ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 25/10/2012 Issue 14637 14637 الخميس 09 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

مومباسا
عمرو العامري

رجوع

 

كنت أحسب أن الليلة الأولى في ميناء مومباسا ستكون الأصعب وستكون لي الأكثر تعبا ومشقة لكن ظني خاب..لقد كانت الليلة الأخيرة هي الأصعب.

بعد عشرين يوما من البقاء على الماء وبعد عبور خط الأستواء وتعميدنا أولاداً (لنبتون) * دخلنا ميناء مومباسا.. وكان العسكر مبتهجين على سطح السفينة..

كبحارة يغدو دخول الموانىء الأجنبية أحد أجمل اللحظات في حياتهم العملية ولي كضابط أول السفينة أو مساعداً لقائد السفينة هو كابوسي الأكبر..فالبحارة يتملكهم شيء من الجنون بعد العيش أياما طويلة على الماء وما أن يلامسوا الأرض حتى تنطلق كل الغرائز المؤجلة.

ثم أن قائد السفينة يكون عادة مشغولاً ببرتكولات الزيارات والمجاملات والدعوات وحفلات الكوكتيل وعلي وحدي مسؤلية أمن وسلامة السفينة والطاقم ومتابعة الأعمال الأدارية والنظافة وأعمال الصيانة ومن ثم ألأستعداد للأبحار مرة آخرى بعد ثلاثة أيام فقط.

في الوقت الذي كان فيه الكل يستمتع بالرذاذ الاستوائي والتحديق في المباني(الكولونيالية) ذات الأسقف الحمراء التي تركها المستعمر ولحظة التقاء نهر(ماليندي (بالمحيط الهندي وقوارب الصيادين كنت وحدي في كابينة أكاد أختنق وأنا أكتب التعليمات والأوامر والتوصيات التي سأقولها للطاقم قبل أن يخرج للمدينة..وكنت كلما قرأتها شعرت أنها غير كافية وعدت أضيف:

• على الجميع إظهار الروح الاسلامية والانضباط العسكري

• عدم الخروج في لباس غير لائق ويمنع الثوب السعودي بتاتا

• الخروج على شكل مجموعات

• الابتعاد عن الأماكن المشبوهة

• عدم ركوب (الركشه) و(البودابودا**) وإستخدام سيارات التاكسي فقط

• عدم شراء وإحضار اي من الحيوانات والطيور

وعدت أقرأ ووجدت أنها تحتاج إلى المزيد وأضفت:

• عدم التأخير بعد الساعة العاشرة.

• أخذ عنوان وتلفون السفينة.

• عدم إحضار اي ممنوعات وسيتم التفتيش على الجميع

• تمنع الكتب والأفلام والمجلات

ورأيت أن اكمل باقي التعليمات شفهيا.. وغادرت الكابينة وصعدت إلى السطح وكانت مومباسا المبهجة تستقبلنا كسمراء كل ما فيها يدعو للغواية..وقلت بيني وبين نفسي ربنا يستر.

ربطنا سفينتنا في ميناء كلينداني (Kilindini) وكان الاستقبال الرسمي حميما ودافئا ولكن أنا بدأت متاعبي من تلك اللحظة.

تأكدنا أن السفينة قد رُبطت بشكل جيد..وأن أعلام الزيارة في مكانها الملائم.. بما في ذلك علم الدولة الكينية وأن المظهر الخارجي للسفينة لائق ولا شيء يخدش المظهر العام وطلبنا من ضابط الأرتباط الكيني تأمين صراف للعملة إن أمكن. وبعد أقل من ساعة حضرت فتاتان بلون القهوة وذات أصول يمنية وهنا بدأت المشكلة الأولى هل تصعدان للسفينة أم لا..؟ لكننا تجاوزنا هذه المشكلة بحيث تم صرف العملة على الرصيف.. وسارت الأمور بشكل منضبط وسط غمز ولمزات العسكر وإبتسامات الفتاتين.

وأخيرا حانت ساعة خروج الطاقم للمدينة وكانت الساعة الرابعة عصرا.. وغادر من يستحق الخروج وأنا ما زلت أتلو الوصايا التي أعرف أن لا احد سيتقيد بالكثير منها.

ورغم أن هناك سائقا وسيارة تحت تصرفي إلا أني كنت مجهدا وبحاجة للنوم فقط..وقد طلبت من الضابط المناوب أن يوقظني عند أي مشكلة.. وأن يوقظني بعد العاشرة بعد أن يكون الكل قد عاد من غزوة مومباسا.

دخلت في نوم عميق كأني في كهف, النوم على اليابسة مختلف بعد أيام من التأرجح على الماء, وقد تحتاج وقتا حتى ترى الأشياء ثابتة ويهدأ صوت الصخب داخل رأسك، وعندما أيقظني الضابط المناوب لم أدر ماذا قال سوى أن الكل قد عاد..وعدت للنوم مرة أخرى.

في الصباح عدت أسال الضابط عن أحداث المناوبة السابقة وعرفت أن لا حوادث تذكر عدا بعض التاخير والتصرفات المتوقعة من بحارة في ميناء غريب.

اكملت توصياتي للضابط المناوب لهذا اليوم وأخذت السائق الكيني بعد أن أستأذنت قائد السفينة وذهبت أتجول في مومباسا.

وكان السائق ودودا ومدربا لمثل هذا العمل ويتكلم قليلا من العربية إضافة إلى الأنجليزية والسواحلية لغة البلاد الأصلية.

كانت مومباسا بحق مدينة جميلة..تعلو فيها المآذن وبقايا الطابع العربي منذ أن كانت تحت الحكم العماني..وعبرنا جسر (نيالي) للبر الكيني.. وأخذني إلى مطعم تمتلكه جالية يمنية..ومررنا بسوق القات وأسواق المصنوعات الشعبية الغنية بتحف العاج وتسوقت قليلا ثم عدت بانتظار ليلة أخرى لكن الليلة الثانية مرت بسلام أيضا.

عادة ما يكون يوم ما قبل الرحلة مرهقا حيث الاستعدادات للإبجار وتحميل كميات كبيرة من الوقود والإعاشة ومستلزمات الرحلة..والتأكد من كل شيء.

بعدها غادر الطاقم للمدينة لليلة الأخيرة..وذهبت للنوم مبكرا بانتظار يوم طويل..يوم المغادرة, وفي الساعة الحادية عشرة أيقظني الضابط المناوب قلقاً..وقال أن عددا قليلا فقط عاد من إجازة المساء.

كنت ومن خلال الخبرات السابقة أتوقع ذلك..ولكن ليس بهذا العدد.

ولم أجد بدا من الأستيقاظ وأخذت كرسيا وجلست على مدخل السفينة في ذلك الليل الماطر أنتظر المتأخرين..وكلما وصل أحدهم طلبت تسجيل إسمه وأخذه لسريره لينام.

وعاد الكل عدا اثنين..ولم أعرف ماذا أفعل سوى إبلاغ قائد السفينة وضابط الأمن الكيني.

وكان من المقرر كما هو معمول به في التقاليد البحرية أن نغادرالميناء الساعة الثامنة صباحا بعد رفع العلم.

عدت وأبلغت قائد السفينة صباحا أن الشخصين ما زالا غائبين لكنه أمر بالأستعداد للرحلة كأن شيئا لا يعنيه.. فقط أمر بإبلاغ الجهات الأمنية ومندوب السفارة وتسليمه جوازي سفرهما ليتم تسفيرهما متى ما تم العثور عليهما.

كان متجهما وكأنه يوجه لي اللوم..وكنت أنتظر أن تحل معجزة.

لكنها الساعة الثامنة والعلم يرفع وسط تحية العسكر والاستعدادات جارية لرفع سٌلم السفينة عندها وصلت سيارة شرطة وهبط منها شرطي برفقة العسكرين الغائبين وكان أحدهم يترنح ويغني: كواهاري كينيا..أشنتي كينيا..كونا متاتا.***

صعدا كآخر الفاتحين ورفع السلم ومضينا للماء

***

* نبتون هو إله الماء وهو تقليد في بحريات العالم يطلق على من قطع خط الاستواء وهناك إحتفاليات تجرى لذلك.

** البودا بودا إسم يطلق على وسيلة نقل في أفريقيا وهي الدراجة النارية

*** أغنية باللغة السواحلية ومعناها شكرا كينيا وداعا كينيا

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة