ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 25/10/2012 Issue 14637 14637 الخميس 09 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

لا تستفزني أوضاع مثل التي أقابل فيها الحالات الغوغائية التي تخلط فيها الأشياء من مجالات مختلفة، لتكون شيئاً واحداً، أو لترغم على قبوله بوصفه كذلك. وأكثر ما يكون الاستفزاز عند ما يكون متعمداً، ويهدف منشئوه إلى استغلال سذاجة الناس، وإيمان أغلبهم بنبل الهدف الموضوع في الواجهة. فالناس غالباً ينساقون خلف الدعوات التي يكون غطاؤها يدعو إلى عمل إيجابي للأفراد المحتاجين، أو المؤسسات المكونة لمساقات الوحدة أو التعاون أو بذل الجهود الخيرية وخدمة الأهداف العامة.

واحدة من القضايا التي يدلف منها ذلك الاستغلال، ويتسلل منها أولئك المتسترون بها هي الأفكار المتعلقة بثقافة الوطن، التي تجمع فيها أطراف قضايا غير متماسكة، لتلبس ثوب الوطنية، وتصبح بالتالي نسيجاً من الأفكار الجذابة والإيجابية التي تصعب مقاومتها، وتتماهى مع أهداف الناس من طلب التعاون على البناء والمشاركة في الإنتاج والتنمية. بل إن الطرح الذي يشكك فيها بهذه الصيغة يكون -من وجهة نظر العامة المخدوعين- خيانة للوطن وعدم اعتراف بقيمته وفضله.

فهل أفكار الوطنية إرث إنساني؛ تعلمه البشر في تاريخهم الطويل، وحافظوا على مكتسباتهم بشأنه بطريقة تراكمية في مختلف الحضارات؟ أم أنه أمر خاص بكل ثقافة تصوغه حسب احتياجاتها، وتطور تصوراتها للمجتمع وما حوله من محيط بشري ومكونات جغرافية؟ وبذلك تختلف به عن بقية الثقافات؟ وهل هو مفهوم اجتماعي أم سياسي أم سلوك فردي؟ وما الذي يفرقه عن المكتسبات الأخرى الدينية والعرقية وغيرها؟

بالنسبة إلى العالم هو مفهوم حديث نسبياً؛ نشأ مع تكون مفهوم الدولة الحديثة في القرن الثامن عشر الميلادي، وتبلور في الثقافة الأوربية، ومنها إلى الأمريكية والآسيوية، ثم إلى بقية العالم بين القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين. لكنه لاقى رواجاً في المجتمعات التي لم تكن تملك مفاهيم تتناقض معه كلياً أو جزئياً؛ أما في البيئة الإسلامية والعربية، فإن بعض الاضطراب قد حل لدى كثير من الناس في التوفيق بينه وبين المفاهيم القارة لديهم عن الانتماء والولاء إلى أشياء أخرى غير حدود الدولة السياسية بمفهومها الغربي الحديث.

فإذا نظرنا إلى بعض أعلام الفكر العربي كابن خلدون، نجد أنه يشير إلى حدود دولة الإسلام، بمعنى أن الانتماء إليها ديني. وفي سياق آخر يتحدث في المقدمة عن دولة مضر، ويقصد بها دولة بني أمية وبني العباس. وهذا يعني أن انتماءها إلى العرق العربي. فكيف يكون انتماء المواطنين فيها من غير العرب، وكيف يكون انتماء المواطنين في الأخرى من غير المسلمين؟

أما في فكرنا الحديث، فإن البنى التصنيفية أيضاً ليست عامة لكل الحدود الجغرافية والمكونات البشرية بثقافاتها المختلفة؛ بل إن معايير القرن الثامن عشر الميلادي ما زالت سارية المفعول؛ حيث توضع عوامل مثل: «الثقة» و»القرابة» و»العصبية» و»الموالاة» في مقدمة شروط الانتماء، مما يعني إقصاء من لم تنطبق عليه تلك الشروط. وهو الأمر الذي يمنح العنف مساحة أكبر، ويجعل مكونات المجتمع يكره بعضها بعضاً تبعاً لاشتراكها أو تباينها في عوامل التفضيل تلك.

وقد نشأ عن هذه الثقافة انتقاصاً كبيراً من شرعية الدولة، التي يفترض أن تكون غطاء لجميع المكونات، وألا تحابي فئة دون أخرى، وأن تكون كل المؤسسات التي يقيمها أبناء المجتمع الواحد والأفكار التي يحملها أي مكون من مكوناته مقبولة في إطار شرعي ومنظم. كما تولدت لدى الفئات التي تنطبق عليها عوامل التفضيل قناعات بأن كل معارضة تعني كفراً بالوطن، وخيانة لمفهوم الوطنية، وعمالة للخارج، الذي يؤجج -حسب زعمهم- مشاعر بعض «الحاقدين». دون أن يسألوا أنفسهم: حاقدون على من؟

الرياض
 

رؤية
ثقافة الوطن مطلقاً ومضمراً
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة