ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 24/10/2012 Issue 14636 14636 الاربعاء 08 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

وصلت الثامنة والنصف. قاعة ممتلئة بالناس. على شباك الاستعلامات مُنحت رقماً فوق الثلاثمائة. الرقم على الشاشة لم يتجاوز الأربعين. الكل على رؤوسهم الطير يحدقون في الشاشات والشبابيك.. يلتهون بجوالاتهم أو بالحديث العابر مع من يجاورهم.

لا بأس سننتظر ساعة - ساعتين أو ربما ثلاثاً. لا جديد. حياة السعودي كلها انتظار.. انتظار القرض.. انتظار الوظيفة.. انتظار في طابور التميس.. انتظار في المحكمة.. انتظار في الخطوط.. انتظار في البنك

السعودي.. كائن صبور، يستطيع الجلوس متسمراً في الطابور لساعات دون أن يكلم أحداً، دون أن يقرأ شيئاً. فقط يجيد التحديق.

حولي وجوه متنوعة أضناها التعب والأسى في هذا الشهر البارد. بانوراما من ألوان الثياب الكالحة.. بني. رمادي. رصاصي. رمادي. رصاصي. بني... وقليل من السواد أو البياض. نفقد البياض في الشتاء. جميل إن لم يعم السواد بعد.

طالما هناك طابور وهناك شباك فحِنا بخير. كلها معروض استعطاف وساعات انتظار وموظف شباك في المرتبة الخامسة هو ملك المكان.

خلف كل شباك شخص لا يختلف عنك سوى في موقعه المؤقت خلف الشباك.. مرة تود أن تبوس رأسه ومرات تود أن تمسك (بتلاليبه) فتسحبه للخارج من خلال فتحة الشباك الصغيرة بينكم.. شعور عادي، حتى خابز التميس تحبه حين يقدمك ويبتسم في وجهك وهو يمنحك تميسك بمالك وتود أن تدخله مع تميسه الفرن حين يرفع صوته و(يقرفك) بعرقه ومنظره.

نسيت أتحدث عن كاتب المعاريض على مدخل المبنى.

شاب نحيل يبدو في الثلاثينيات تجاوز الخامسة والثلاثين قليلاً فتجاوزت حافز، فكان حافزه ومستقبله بيع الملفات العلاقي وكتابة المعاريض. يبدو أن حافز كان له حافر.

هذا يمنحه خمسة ريالات وذاك عشرة ريالات وثالث يكاسره على الريالين. صاحب الدتسون يمنحه الريالات مع ابتسامة وصاحب اللكزس يكاسره على الريالين بتأفف.

هذا الشاب تعلو ابتسامته محياه. ترى هل يضحك على دنياه أم تضحك عليه دنياه؟ كلهم ينادونه محمد رغم أن اسمه سلطان أو توفيق لست أتذكر بالضبط. هل هو زعيم المكان؟ هل توفقت دروبه وكان الأجدى تسميته شحاتة أو فاقر على وزن حافز.

حين يبتسم تبرز أسنانه السوداء والصفراء والمكسورة.. وجنتاه مشفوطتان للداخل من كثرة شفط السجائر.. يا عمي سجر ولا يهمك احرق الروح قبل ما تروح. يكفيك سندويش شكشوكة بريالين وكاسة شاي مرة حالي وباقي الريالات وفرها للتتن. التتن يحافظ على أعصابك ورشاقتك. هكذا يقول المجربون.

يجلس على كرسي خشبي يبدو كأنه سرقه من الصف الابتدائي الأول. إن بعض الظن إثم. ربما أخذه من جوار الصندوق الأصفر المجاور للمدرسة.

ينادي عامل النظافة: يا محمد خلي بالك من المعرض حتى وأجيب لي كاسة شاي من جوا.. البسطاء يثقون في بعضهم لم يخف أن يسرق العامل غلة اليوم من صندوق الطاولة الصغير.

في طريقه للداخل سمعته يرد على والدته: (أبشري يم سيعود بمر سوق الخضار وأجيب اللي طلبتيه).. أعتقد أنها ردت عليه: روح يا وليدي الله (يوفقنك) دنيا وأخرى. يام سعود ربي يُوفق لكن الفقر ما يرحم...!

أحدهم يبدو أنه غير قادر على الانتظار.. جاء مبكراً وطال انتظاره حتى حان موعد دواء السكر والضغط وعليه أن يذهب لتناولهما. تبرع لي برقمه فأنقذني من انتظار الساعات. دعوت له من قلبي فقد أزاح عني كربة من كرب الدنيا.

جاء دوري.. سأودع صديقي كاتب المعاريض، وأبدأ رحلة أخرى داخل المكاتب من إدارة إلى أخرى.. كل عام وأنتم بخير.

malkhazim@hotmail.com
لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm
 

نقطة ضوء
في الطابور
د. محمد عبدالله الخازم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة