ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 12/11/2012 Issue 14655 14655 الأثنين 27 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

دخل الابن على أبيه في لحظة جمعت بين الخوف والترقب.. بدأ حديثه بمقدمة بسيطة قال فيها إنه يريد أن يستقل بنفسه, وينتقل إلى مرحلة جديدة تكون الاستقلالية والمسؤولية عنوانها, ثم صارحه برغبته بالزواج وبناء أسرة يكون هو ربها والمسؤول عنها.

جاءت ردة فعل الأب مفاجئة وصادمة وأكثر عنفا وقسوة من حديث الابن الهادئ والمتزن, رفض الأب الموضوع جملة وتفصيلاً, وانهال سيل من المبررات والحجج, معللا ذلك بأن ابنه غير مسؤول ولا يتمتع بأدنى المواصفات التي تخوله للزواج, وواصفا إياه بالابن غير الصالح وغير المتربي وغيرها من التهم التي خرجت مدحوضة من فم قائلها! فكأن الأب بذلك يتهم نفسه, فكيف يرجمه بتلك التهم القاسية وهو من رباه وأشرف على تربيته؟ وهو من غاب عنه حين كان في أمس الحاجة إليه؟ ورماه في إحدى أقل المدارس تطورا، ولم يعلمه يوما قيما يعلم جيدا أن أحدا غيره لن يستطيع تعليمه إياها, وبعد كل ذلك يصفه بأنه لا يتمتع بالأخلاق والاحترام والكرامة!.

هذه القصة ذكرتني بحال بعض الحكومات مع شعوبها أو حال بعض طبقات الشعب مع تلك الأقل منها مالا وجاها, حين تصف تلك الحكومات جموع شعبها بأنهم “همج” وبدائيون ولا يعرفون الحضارة ولا يواكبون تطور العالم من حولهم, بل يرفضونه ويحاربونه, وأنهم باختصار لا يستحقون الديموقراطية التي يمارسها الغرب منذ عشرات السنين ويصرون على تذكيرنا بمناسبة وبدون مناسبة بأن الغرب شيء والعرب شيء آخر.

وهنا يحلو لي أن أسأل من صنع هؤلاء “الهمج” على حد وصفكم؟ من جعل منهم خارجين على الحضارة يقفون خلف الشمس وخارج الزمن؟ من خلف بدائيتهم وعقولهم البسيطة العاجزة عن استيعاب الحضارة؟ أليس أنتم؟ وأنظمتكم ومناهج تعليمكم وجامعاتكم وإعلامكم؟ لا يمكن لهذه الشعوب أن تتطور وتتقدم وتبدع وتنتج في ظل أنظمة تتخذ التخويف وقمع الحريات منهجاً لها.. كيف لهذه الشعوب أن تنال شرف استحقاق حرية الانتخاب والتعبير وهي تحيا في أوطان لا تعرف ماذا يعني الرأي الآخر والحزب الآخر و”المعارضة”؟ كيف يمكن أن ترقى ذائقتهم الفنية وتتفتح آفاقهم الحضارية والثقافية والبلد تمتلئ بكافة أشكال المتاجر و”المولات” وتخلو من المكتبات العامة إلا ما يعد على أصابع اليد؟ كيف نطالبهم بأن يحبوا مدنهم ويعززوا السياحة الوطنية وهم لم يوجدوا لهم منتزهات راقية وحدائق خضراء في أحيائهم السكنية رغم وفرة الإمكانيات المادية والبشرية؟ كيف ننتظر منهم أن يصنعوا طائرات ومحركات ويغروا الفضاء ويسجلون إنجازات فارقة في مجالات الطب والتكنولوجيا وعلم الأحياء والفكر؟ وهم مشغلون بإيجاد قوت يومهم؟ ماذا ننتظر من الأطفال وهم يرسلون إلى مبان دراسية هشة وآيلة للسقوط, يتم تعليمهم فيها كيف يفكر الآخرون لا كيف يفكروا هم؟ كيف يطرحوا الأسئلة دون خوف ورهبة؟ في عام 1983 أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية تقريرا بعنوان “أمة في خطر” أعده 18 عضوا من الكونغرس وعدد من خبراء التعليم والتربية, مفاده أن الجيل الأمريكي القادم سيكون أقل علما من الجيل الذي قبله وذلك بسبب تراجع مستوى قراءة الفرد الأمريكي لصفحات الكتب, ما يعني كارثة قومية تستدعي وقفة جادة, نظرا للتداعيات الجسيمة التي قد يخلفها أمر كهذا, أبرزها ارتفاع مستوى الجريمة وانخفاض مستوى احترام الفرد للنظام الاجتماعي, وتراجع درجة الإبداع والتفكير لدى الأمة الأمريكية, كما يعني ذلك ارتفاع معدلات أمراض العصر مثل السمنة والقلب وضغط الدم بسبب تراجع الوعي وبالتالي ازدياد إنفاق الحكومة على المستشفيات وشركات الأدوية ما قد يؤدي إلى اهتزاز في الميزانية العامة للبلاد حين تصرف الحكومة مليارات على أمور هي في غنى عنها بدلا من أن تصرفها على البحوث والاختراعات الرائدة التي قد تزيد من مستوى تقدم ورقي البشرية أجمع.

هذا ما يعنيه غياب “الوعي” منظومة كاملة تختل بغيابه أو تراجعه فقط.. فكيف تدعي بعض الدول أن شعوبها لا تستحق الديموقراطية وهي تمارس ضدها أبشع أشكال التغييب والقمع؟! لله في خلقه شؤون.

Twitter:@lubnaalkhamis
 

ربيع الكلمة
هل يستحق العرب الديموقراطية ؟!
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة