ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 26/10/2012 Issue 14638 14638 الجمعة 10 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وقف الحجاج بالأمس في عرفة، وأتموا بفضل الله ورحمته حجهم، وسيكملون ما بقي من شعائر في الأيام القادمة بمشيئة الله؛ ولا بد لنا أن نشيد بالجهود التي تقدمها المملكة للقادمين لأداء الفريضة، تلك الجهود المتنوعة، وعلى رأسها الأمن الذي تحقق كما تحقق في أعوام سالفة. إن مسيرة عدد كبير من الناس في فترة وجيزة، في مساحة محدودة، تعني الكثير، سواء في تسيير تنقلاتهم أو سكناهم أو مأكلهم ومشربهم، وأمنهم الذي يرفلون به خلال فترة مجيئهم إلى هذا البلد الكريم.

توفير الأمن لهذا العدد الكبير من الحجاج يتطلب عدداً غير يسير من البشر والأجهزة، وفوق ذلك كله عقول تضع الخطط، وتتحرى الصواب، وتتلمس الثغرات، وتتجاوز الهفوات، وتحسم في وقت الحسم.. إن تحقيق أمن كهذا يعني جهداً مضاعفاً وعناء وسهراً ويقظة واستنفاراً لخدمة الزائر؛ ليعود سالماً كما بقي آمناً.

وطالما أننا نتحدث عن الحجيج فقد يكون من المناسب أن أنقل قصة أوردها عز الدين بن الكميلي، الذي عاش في القرن التاسع الهجري، ونقلها لنا في كتابه نزهة الألباب، نقلاً عن عماد الدين بن كثير، وذلك أن رجلاً كان بمكة المشرفة، نزع ثيابه ليغتسل من ماء زمزم، وأخرج من عضده قطعة من ذهب فوضعها مع ثيابه، فلما فرغ من اغتساله لبس ثيابه ونسي القطعة الذهبية، ومضى، وسار بعد ذلك إلى بغداد، وبقي مدة سنين وأيس منها، ولم يبقَ معه سوى شيء يسير، وعاد إلى مكة المكرمة، واشترى زجاجاً ليتكسب منه، فبينما هو يطوف إذ سقط من على رأسه فتكسر جميعه، فوقف يبكي، فاجتمع الناس عليه يتأملون كلامه، وهو يقول: والله يا جماعة الخير، لقد ذهبت مني قبل سبع سنين عند بئر زمزم قطعة ذهبية زنتها خمسون مثقالاً، فما باليت لفقدها كما باليت لفقد هذا الزجاج، وما ذلك إلاّ أنه جميع ما أملك، فقال لـه رجل من الحاضرين الذين تجمهروا حوله: “أنا لقيت تلك القطعة الذهبية، واحتفظت بها لعل صاحبها يعود إليها”، وقام وأحضرها، وهذا من عجائب الاتفاق، وكذلك الأمانة التي تحلى بها ذلك الرجل النبيل. فسبحان الله الذي حفظ لذلك الحاج ماله.

وفي قصة أخرى فقد قال أبو الفرج المعافي: حججتُ سنة، وكنت بمنى أيام التشريق، فسمعت منادياً ينادي: يا أبا الفرج، فقلت لعله يريدني، ثم قلت في نفسي: في الناس كثير يكنى بأبي الفرج، فلم أجبه، فقال: يا أبا الفرج المعافي، فهممت أن أجيبه ثم قلت: قد يتفق ذلك أن أحداً اسمه المعافي، ويكنى بأبي الفرج فلم أجبه، فنادى: يا أبا الفرج المعافي بن زكريا، فقلت: قد يتفق ذلك، فنادى: يا أبا الفرج “المعافي” بن زكريا الفهرواني، فقلت: لم يبق شك في مناداته إياي، إذ ذكر اسمي وكنيتي واسم أبي وبلدي التي انتسب إليها: فقلت: نعم، ها أنا، فما تريد؟ فقال: لعلك من نهروان الشرق، قلت نعم، فقال: أريد نهروان الغرب، فمن العجب ذلك الاتفاق في الاسم والكنية والأب والبلد، ثم أردفت قائلاً: وما علمت أن في الغرب موضعاً يسمى النهروان.

لقد أوردتُ هاتين القصتين؛ لأنهما حدثتا في يوم الحج، فكانت المناسبة دافعاً لذكرهما.

أعود لأقول: اللهم أمنا في أوطاننا، واحفظ لنا ديننا، وأسبغ على حجاج بيتك وعلينا سائر نعمك، وأظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك، وأعدهم إلى ديارهم سالمين غانمين، واقبل دعاءنا ودعاءهم، واجعل حجهم حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وتجارة لن تبور، وأعد علينا هذه الأيام المباركة أعواماً عديدة ونحن نرفل في أثواب الصحة والعافية، وأصلح أحوال المسلمين، وألِّف بين قلوبهم، واجعل الحق نبراسهم، وانشر السلام في أصقاع الدنيا، واحفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كل مكروه.

 

نوازع
حجاج البيت الكريم
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة