ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 10/11/2012 Issue 14653 14653 السبت 25 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أستأنس كثير من المثقفين مصطلح الربيع العربي، وشارك أغلبهم في مسانده الثورات الشعبية ضد الأنظمة السياسية في دول عربيه عديدة، ولا زال أغلبهم إن لم يكن جلّهم يساند بصوت عالٍ الثورة السورية، على أمل أن يزول الحكم السياسي الحالي في سوريا، ويأتي من بعده نظام ديموقراطي، يحترم حقوق الإنسان وحريته وكرامته، وقد وجد المثقفون السوريون أنفسهم في مأزق سياسي عندما وصلت رياح الربيع العربي إلى سوريا، ولم يكن لدى بعضهم إلا خيار التراجع عن تلك النظرة الإيجابية للربيع العربي، بينما اختار آخرون المنفى هرباً من مواجهة كبرياء السلطة المجروح.

ولكن هل نحتاج إلى قراءه جديدة لفصول الربيع العربي ؟، وهل كانت في واقع الأمر مجرّد لوثة جماهيرية جاءت على هوى دعاة التغيير !، أم أنّ ما حدث في بعض الدول العربية هو حالة طبيعية للوعي الجماهيري ؟، وحين دقت ساعة التغيير خرجت الجماهير للشوارع غير مكترثين لمدافع السلطة، وقد كان لاندفاعاتها المفاجئة في واجهة الأحداث دورات في تاريخ البشرية، فالجماهير تسكنها روح جماعية وانفعالات مشتركة ومتناسقة، تصل إلى حالة الثورة حين يذوب الرأي الواحد فيها لصالح الهتافات الجماعية، لتتشكّل تركيبة جديدة لا تعني بالضرورة أنها تمثل الوعي الفردي للإنسان، ولكن تتكوّن من خليط من العواطف والشعور بالهزيمة والخذلان أمام وعود السلطة، وتظهر قوّتها في اتحادها لا شعورياً وبدون تنظيم مسبق، في حالة أشبه بالأساطير التي تحكي قصص هزيمة جبروت العمالقة أمام تكاتف صغار الكائنات.

من سماتها أيضاً أنها - أي الجماهير - تتجرّد من صفات الخوف والحذر عندما تقرر الخروج لمواجهة السلطة، وقد تصل أحياناً إلى حالة التهوُّر مثلما حدث في سوريا، فمن الواضح أنّ الهوس الجماهيري بالانتصار على الأرض لم تعد تثبطه المجازر التي تمارسها السلطة السورية، بل زادتهم قوة وإصراراً، ويأتي ذلك الصمود من مصدر سيكولوجية الفرد الذي يُقدم على الانتحار غير آبه بالخوف من الموت، وتُصبح تلك السمة في غاية الخطورة إذا تبنّتها سيكولوجية الجماهير الجمعية للوصول إلى حالة عدم الاكتراث للموت، عندها تحدث الكارثة الإنسانية، وتنتشر الجثث في الشوارع، ويستمر الدمار والهلاك إلى أن يشاء الله مخرجاً.

أحد أهم أسباب الربيع العربي في بعض الدول العربية حسب وجهة نظري، كان بسبب كبرياء السلطة ونظرتها الدونية للناس، على أنهم مجرّد غوغاء تفرّقهم عصا ويجمعهم مزمار، وقد يكون ذلك صحيحاً في أزمنة ولّت، ولكن التغيير الطارئ على نفسيتهم أضحى ملموساً، فقد أصبحوا أكثر جرأة وتهوُّراً من ذي قبل، في ظل استمرار حياة السلطة في هذه الدول في بروج عاجية وخلف أسوار عالية، ترفض الحديث مباشرة مع الناس، وتتكلم معهم من خلال وسيط، وتلك من سمات الكبرياء التي لم تعد تتناسب مع الوعي الجماهيري العصري، وبسبب هذه الكبرياء قد يجد صاحب السلطة أنه من الخطأ الجسيم أن يعتذر أو يتراجع، وذلك لئلا يظهر في حالة الضعف أمام الشعب، ينتج عنها عادة حالة من الصمت أشبه بالقطيعة بين الناس وصاحب السلطة، وبذلك تختفي لغة الحوار ثم تُستبدل بلغة الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، وقد يصل الأمر إلى تحريك الجيوش وقوات الأمن في ظل طغيان الكبرياء على التواضع.

قد يدخل ذلك الهوس السياسي المعارض في هذه الدول في خانة اللعب على الهامش إذا لم توجد أسباب موضوعية تؤدي إلي تسييس الجماهير، وتدفعها للبحث عن خيارات للخروج من أزمتها الخاصة، والتي قد تكون اقتصادية أو حقوقيه أو اجتماعية، لذلك حسب رأيي ستظل خيوط اللعبة السياسية في يد السلطة، والتي إن لم تعالج عثراتها التنموية ومطالب جماهيرها، قد تجد نفسها في مواجهة الناس في الشوارع، وقبل ذلك عليها أن تتخلّى تماماً عن كبريائها، وتتواضع إلى مستوى تطلُّعات شعبها قبل أن تقرر أنّ سياسة الأرض المحروقة كما هو الحال الآن في سوريا، هو الخيار الوحيد لكبح جماح الثورة الشعبية.

 

بين الكلمات
كبرياء السلطة في مأزق الربيع العربي
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة