ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 25/10/2012 Issue 14637 14637 الخميس 09 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

خذوا الحكمة من... يربوع!
بثينة الإبراهيم

رجوع

 

روى التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة أنّ حيوانات اليرابيع إذا اجتمعت، أطلّ قائدها من موضعٍ مرتفعٍ يؤمّن لها الطريق، فإنْ رأى خطراً صوّت لها بأسنانه وكأنّها صفارة إنذار تدعو للتوجه نحو الملاجئ، فتكافئه اليرابيع لاحقاً بالعشب الطري على حسن رصده وحمايتها، أمّا إنْ سبقتْه المجموعة في كشف هذا الخطر قامت بقتله لتفريطه في أمر حمايتها.

ولا يعدّ فعلها السابق الذكر في تنحية قائدها فوضويةً أو غوغائية، بل هو فعل مسؤول بامتياز، ويشبه إلى حدٍ كبير ما يتمّ تطبيقه في المنظومة العسكرية، حين يتهاون القائد في اتخاذ قرارٍ مصيريٍ فيلزم عقابه، وهي أي اليرابيع إذ تقوم بما تقوم تكون قد مارست ثقافة المواطنة من جهة وثقافة المسؤولية من جهة أخرى، هذه المفاهيم الّتي ما زالت وليدةً في مجتمعاتنا التي تتقن إلقاء اللوم على الآخرين، وكأنها تفتقر إلى الجرأة للاعتراف بالخطأ لتحمّل تبعاته، وربما كانت تبدأ أول ما تبدأ حين نعوّد أطفالنا عليها بلومنا آخرين غير مرئيين أحياناً على خطأ ارتكبه أطفالنا لتخليصهم من الإحراج غالباً والعقوبة أحياناً.

وتكمن المشكلة الحقيقية في طبيعة فهمنا لمفهومي الحق والواجب فتظهر الحدود بينهما مائعة لجهل الفرد بهما، بل ويذهب أحدهم إلى حدّ القول بأنّ ميثاق الأمم المتحدة تحدّث كثيراً عن حقوق الفرد دون إشارةٍ إلى واجباته! والواضح أنّ اليرابيع في حكاية التوحيدي كانت تعرف حقها على القائد في تأمين حمايتها، وواجبها في ضرورة محاسبته عند ما قصّر في أداء واجبه، وبرغم أننا نردّد كثيراً قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته» إلا أنّ فهمنا أو تطبيقنا يكاد ينحصر في مسؤولية الحاكم أو المسؤول، بعبارةٍ أخرى نتملّص من مسؤوليتنا في ممارسة واجباتنا كمواطنين ونحاول فقط المطالبة بحقوقنا بطريقة عرجاء غالبا! ويقول في ذلك مالك بن نبي: «لقد أصبحنا لا نتكلّم إلاّ عن حقوقنا المهضومة ونسينا واجباتنا، ونسينا أنّ مشكلتنا ليست فيما نستحقّ من رغائب بل فيما يسودنا من عادات وما يُراودنا من أفكار.. وكم ردّدنا عبارة: (إننا نطالب بحقوقنا) تلك الحقوق الخلابة المغرية التي يسْتسهلها الناس فلا يعمدون إلى الطريق الأصعب: طريق الواجبات».

وبرغم أنّ «شطف الدرج يبدأ من الأعلى» على حدّ تعبير أحد المفكرين، إلا أنّ المطلوب هنا هو ضرورة البدء من أسفل الهرم، لتأسيس «بينة تحتية» تشكّل قاعدة لثقافة المسؤولية بكل ما تنطوي عليه من مفاهيم، باعتبار الكل يقرّر شكل الجزء وأنّ كل جزءٍ في الكل له مكانته ودوره ووظيفته التي تتطلبها طبيعة هذا الكل من وجهة نظر جشطالتية، وما دمنا قد تعلّمنا من غراب قابيل ونملة سليمان عليه السلام، فما بالنا لا نتعلّم من اليربوع!

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة