ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 26/10/2012 Issue 14638 14638 الجمعة 10 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هل المثالية موجودة وتتوفر في الأفراد والمجتمعات؟.. وما حقيقتها؟..

ففي المثل العربي يقولون: كل فتاة بأبيها معجبة، ويقولون: الولد صنو أبيه، فهل هذه المثالية لها مقياس توزن به، وما حدود هذا المقياس؟.. أهي كالعنقاء التي تذكر ولا تعرف،

والغول الذي يأتي على ألسنة الشعراء؟.. ويقولون: تغوّلت الفيلان، في وصف الليلة المظلمة وترائي الأشياح فيها.

وما ذلك إلا أن كل الألسنة تجدد الحديث عن المثالية، وكثير من النفوس تتوق إليها، وتحبذ النقد حولها، ولكن تختلف تلك النفوس، بإدراك حقيقة هذه المثالية، أو وضع مقاييس لها، مع قصر النظرة إليها، أو وضع قاعدة ثابتة للانطلاق منها لمفهوم عام وثابت لها، بحسب كل مجتمع وبيئة.

وقد تكون المثالية لها مفهوم مبني بالبروز والكمال في وجهة معينة، أو مفهوم عند فئة دون أخرى، فتكون بهذا المفهوم: أمر نسبي وفق مفهوم وقناعة كل فئة ومجتمع.

ففي بلاد الغرب -مثلاً- يرون ويطلقون أموراً على أنها مثاليات بمقاييسهم، وهي في نظر المسلمين وعاداتهم المستمدة من شريعتهم، تعتبر من المنكرات، التي تتأفف منها نفوسهم، وتنكرها عقيدتهم، وهكذا بقية الأمم في أرض الله.

وكلّ من هؤلاء وأولئك ينتقد الآخر، في العادات والخصوصيات ويرى عمله الأحْسن والأمثل.

ومع ذلك فالغرب -مثلاً- حريصون على تصدير ما هم عليه، لديار الإسلام وفرضِه على الآخرين، ليفسدوا على المجتمع الإسلامي ومثالياته، انطلاقاً من مفهوم الآية الكريمة: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.. ولكن الله سبحانه جاء بالجواب مباشرة: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.. (البقرة: 120).

ولذا فإنَّ المتمعّن يرى رجالاً ومن يسمونهم رجال الدين في مختلف العقائد بالأرض، لهم نظرات حول بعض العادات الاجتماعية، والمسائل الفردية والأسرية، والمقاييس حول بعض التصرفات، هي في نظرهم مثاليات لكنها في الفكر الإسلامي، وقاعدة هذا الدين مستهجنة، وفي الشموليات تصرفات سيئة، وأمور يجب الابتعاد عنها في التربية والتوجيه، والتعليم والفكر، والعادات والتقاليد.

ونعني بذلك خاصة، ما ينعكس على العقيدة والدين لأن تعاليم الإسلام تتمثل في إصلاح المجتمع” ديناً ودنيا، وما فيه صلاح الأمور: للفرد والجماعة، حيث تستقيم المجتمعات وتأمن المسيرة منها، لأن القاعدة ليست من وضع البشر، الذي يتغير حسب الأهواء، إذ المصدر لاشك فيه ولا قصور: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (البقرة: الآيتان 1-2) أي لا شك ولا مرية فيه، ولا نقص.

ولذا تعتبر مقاييس الإسلام، وشرائعه مثالية راسخة ونظرته للتوجيه أعمق، ونعتبرها مثالية، حيث لا تُقرُّ إلا ما كان ثابتاً ومفيداً {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت الآيتان: 41 - 42)، ولا تؤيد تعاليمه وما شرع الله من الأعمال، إلا ما هو راسخ الجذور، واضح النتيجة: فيما يعود على المجتمع بالمصلحة: نفسيّاً أو صحيّاً أو عاطفة على الأسرة والولد، بالمحبة والترابط، وفيما يشدّ المجتمع لأجزائه، محبةً ورعايةً وتآلفاً: (مثل المؤمنين في تآلفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له الجسد كلّه بالسهر والحمى)؛ (جزء من حديث شريف).

وقد كان في المجتمع الجاهليّ عادات وأعمال حسنة، أبقى عليها الإسلام منها مكارم الأخلاق، لأن الله يحب مكارم الأخلاق، وأيّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثيراً من الأعمال التي تعين على تآخي المجتمع، وتؤصّل المحبّة وتنشّط جذورها، فكان لا يغضب، إلا عندما تنتهك محارم الله، وكان كريماً يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، كما كان بشوشاً في وجه السائل، حتى ترتاح نفسه ويأخذ عنه، وكان متواضعاً حتى أنّ الطفل الصّغير يأخذ بيده فينقاد معه.. وكانت أخلاقه من أدب الله الذي أدبه، فأحسن تأديبه، فهو مثالي في جميع أموره، نموذجاً لأصحابه في كل موقف.

بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق، نموذج ذلك لما أُسرت سفانه بنت حاتم، وهروب أخيها للشام، وكانت في مكان قريب من المسجد فيمر بها يدعوها، فتقول: إنْ تقتل تقتل بذنب، وإنْ تعف تعف بكرم، أنا بنت حاتم، وأبي يكرم الضيف، ويقرئ المسافر، ويحب مكارم الأخلاق، وفي اليوم الثالث: قال: خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم، ولو كان أبوك مؤمناً لترحمنا عليه.

وأمر أصحابها أن يلحقوها بأخيها، مع قافلة مسافرة للشام، فلما لاقت أخاها، وأثنت على موقف رسول الله معها، ورغبت أخاها في الإسلام، التي فتح صدرها بمثالية رسول الله وحسن خلقه، فرجعت للمدينة مع أخيها وأسلما.. وقصة إسلامها ذكرها ابن كثير في تاريخه، لراغب الفائدة لأنها طويلة.

فأعطتْ صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الآخرين، مفهوماً واضحاً لمن يرغب المفهوم الواضع للمثالية: بأنّها الحرص في التّأسي، بأكمل الصّفات وأزكاها، وأنفعها للآخرين وأكثرها أثراً، ولهذا نرى المسلم الحريص في التّأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم: في مثاليته: قولاً وعملاً يترسّم خطاه نصّاً وعملاً، حيث أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، يقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}؛ (يوسف: 108)، ويقول سبحانه: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159).

وهذه النصوص وغيرها كاملة الدلالة عميقة المعنى.. ومن حُسن الاتّباع لرسول الله في مثاليّته، ترسّم خطاه، والتّأسي بأخلاقه وأعماله، بقدر الإمكان مع النيّة الصادقة وإحياء سنّته في القول والعمل.

ومن الغرائز في البشر، التّطلع إلى البروز في كلّ فنّ، والإشارة إليه كمثل اجتماعي، ترنو لمثله النفوس، ويشار إليه بالبنان، وتهفو لسماع أخباره في المجتمعات، بأنّه رمز اجتماعي وهذا مركب نقصٍ في فئة من الناس، إذ يحبّون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، إذْ يتصوّرون أنّ البروز بما يخالف معهود النّاس، إذ يُرْوَى في بعض الجهات عن فئة من بنى آدم يرون المكانة والشّهرة في مخالفة المعهود: سواء بالطّبع، أو اللّبس أو في بعض المقتنيات المتنوّعة، مستندين على عبارة تتردد على الألسنة وهي: “افْعَلْ المنكر حتى تذكر).

بينما الذي يرفع المكانة: التواضع وحُسْنُ الخلق، والسّعي في مصالح النّاس والتّودّد إليهم، بالأفعال الحميدة، وبذل الجهد، في إغاثة الضّعيف، ومساعدة المحتاج، والاهتمام بالمرضى والسؤال عنهم وفي ما يعين العجائز -ذكوراً وإناثاً- وبذل الوسْع للأرامل والضّعفاء.

هذه بعض الصفات، التي يجب الاهتمام بها، لتوجد المثالية في العمل، وأداء زكاة العمر، والجاه والصّحة والقدرة، لأنّه في عون الله ما دام في عون أخيه، كما مرّ بنا الحديث الذي يحثُّ فيه رسول الله على مثل هذه الأعمال التّي يرفع الله بها عمل الإنسان ومكانته في بيئته، وذكره الحسن بعد مماته، وتجعل ما يسير في هذا عُضْواً عاملاً في مجتمعه بهدوء وطمأنينة، سواء كان هذا العمل بالجهد منفرداً، وبالجهد مع المال، أو بالجاه والمكانة الاجتماعية، أو كوّن بفكره عملاً في جمعية ينتشر عملها ليعمّ النّفع، ويتأسّى به الآخرون.

فالأعمال النّافعة مهما كان نوعها وعملها، إذا كانت بنيّة خالصة، استدام نفعها وصارت مثالية، تؤخذ قدوة حسنة، ومبدأ تعاليم الإسلام: بأنّ مَنْ سنّ فيه سنّة حسنة فإنّ له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة كما جاء في الحثّ عليها، بعكس من سنّ سنّة سيئة، حيث يتحمل وزرها ووزر من عمل بها.

والمثالية في المجتمعات الإسلامية التي يتعدّى نَفْعها ويكبر حجمه مع الحرص على النفع والإصلاح كثيرة لمن يرغب في عمل الخير، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاعدة راسخة حتى لا يزهد الفرد في الشيء القليل، في مثل هذا الحديث، من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بقوله الكريم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).

يقول جلّ وعلا في درس عمليّ، في تعامل النّاس فيما بينهم وحسن اللين والعشرة، بتوجيه في سورة الحجرات، في تهذيب للنفوس المؤمنة، ودعوة للمثاليّة التي يحبها الله لكي تنتشر في المجتمع الإسلامي، آداباً تميزهم عن غيرهم، في خطاب للفئة المؤمنة: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}؛ (الحجرات 9-12).

إن هذه التوجيهات الربانية، قانون في المثالية الاجتماعية، والتعامل الذي يوحد القلوب، ليحصل التآلف والامتزاج والمحبة، حيث طبقها المجتمع الأول، فتصافوا وتآخوا، حتى بلغ بهم إلى أن يتنازل الفرد لأخيه عن ماله، وإحدى زوجاته، امتثالاً لأمر الله وطاعة لرسوله.

mshuwaier@hotmail.com
 

المثاليّة
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة