فيهتاجون عُزْلاً من كلِّ الواقيات.

ثم يكونون كذلك العَلِّ الأَلفَّ، الذي عناهُ الشاعرُ بقوله:

[ولستُ بِعَلٍّ شرُّه دونَ خيرِهِ..

أَلَفَّ إذا ما رُعْتَهُ اهتاجَ أعْزَلُ]

والكوارث، والمصائب، والأزمات، التي تجتاح العالم، لا يقتصر حُدوثُها، ولا ضررها على المتسبّب وحده.

والذِّكر الحكيم يناشد المؤمنين اتقاء الفتن التي لا تصيبنَّ الذين ظلموا خاصة.

كما أنّ الكوارث الطبيعية لا تكون بالضرورة نكالاً، ولا عقاباً.

إذْ ربما تكون ابتلاءً، للنظر في أسلوب المواجهة.

أيصبر المبتلى، ويحتسب الأجر على الله، أم يجزع، ويناكف القدر؟.

ولأنّ الله جَلَّ وعلا يعظ عباده الصالحين بالابتلاء، ليعتبر أولو الألباب منهم، ويعاقب المذنبين بالعذاب للتمحيص أو للإنذار، فقد وجّه بالاستعانة بالصبر والصلاة عند الابتلاء، وهو إذْ علم أن صَدْرَ رسوله، يضيق بما يقول المناوئون، فقد ندب إلى التسبيح بحمده، والسجود له، لتفريج الكربات.

والحياة قائمة على الكدح والكَبَد، واللهو واللعب، والكيد والمكر: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، والمؤمن الحق من يكون بين الرجاء واليأس، فلا يأمن مكر الله، ولا يقنط من رحمته.

من هنا تَبَدَّى لي هذا السؤال:

- ماذا سنفعل، لو غار النفط، أو كسد، أو نُحِّيَ بالبدائل عقاباً، أو ابتلاءً، أو تحذيراً، أو تحوُّلاً طبعياً في الحياة؟.

وما الحياة الدنيا في تحوّلاتها إلاّ كالمرآة في كف الأشل. والله وحده الصمد الذي لم يلد، ولم يولد.

فكل شيءٍ قابل للتَّغيُّر والتبدل، وكل حَدَثٍ متوقّع. وليس من باب التشاؤم أن نضع في حسابنا مثل هذه الاحتمالات.

والماء الذي جعل الله منه كلَّ شَيْءٍ حي قابلٌ للنضوب، ونحن - ومن باب الاحتياط - نحاول إشاعة ثقافة الترشيد، قولاً وعملاً، وذلك أضعف الحلول، لمواجهة التصحُّر.

والمعنيون يخوِّفون الناس، ويستحثُّونهم على حفظ الثروة المائية. إذاً نحن أمام احتمال نضوب الماء، ولم يستبعد أحد مِنَّا هذا التخوُّف، حتى الغرب يتطوّع بتحذيرنا، وما أحد حذّرنا من نضوب النفط، مع أنّ نضوبه أكثر احتمالاً من نضوب الماء، والخبراء متفقون على نضوب النفط، مختلفون حول نضوب الماء.

فلماذا نصاب بالهلع من نضوب الماء؟. والله قد دحى الأرض، وأخرج منها الماء والمرعى.

وفي فترة من فترات الاندفاع غير المحسوب، استُدْرِجت إمكانياتنا، لنكون مصِّدرين للقمح، مستوردين للمعدّات الزراعية. وبدون مقدِّمات، أصبحنا مستوردين للقمح، مصدِّرين [للخردوات]، لا لشيء إلاّ الخوف على مخزون الماء، حيث قبلنا بهذا التخويف، وتحوّلت المعدّات التي استوردناها بعشرات المليارات إلى كتل حديدية، تتآكل مع الزمن، وتحوَّلَتْ آلاف الأُسَر من الأرياف والقرى إلى المدن مَعُولةً، بعدما كانت عائلة، تبحث عن العمل، بعد تقليص الزراعة. إذاً نحن أمام خوف محتمل، ومشروع، ولا بد من التَّحرُّف لمواجهة خوف آخر، أكثر احتمالاً.

- وكيف بنا إذا غار الماء ونضب النفط؟.

ربما يختلف الاقتصاديون حول البدائل، ولأنني أجهل حقائق معارفهم، لعدم تخصُّصي، فإنّ من الحصافة العدول عن التفاصيل، ولو اشتغلت بالمتداول من الآراء، لكان بالإمكان استقصاء شطرٍ من تطلُّعات المواطنين الوجلين، إذ لابدَّ من وضع حَدٍّ لبطر المعيشة، ونهاية للترف المذموم في أحد عشر موضعاً من القرآن الكريم.

ولعلّ من أوائل المتداول استغلال الطاقات: [النووية] و[الشمسية] و[الهوائية]، لتكون رِفْداَ للطاقة النفطية، ولاسيما أنّ المملكة تستهلك حسبما أسمع من إحصائيات أكثر من مليوني برميل يومياً، وهذا الرقم مخيف، إذ ربما يأتي يوم لا تستطيع البلاد فيه إنتاج ما يسدّ حاجتها من الاستهلاك المحلي. والمليونان المستهلكان محلياً، لو قُوِّما، لكانت قيمتهما تعادل ميزانية ست دول أفريقية. وقدرة الدولة اليوم على توفير هذا الكم الهائل للاستهلاك، لا تمنع من التحرُّف لبدائل تقلِّص الكمية، ولو إلى النصف، وذلك ممكن، وبخاصة في المناطق الجبلية والصحراوية، ذات الحرارة الشديدة، إضافة إلى التوسُّع في إنشاء [السكك الحديدية]، و[الأنابيب الأرضية] الناقلة، لتقليص الشاحنات، وحفظ الطرق، وتوفير الطاقة.

ولكي تصبح الطاقة البديلة قليلة التكلفة، مألوفة الاستعمال، لابد من إيجاد مصانع للشرائح والأجهزة المنتجة للطاقة البديلة عن النفط، ودعم المُصَنِّعين والمستثمرين لها، وبيعها بأسعار مغرية، حتى تشيع تلك الطاقة، ويألف الناس استعمالها.

أمَّا [الطاقة الهوائية] فقد عرفناها في طفولتنا، وشاهدناها على الآبار [الارتوازية]، ويحسن استعمالها، لاستخراج المياه السطحية على الأقل، لرَي الحدائق، والمسطحات الخضراء، وكذلك نقل مياه السُّدُود، ومياه الصرف الصحي إلى مزارع الأعلاف المقامة حولها، وإغراء أصحاب المزارع الصغيرة، والاستراحات، ممن يعتمدون على المياه السطحية من استعمال الطاقة الهوائية، لتوفير المخزون، وتقليل التلوث.

أما [الطاقة النووية] فمن الأفضل استغلالها للتحلية، ثم التوسُّع فيها لكافة الأغراض السلمية، وإن كانت في البداية بالغة التكاليف، وتشكِّل حساسية عالمية.

وحين لا أكون متشائماً، ولا مرجفاً في المدينة، فإنّ واجب أهل الحل والعقد أن يرتّبوا أمورهم على أسوأ الاحتمالات.

يُتبع ...

 

أرأيتم إنْ أصبح نفطكم غورا..! 1 - 2
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة