ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 13/11/2012 Issue 14656 14656 الثلاثاء 28 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

نعيش في عالم تتصاعد فيه أهمية العلم يوماً بعد الآخر؛ فالمعرفة في عالم اليوم هي المحرك الأساس للاقتصاد والنمو؛ فلا غرو - إذاً - في القول بأن الجامعات تُعَدّ اليوم أهم مؤسسات المجتمع، إن لم تكن أهمها، وأصبح يُنظر لها على أنها حجر الزاوية للتنمية بأوجهها كافة؛ لذا يثير الحديث عن جامعة مثل جامعة الملك سعود جدلاً دائماً،

.. لِمَ لا وهي أم الجامعات السعودية، أو إذا صح الوصف جامعة الجامعات. وقيادة مؤسسات كالجامعات، حيث يتعلم فيها الشباب، وتعمل بها أكثر فئات المجتمع تأهيلاً علمياً، مسؤولية جسيمة وعبء كبير على من يتولى قيادتها؛ فهي - بحق - أكثر الدوائر الرسمية حساسية لنبض المجتمع.

تعاقب على جامعة الملك سعود مديرون كُثُر، وكانوا خير الرجال ونِعْم القادة. وفي الآونة الأخيرة، بعد توسع الجامعة ونموها بوصفها إحدى أكبر الجامعات في عالمنا العربي، تولى قيادة الجامعة مديرون اتفقوا في الإخلاص، واختلفوا في الأسلوب؛ فكما يُقال لكل شيخ طريقة، ولكل مدير أولوياته. ومهما كانت طريقة شيخ جامعة مثل جامعة الملك سعود فلا شك أن الجدل لن يتوقف حول أدائه. وهنا أود أن أشبِّه الجامعة بالقطار المنطلق في أفق التقدم العلمي، ولهذا القطار ثلاثة عناصر رئيسة: الأمان، السرعة والراحة. ولا شك أن هذا التشبيه مُخِلّ في بعض جوانبه، لكنه مفيد لتوضيح ما نحن بصدده.

فقد أُثير جدل كبير حول الجامعة في حقبة ما قبل العثمان، وهي - للإنصاف - حقبة صعبة، شحت فيها الموارد نظراً لانخفاض موارد البلاد عموماً، ولكن يمكن القول إن إدارة الجامعة آنذاك عملت ضمن الموارد المتاحة، محافظة على مكتسبات الجامعة، وآثرت أمان القطار على سرعته؛ فكان القطار آمناً، لكنه بطيء، وتوقفاته كثيرة. وتركت هذه الإدارة الجامعة على حال أفضل مما تسلمتها، وبها - رغم قلة الموارد - وفورات وموارد احتياطية لا بأس بها، واعتبر البعض هذه الفترة فترة استقرار طويل. وصادف ذلك ظهور تصنيف عالمي لم ينصف الجامعة، ولم ينصف إدارتها أيضاً؛ فلم يَرُق للكثير بطء سرعة القطار، وطالبوا بزيادة سرعة انطلاقه للحاق بالغير، وتحسين تصنيف الجامعة. وما إن تولى الدكتور عبدالله العثمان قيادة القطار اختلفت الأولويات، وصادف ذلك زيادة كبيرة في الموارد نتيجة للدعم غير المحدود من خادم الحرمين الشريفين - أطال الله عمره - فانطلق القطار بسرعة كبيرة، لم يستطع كثيرون ممن في الجامعة أنفسهم اللحاق به، بل إن بعضهم لم يفهم في أي اتجاه يسير قطارهم؛ فتخلف عن ركبه الكثير، ومنهم من ركبه على وجه السرعة ودون التأكد من محطاته القادمة، وقفز القطار من فرط سرعته على محطات كثيرة، وغيَّر مساراته بشكل لا إرادي، تساقطت معه بعض الاعتبارات الأكاديمية. وللأمانة، كان معالي الدكتور عبدالله العثمان محباً للجامعة ومخلصاً لها، لكنه ربما اتبع أسلوباً مفرطاً في اللامركزية، ووثق بالجميع، بينما أراد التفرغ لزيادة موارد الجامعة وأوقافها؛ ليضمن مستقبلها من أي تقلبات اقتصادية مستقبلية؛ فترك الجامعة لأناس اجتهدوا فأصابوا في بعض الأمور، وخانهم التوفيق في أخرى. وهناك من يرى أن الجامعة مرَّت بفترة ارتباك نتيجة للرغبة الجامحة في تحقيق أهداف كبيرة في فترة وجيزة. كانت هناك - بلا شك - أمور لافتة للنظر ومثيرة للجدل، مثل الركض وراء تحسُّن تصنيف الجامعة بأي ثمن، والتوسع في الاستقطاب رغبة في تحسين التصنيف، والتسرع في إعلان النجاحات في الإعلام. وهذه أخطاء قد يرى البعض أنها ضرورية وطبيعية إذا ما تمت الاستفادة منها فيما بعد. والحق أن معالي الدكتور عبدالله العثمان تولى الجامعة بأسلوب صاخب مثير، وغادرها بالأسلوب ذاته، واجتهد وأصاب في أمور كثيرة، وخانته الظروف في أخرى. ونتمنى من معاليه ألا يبتعد كثيراً عن الجامعة؛ فهي بحاجة إلى تجربته الثرية المثيرة.

اليوم، يتولى مسؤولية إدارة الجامعة معالي الدكتور بدران العمر. والدكتور بدران العمر من الجيل ما قبل الأخير للجامعة، أي من جيل الشباب، وهو كسابقيه أحد أبناء الجامعة والمخلصين لها. ولا شك أن معاليه شاهد قطار الجامعة وهو يسير بتؤدة، ثم راقبه وهو يسير بسرعته القصوى؛ لذا أُتيح له من الخبرة ما لم يُتَح لمن سبقوه للاستفادة من التجارب الثرية السابقة. وللدكتور بدران رصيد كبير من محبة وتقدير معظم أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، اكتسبهما من علاقته بهم عندما كان عميداً لشؤون أعضاء هيئة التدريس؛ ما قد يساعده كثيراً في تسيير أمور الجامعة.

مضت فترة لا بأس بها منذ استلام معالي الدكتور بدران العمر دفة قطار الجامعة، والجميع ينتظر منه تحديد سرعة القطار ومحطاته القادمة بتوضيح رؤاه حول الجامعة وتطلعاته لها، لكن - على ما يبدو - فإن معاليه يختلف في أسلوب عمله عن سابقه في العلاقة مع الإعلام، فبينما كان سلفه يرى الصورة الإعلامية والتصنيف التراتبي أموراً ضرورية لرفع سمعة الجامعة، ورفع معنويات منسوبيها، يؤثر الدكتور بدران العمل خارج الأضواء على الأقل مؤقتاً؛ لأنه يدرك أنه لا بد من طمأنة المجتمع على أمور جامعته أولاً قبل الانطلاق بها. قطار الدكتور بدران العمر - حسب اعتقاد كاتب المقال - هو وسط بين القطارين السابقين، وهو يؤثر راحة وسلامة الركاب مع السير بأمان وأقصى سرعة ممكنة. ولكن - على ما يبدو - قد ورث الدكتور مسؤولية جسيمة في متابعة أنشطة الجامعة التي لا حصر لها، والتي تركها سلفه؛ لذا فهو منشغل بترميم بعض الأمور هنا والتأكد من سلامة أخرى هناك؛ فقد تعرض قطار الجامعة لارتطامات مختلفة نتيجة للسرعة العالية، والمرور بالمنعطفات الخطيرة، وإصلاحها قد يتطلب وقتاً لا بأس به. يُضاف إلى ذلك على الأرجح رغبة في طمأنة الفريق القديم بأن جهودهم مشكورة، وأن الجامعة تقدرها.

كان أول لقاء لكاتب المقال بالدكتور بدران العمر مصادفة في أحد دهاليز الجامعة، عندما كان عميداً لأعضاء هيئة التدريس. كنا نعرفه وهو لا يعرفنا، فاستوقفنا أنا وزميل آخر، وسألنا إذا ما كنا من أعضاء هيئة التدريس، فأجبناه بنعم؛ فطلب منا رأينا في الخدمات التي تقدمها العمادة لنا بصراحة، وطلب ألا نبخل عليه بأي من مقترحاتنا. كان هذا في الحقيقة مفاجأة لنا؛ لأنه أسلوب جديد لم نعهده من قبل؛ لذا بقي مطبوعاً في الذاكرة، لنسمع فيما بعد أنه انتقل لجامعة نورة، وترك سمعة ممتازة هناك أيضاً، وقد فرح بعودته للجامعة كثير من منسوبيها ممن يعرفونه وعملوا معه.

لقاء آخر بمعالي الدكتور بدران، رغم مشاغله الكثيرة، اتضح أن معاليه مشغول جداً بإعادة ترتيب أمور الجامعة وضبط أنشطتها وأساليب الصرف فيها، واتضح أنه يحاول ضمان وضع قطار الجامعة في مساره الصحيح، مع الاحتفاظ بأهداف الجامعة التطويرية؛ فنسمع عن أن كثيراً من كراسي البحث التي لم تقدم أي أبحاث، أو تلك التي ثبت أن أداءها أقل من المطلوب، قد أوقفت، وتم ربط محاولة الصعود بالجامعة في التصنيفات العالمية بالأداء الحقيقي للجامعة، كما تم إيقاف الاستقطابات والزيارات الأكاديمية من حَمَلة جائزة نوبل أو غيرهم ما لم يكن ذلك لفترة طويلة لا تقل عن ثلاثة أشهر، يمارس فيها الأستاذ الزائر التدريس فعلياً داخل قاعات الجامعة. بينما سيستمر الدعم القوي للبحث العلمي، لكن بتشديد الضوابط؛ حتى لا تهدر موارد الجامعة. لا شك أن معالي الدكتور بدران العمر يختلف عمن سبقوه في أنه - إضافة لصغر سنه - متخصص في مجال الإدارة؛ ما يمكنه من ضبط إيقاع الإدارة في الجامعة، ومن اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية. يضاف لذلك أن للدكتور بدران جهوداً بحثية في مجال منهجيات البحث العلمي والأكاديمي، وهذا أمر على قدر كبير من الأهمية لمراقبة سير البحث العلمي، وإذا ما أُضيف كل ذلك لخبرته العملية في الإدارة فكل هذا يخلق أجواء غير مسبوقة من التفاؤل بفرص نجاح إدارته بمشيئة الله؛ فنتمنى له التوفيق، ولجامعة الملك سعود مزيداً من الاستقرار والازدهار.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

قطار جامعة الملك سعود
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة