ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 05/11/2012 Issue 14648 14648 الأثنين 20 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا سبيل أمام تحديات الوطن الطبيعية والاقتصادية إلا مواجهتها، بدلاً من الوقوف عاجزين أمامها، فالمستقبل القريب أضحى حاضراً، وأصبحنا نعيش في وسط الأزمات، وإذا لم نسر في نفس الطريق الذي مر به غيرنا من الأمم ستحل الكوارث، ولن يحدث ذلك إلا بتسخير العقول للعمل في بيئة قادرة على إيجاد الحلول، ولن تجدي سياسة الترقيع أو التأجيل، حيث لم يعد خافياً أن الاقتصاد أصبح مرتبطا بشكل مباشر بالاكتشافات العلمية على مختلف الأصعدة، وعلينا أن نضع أولويات تتفح الباب على مصراعيه أمام الحلول العلمية في كل مجالات الحياة.

العقل البشري قادر على الوصول إلى المعجزة، ولولا العقل لما وصل العالم الغربي إلى قمة العالم، ولما استطاعوا اكتشاف الطاقة، والوصول إلى داخل الذرة، والسفر إلى الكواكب البعيدة في الفضاء، ولولا العقل لما سيطروا على العالم من خلال نظرياتهم الاقتصادية التي لا تخضع لمبدأ “القص واللزق”، ولكن للديناميكية والتطوير الدؤوب، ولولا العقل لما احتلوا المرتبة الأولى لقرون في براءات الاختراع، ولما خرج من عندهم بيل جيتس وستيف جوبز وأديسون ونيوتن وأدم سميث، ولم يعد أمامنا إلا تغيير تلك النظرة الدونية للعقل، والتي تسلم أمرها تماماً للمعجزة، ثم تنتظر أجلها.

الكون تحكمه قوانين الطبيعة، وقدر البشر أن يكون في سباق لامتلاك أسرارها، هذا ما تكلم به أوجست كانت (1857م) رائد الوضعية العلمية، حين استعرض مراحل المعرفة البشرية، وأعلن نهاية الميتافزيقيا في تقديم التفسيرات والتبريرات العلمية للأسرار الكونية، تحدث عن ضرورة بدء المرحلة العلمية، يدرس الإنسان الطبيعة وفق منهج تجريبي، ويفسرها من خلاله، ويصوغ معرفة وضعية في قالب علمي وصفي يمكّن الإنسان من السيطرة على الطبيعة، والتحكم فيها، وتسخيرها لمصالحه.

لا مجال أمام العالِِِم التجريبي إلا أن يكون مادياً صرفاً في مختبره، وأن يفكر أن هناك دائما سببا ما خلف أي ظاهرة طبيعية يواجهها، وأنه قد يصل إليه من خلال البحث العلمي، وألا يفكر من خلال المعجزة، أو يعتقد على سبيل المثال أن قدرنا أن نعيش وسط ضائقة مائية للأبد، وأن خطر العطش كتبه الله عزَّ وجلَّ على سكان الجزيرة العربية، وأن عليهم أن ينتظروا الوعد الإلهي في أن تعود أنهاراً كما كانت في السابق، بل عليه أن يؤمن أن هناك حلا لم نصل إليه بعده، وفي مقدوره أن يحول الصحاري القاحلة إلى مسطحات تنتج الأمن المعيشي، عليه أن يبدأ في التفكير أن المياه المحلاة قد تكون مصدرا رئيسيا للاقتصاد الزراعي، وأن الحل يكمن في العلم التجريبي، وفي محاولة خفض تكاليف التحلية إلى أقل تكلفة ممكنة.

ليس الحل أن تكون أنظمتنا الاقتصادية إما تقليدا لما يقرره الإنسان الأقوى، أو أن نكتفي بسياسة النظرة الدينية الحالية، والتي أثبتت أنها أكثر فشلاً من أنظمة الاقتصاد الغربي، ولكن بالعمل على تطوير الأنظمة الاقتصادية من خلال ذهنية الابتكار والرغبة في تطوير أنظمة تعود بالنفع على المواطن والاقتصاد الوطني، ولن يحدث ذلك إذا استمررنا في انتظار قرار العم سام في تخفيض أو رفع نسبة الفائدة، والتي في كثير من الأحيان لا تتناسب مع وضعنا الاقتصادي، وأنها قرارات تم اتخاذها في أحوال اقتصادية مختلفة، كما هو الحال في ربط الريال القوي بالذهب الأسود بالدولار الذي تم تخفيض قيمته لأسباب اقتصادية لها علاقة بالاقتصاد الأمريكي، وكان ولا زال الخاسر الأكبر هو دخل المواطن.

لا تزال مناهجنا المدرسية بعيدة عن تنمية ملكة التفكير عند الطالب، وتحتاج إلى أكثر من مناهج علمية صرفة، ومنها أن يتم وضع منهج معرفي يحكي قصة تطور العلم في التاريخ، وتقدم النظريات العلمية التي تؤسس عند الطالب الاستعداد لمواجهة الطبيعة، والرغبة في البحث عن أسرار جديدة، قد تساعد الوطن في تجاوز تحدياته المزمنة، كما أن بيئة الإبداع والاكتشافات لا تنمو في بيئة تحكمها المحسوبية والبيروقراطية، ولكن تحتاج إلى كسر تلك القيود ثم إخراجها من المركزية، ويصاحبها تسهيل إجراءات البحث العلمي، على ألا يقتصر على المراكز الأكاديمية المتخصصة، كذلك يحتاج المجتمع العلمي إلى إعادة النظر في تقييم الإنجاز وفي دعم البحوث العلمية، وإلى اختيار شخصيات قيادية إدارية تدرك معنى الإنجاز العلمي.

 

بين الكلمات
النظرة الدونية للعقل وندرة الإنجازات
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة