ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 25/10/2012 Issue 14637 14637 الخميس 09 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

الحضارة الإلكترونية
عبد العزيز بن عبد الله الزير

رجوع

 

لم تعد لغة الجسد حيّة كما كانت، بل تضاءلت واضمحلت حيويتها وفاعليتها؛ لأن لغة التخاطب والحوار أصبحت لغة عن بعد، لأن في كل المناسبات يتناول الحوار عبر وسائل مختلفة، جامدة في ذاتها، قليلة العاطفة، عديمة الإحساس لا تحمل أية مشاعر رغم طواف الكلمة بتأن وديمة، تدار بينهم لغة سقيمة، جافة ولأن الكلمة بحد ذاتها صارمة، مهنده المنطلق وصهيلها يرعد لذلك تصل وتغرد حبال الوصل فتدور عجلة الحوار هنا وهناك حتى أنشأت بتلك الوسائل العقيمة الحسّ مجتمعا إلكترونيا جافاً يخلو من الاحتواء وتنعدم فيه لغة سلوك التخاطب والحوار الأساسية أيا كانت وتترأس فيه غزو الحروف وهي تعكس أفكار من يبرمجها ومن يبرهن عليها ومن يتخذها لغة حوار وإنه لا يمكن أن يضع بها بصمات صدقه وخلفية مشاعره بل يبث ما يمليه عليه فكره التي تنبئ عن شخصه حتى وإن حاول أن يُغيّب سمات تلك الشخصية بتقمص كلمات أخرى ينفس بها عن غاياته وأهدافه ويرسم خطوطاً لها ومسارات قد تخالف ضميره وما يحمله قلبه من قيم، لغة الجسد تتصدر وتكون حاضرة ويفطن لها الآخر حتى وإن خالفت كلمته التي تنطلق من لسانه يلتمس ويتحسس اهتمامه وصدقه من عدمه قطعا وجزما من لغة جسده وإشاراته وانعطافاته كلها تكشف للآخر وتترجم له عاطفته وانفعالاته وهذا لا يحصل عبر الوسائل الإلكترونية، تلك الوسائل التي أوصدت كل المشاعر إيجابياتها وسلبياتها في سجن ضائع مفتاحه، وجعلت الخيال يعلو الأذهان وصور حروفهم بهوى المتلقي وليس الكاتب، أما الجانب الإيجابي أضاء أجواء المجتمع وخلف مساحات خضراء من الاستيعاب والفهم والعلوم والمعارف بانغماسهم بالتصفح الإلكتروني فأدركوا مدى لذة العلم ونهضت به الأفكار الفذة والهمم المشتعلة وبلا شك جرت بها الفائدة حداء فكره وعقله فاستمتعوا بالقراءة وكسروا قاعدة العزوف عن القراءة بنشاط القراءة الإلكترونية فزادت ذائقتهم الأدبية وحصيلتهم العلمية، وترجع أسباب انحيازهم للقراءة الإلكترونية دون القراءة الورقية إلى إن الأولى تملك الإثارة والإغراء ومقومات الجذب من تصفح ومن صور وتمكن الانتقال السريع والتغيير من مجال لآخر وأهم من ذلك الحافز القوي الذي شدّهم إلى القراءة الإلكترونية هو التفاعل الحيّ حيث إمكانية الرد السريع والتجاوب وذلك من خلال حوار ما أو قضية شائعة، فتنمو لديهم ذائقة النقد على العكس من الكتاب الورقي الذي يئن غربة من عزوف الناس عنه لفقره لمغريات الجذب والشد ولكنهما زال يمتلك الفائدة العظيمة التي جعلته على مرور الزمن يقبع على قمة هرم المعرفة، والانغماس الحاصل في التصفح الإلكتروني يستنزف الوقت مما يؤدي بصاحبها أن يقع في هزلية وتعسف سلوك الحضارة الإلكترونية، التي تنأى به وتبعده عن الحضارة الاجتماعية والإنسانية القويمة وبذلك يهزل وتنحط مشاعره وأطروحاته، وهذا خلاف المنهج المتكامل للحضارة الإلكترونية القويمة المصقلة بالحياة الإنسانية والاجتماعية الغراء؛ وذلك لأن في مخالطة ومعايشة هذه الحضارة المتأصلة يكون مجالا لصقل التهذيب القويم.

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة