ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 23/10/2012 Issue 14635 14635 الثلاثاء 07 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

الوطن والمواطنة مفاهيم جديدة ليس على تراثنا فحسب، وإنما على العالم أيضاً. ومفهوم المواطنة هو الآن الانتماء الجديد الذي ينتمي إليه الأفراد داخل الوطن الواحد، أو الدولة الوطن بمفهومه الجديد، وتقوم عليها مبادئ المساواة في الحقوق والواجبات؛ فلا فرق بين مواطن ومواطن ينتميان لوطن محدّد، لا بسبب انتمائه لإقليم معيّن داخل الوطن، أو انتمائه الطائفي أو المذهبي أو بسبب قبيلته أو أصوله العرقية؛ أي أنّ الوطن مظلّة تظل الجميع بلا تمييز، وهوية ينتمي إليها كل الأفراد الذين يعيشون في هذا الحيز الجغرافي المحدّد؛ وهذا يعني عملياً أن تتقدم المواطنة على كلِّ الانتماءات الأخرى أياً كانت هذه الانتماءات.

نحن كمواطنين سعوديين عرب مسلمين، ننتمي إثنياً وربما عرقياً إلى العروبة، وندين بدين الإسلام، غير أنّ انتماءنا الوطني هو الذي يُميِّز بيننا كسعوديين وبين العرب وكذلك المسلمين الآخرين؛ ونحن بهذا المنطق مثل صاحب البيت وجيرانه، فالسعودي هو صاحب البيت، بينما الجار، وإنْ كان عربياً أو مسلماً، لا يمكن أن يكون له حقوق في بيتك مثل ما لأبنائك وأهل بيتك؛ له طبعاً حقوق الجوار، ولكن هذه الحقوق لا ترتقي لتُعطيه صفة (تفضيلية) لأن يتساوى مع حقوق ومكتسبات أهل البيت الأصليين، حتى وإنْ كان أخاً عربياً أو مسلماً.

قبل أن تظهر فكرة (الدولة الوطن) إلى الوجود كان الانتماء الإثني أو العرقي أو الطائفي أو الديني هو المعيار الذي يحدّد علاقة الفرد بالجماعة؛ لذلك فأغلب الماضويين سواء كانوا من دعاة (القومية) العربية (دولة الوحدة)، أو من الإسلامويين الأمميين من دعاة (دولة الخلافة)، ما زالوا يعتقدون أنّ بإمكانهم إعادة فكرة الدولة العربية الأممية، أو فكرة الدولة الدينية الأممية، إلى الوجود، وإذابة الجزء أو (الوطن) في هذا الكيان الكبير (دولة الأمة)؛ دافعهم لذلك ليس بواعث تكاملية واقتصادية وإنما لأسباب محض رغبوية تتجاوز الواقع لتعود بنا إلى التاريخ، وتستقي مبرّراتها من زمن وعصر لا علاقة له بعصرنا ولا بأهم منتجاته السياسية (الدولة الوطن).

وهذا لا يعني أنني أرفض فكرة الكيانات الوحدوية الكبيرة بين أكثر من دولة، غير أنّ هذه الكيانات سواء كانت اندماجية بالكامل أو كونفيدرالية يجب أن تقوم على أساس مصلحة المواطن ومكتسباته الآنية؛ فلا يُمكن - مثلاً - أن تقوم وحدة بين بلدين عربيين أو إسلاميين، إذا لم يكن هناك أسباب موضوعية ترتكز أولاً على الاقتصاد ويستفيد منها شعب الدولتين؛ لتصبح (الوحدة) عنصر إضافة لهؤلاء وهؤلاء على السواء، كما أنّ ذلك يجب أن يتم - كشرط ضرورة - من خلال آلية العصر الاستفتاءات الشعبية؛ فإذا وافقت الأكثرية على الوحدة أو الاتحاد فليس للأقلية إلاّ الرضوخ والقبول، وإذا لم توافق فلن يكون لهذه الوحدة (شرعية سياسية) تتكئ عليها وتكون فيما بعد سبباً لبقائها؛ أي أنّ الفرد المعاصر في (الدولة الوطن) هو الذي يقرر الوحدة أو الاتحاد أو يرفضها، وليس من يُقررها سلطة الماضي أو التاريخ أو (ما يجب أن يكون).

كل ما أريد أن أقوله هنا إنّ (الدولة الوطن) أصبحت حقيقة واقعة، لا يمكن لعاقل أن يتجاوزها، أو يُلغيها، لمجرّد أنّ سلفنا (أيام العز) لم يعرفوا دولاً على هذا النحو؛ لذلك فإنّ (العقد الاجتماعي) الجديد الذي يحكم الدول اليوم، ويُنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هو (عقد المواطنة) وليس عقد الأمة؛ هذا ما يجب أن يدركه بوضوح أولئك الذين مازالوا يعيشون في الماضي، وينتحون من جُبِ مفاهيمه آليات تعاملهم مع الواقع السياسي.

إلى اللقاء.

 

شيء من
دولة الوطن ودولة الأمة
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة