ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 25/10/2012 Issue 14637 14637 الخميس 09 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

محمد الجلواح

187 صفحة من القطع المتوسطة

* * *

يتبادر للذهن عند سماعه لكلمة النزف ذلك الجرح الغائر الذي ينزف دماً.. أو ذلك المال التي يتعرض لعملية إسراف فاحش يفضي به إلى الإفلاس.. أو ذلك الماء في قاع بئر ما أن يتجمع حتى تعاجله الدلاء لتجف منابعه.

نزف الشعر. أو المشاعر هو ما نتقصى أمره مع شاعرنا الجلواح.

«القارة» جبل.. بل مجسم إلهي تاريخي أثري يثيرك مشهده.. وتستثيرك تضاريسه.. وعذوبة مناخه صيفاً وشتاء.. هل هذا ما يعنيه.. لا أظن.. لعله المكان.. والزمان الذي أجلسه ذات مساء على مشهد نسرين الآسر.

أجلستني «نسرين» ذات مساء

وجهه كوكب بوجه السماء

طفقت من صبابة تتهادى

ويميل النحيل ميل الهواء

ماذا بعد هذا الغزل الناعم الهائم في صباباته؟

لمست ردتي الثقيل بعطف

وحنان وقالت «اسمع غنائي»

ليست ساحرة فاتنة فقط.. بل شاعرة بصوتها الغنائي.. استمع إليها:

كم هوى قلبك الضعيف بحب

فادنِ مني. ودع هواك ورائي

يا للصدمة.. إلا أنه تحامل.. وتحمل.. وبصوت خافت:

قلت «نسرين» سامحيني فإني

سأغني بريشة الشعراء

آه يا حلوة العيون.. إليكِ

كل شعري. ومنطقي. وثنائي

غناء بشعر.. انتهى الأمر ولم ينته فقارة لها حصتها وحساباتها:

قارتي. مولدي أحبك جداً

هكذا منك قد عرفت وفائي..

قبل قارته بشعره.. وصافى نسرينه بمشاعره.. وقدم لنا شاعرنا قبولاً جديداً..

سأقبل منك بالشيء القليل

ولو حرفاً من الهمس الجميل

ولو كذبا من الأحلام تأتي

سأحسبه من الصدق النبيل

الحب يا صديقي لا تواضع فيه.. ولا تلون فيه.. وإلا تحول إلى حب خادع.. كذب الأحلام تعريها الصحوة وتبددها أشعة الحقيقة.

هذه المرة يقضي السهر مع الساهرات بعيداً عن الأحلام..

زغردت بين النخيل الهجرية

موجة حبلى بأحلام سنية

موجة كالراية الخضراء تشدو

هزها الفخر بروح عربية

من تكون هذه الأبية؟!

يا سليلات الندى والعلم حيوا

ساهرات الليل في نوم البرية

وتغنين بأمجاد بلاد

خصها الآن بنور البشرية

إن أتين اليوم في حفل بهيج

فالأماني البيض تأتي عسجدية

لعله يشير إلى فلذات أكبادنا من الجنس الناعم وهن يصدحن بنشيد الوطن في حفل وفاء.

حين يحبها في كل الظروف تنطوي صفحات المساءلة.. لأنه الحب المجنون بعينه:

أحبك في الغدو وفي الرواح

وفي أقسى الظروف وفي المزاح

وطيفك يا حبيبة يحتويني

ويأخذني إلى كل النواحي..

الحب أحياناً لا يحلو إلا على صوت المبالغة اللذيذة التي لا تجرح.. ولكنها تمزح في باطنها..

النقلة لدى شاعرنا الجلواح تبدو سريعة لا تقبل التأجيل.. وإذا كانت نسرين أحساءة شغلته برهة من زمن فإن «وردة النيل» بدأت تجدف بشراعها حول قلبه.

وردة النيل أحسد الورد حقاً

حيث يحظى بقبلة وبمثنى

وبثلاث وأربع. وبشمٍّ

وبضم.. ومقلة نصف وسنى

هو ما اسطاع أن يقاوم عطرا

بشرياً.. وكاد يزعم ظنا

أنه الأجمل الذي ليس يُنسى

فبدا أنه الذي كان أدنى

جسّد النيل حسنه فيك حقا

فاختصرتِ الجمال شكلاً ومعنى

فإذا قلت أن حبكِ سار

في خلاياي. فارحمي ذا المعنى

غزل من بعيد لبعيد.. لأن وردة النيل لا تنبت إلى جانب صبار الصحراء.. ويأخذنا ابن بطوطة من نيل مصر إلى مراكش المغرب كي يدلي دلوه الوجداني من جديد.

مراكشٌ. أشعلت نارا وما انطفأت

بمهجتي ووقود النار عيناك

يا لحظة ضربت مساً بذاكرتي

فلم أعد ذاكرا إلا محياك..

سلّمتُ للحب يا حسناء أشرعتي

وكنت غير مقود فيه لولاك

وقفت أقرأ في عينيك ملحمة

حزينة فانبرى لي دمعها الباكي

كل هذا الغزل المفتون بتوصيفه وتوظيفه للمفردات الغرامية أصيب بالصدمة.. وبالضربة القاضية.. هكذا يعترف.

نبذت كل نساء الأرض عن قلمي

ورحت أبحث عن وهم بلقياك

إلا «منال» التي يحبها لم يخذلها بخطابه الشعري. وأخالها طفلة.. أو في براءة طفلة.

آه. يا وجهاً له الدنيا غدت جنة عال

ويداً مُدّت إلى الأحباب برا ودلال

أنا طفل فقد العطف بروضات العيال

فاجعليني طفلك المحمول ألهو في القذال

واصنعي من قلبي المقطوع جسراً للوصال

حبات السلسلة النسائية متواصلة دون انقطاع.. بعد «منال» يأتي دور «وداد» اللبنانية يخاطبها في وُدّ..

لضحكتها يتوارى الأسى

وينسى الدجى خوفه والسواد

ويعبق درب خطت فوقه

ويصدع بالحب طير البلاد..

وتصهل في الدم روح الحياة

فتزدان أرض ويشدو جماد

أراها.. فألصق في وقفتي

أراها.. فلا أرغب الابتعاد

ولا غرو إن تنامى الحنين

فلبنان موطن عشق يراد

ويسألني القلب فيمن عزفت

فأهمس شوقاً عزفت وداد..

لقد وجد فيها لحنه ومزماره وشعره.. كيف لا. ولحسنها تزدان الأرض. ويشدو الجماد.. إنها حقاً ملكة الفتنة..!

«اشتعال» دعوة حنين لا لهيب أنين.. لأن المفردات وصل وتواصل..

امطريني رسائلاً امطريني

وإذا كنت ناسياً ذكريني

واجعلي الحرف بيننا في اشتعال

كاشتعال الحنين بين العيون

أنتِ نبع من الحنان.. ودفء

كل ما جف خاطري امطريني

شاعرنا أعانه الله ما أن يبرح اشتياقا ألهب في صدره الجوى.. حتى ينزع إلى وجد جديد يجدد فيه خلايا وجدانه وقلبه الظامئ إلى «الحب الغزير» أن يقول.. ويقول دون أن يكل أو يمل..

عنفيني إذا قرأت حروفي

واطرديني إذا ارتكبت كبيرا

بشريني بصفعة فوق روحي

وامسحي الأرض بي.. وكوني هديرا

يتلاشى بكل ذلك وهم

كنتُ قد خلته لقلبي عبيرا..

حسنا أن يتراجع في لحظة هدوء.. بعد لحظة خطأ أو غضب.. وما كنت أود لشاعرنا الجلواح أن يجرح.. بل يصفح.. رغم ترحاله.. وجهد حاله.. وهو يحلق في فضاءات الحب بعينين والهتين.. فإنه يشتاق إلى غيد ملؤه العناق. والقبل.

رقص القلب. وغنى بالغزل

ومضى يرسم أحلام الأمل

وحييت العيد مذ هاتفها

«ليلة العيد» بشوق ووجل

سبقتني بالتهاني. ولقد

سبق الحب إليها واشتعل

«عيدك الفطر سعيد» صدحت

فسرت في الروح نهراً من عسل

ليس لي عيد.. ومن أعشقها

قمر.. تاه على سطح زحل

إنما العيد إذا كنا معاً..

نحضن الليل ونمضي في القبل

حلان لحبك أن تصعد إليها على صاروخ كي تصوّب اتاهها نحو الأرض.. أو أن تشاركها التيه على سطح زحل..

يبدو أن يأسه من عودة فتاة أحلامه التائهة حول زحل ساقه للبحث عن البديل.. وما أكثر البديل في قاموس الشعراء العاشقين.

إنها «لاران» الدمشقية التي يخاطبها:

لوّني العتمة ضوءاً

وانشري الجو بهاء

أشعلي الروح فأنتِ

فتنة للشعراء

رفرف القلب لحسن

وهو في عمق الفضاء

أيها الورد الدمشقي

لك الروح فداء

حبه مشحون بالاشتعال إلى درجة الاحتراق.. في كل محطاته.. ومع هذا لم يحترق.. لأنه يملك سرعة الخلاص تارة ببكاء.. وأخرى بذكاء.. وثالثة بالمشاركة في مناسبة سعيدة:

لمولدكِ العمر قد غردا

وأضحى الحزين به منشدا

وضاعف زهر الشذى عطره

وعمّ الديار عبير الندى

واطرب صم الصخور التي

تغني فيحلو غناء الصدى

«جميلة» قد عاد يوم الشروق

ألا طيب الله ذا المولدا

ملاحظة عابرة «فيحلو غناء الصدى» الغناء هو الأصل.. والصدى نتيجة وكي يستقيم المعنى أرى أن يكون على النحو التالي:

تغني.. فيحلو الغنا والصدى

أخيراً.. وقد تملكته صراحة الموقف.. وهو ما أشهد له عن صدق قال كلمته:

أقولها كي أستريح

أم أنه وهم وريح

أرجوك أني متعب

فلترحمي القلب الجريح

بهذه الصراحة.. وبهذا الوضوح.. وبهذا الحب الطاغي على شعره.. وبأشواق ناره المشتعلة التي لا تنطفئ.. وبهذه الرحلة الشيقة على شاعرنا الأصيل محمد الجلواح في ديوانه الجميل «نَزْف» وبمقطوعته الختامية التي أعلن فيها إجهاده وتعبه.. تذكره بمقولة شاعرنا القديم:

كل من لاقيت يشكو دهره

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

وشكوى الدهر قد تكون مصابا.. أو عذابا.. أو إذنابا يحاسب عليه الضمير.. أو شيخوخة سلبت صاحبها طعم الاستمتاع بمذاق حياته..

بما فيها ذكريات حب خاطف سرعان ما انطفأ بريقه.. وتحول إلى رماد بعد اشتعال.. أو انفعال حاد أشبه بالنار.. تحياتي لشاعرنا الجلواح وقد أمتع.. وأشبع.



الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338
 

استراحة داخل صومعة الفكر
نَزْفْ
سعد البواردي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة