ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 19/11/2012 Issue 14662 14662 الأثنين 05 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لعل أبرز مفارقات العولمة هو أن الصين الشيوعية ستقود الرأسمالية العالمية بعد أربع سنوات، وليس بعد خمسة عشر عاماً كما كان متوقعاً، ففي ذلك الوقت قد يأتي دور الهند لتتجاوز أمريكا، فيما ستتجاوز إندونيسيا والبرازيل دول منطقة اليورو واليابان.

هذا ما أشار إليه تقرير أصدرته الأسبوع الماضي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (مقرها باريس)، التي تضم أغنى دول العالم، موضحاً أن الولايات المتحدة ستفقد موقعها كأول قوة اقتصادية في العالم حيث يتوقع أن تتجاوزها الصين عام 2016 التي ستتجاوز أيضاً دول منطقة اليورو، كاسرة بذلك أغلب الاحتمالات التي توقعت إما حدوث اضطراب سياسي أو اقتصادي قبل أن تصل الصين للمكانة الاقتصادية الأولى عالمياً!

لماذا التوقع بحدوث اضطراب؟ بسبب نمط النظام السياسي الاستبدادي، وبسبب تدني مستوى المعيشة في الصين مقارنة بالغرب، فحتى هذا التقرير الذي يصب في صالح الصين يوضح أن عدم المساواة سيستمر رغم أن الناس في الدول الفقيرة سيرون حجم اقتصاديات بلدانهم يتضاعف، والنمو الأكثر سيكون في الصين والهند، لكن مستوى المعيشة في تلك البلدان الصاعدة سيبقى في حدود 25%- 60% مما تتمتع به الولايات المتحدة عام 2060.

وللصدفة فإن هذا التقرير ظهر متزامناً مع عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الثامن عشر الذي انتخب لجنته المركزية وقادة الصين الجدد. كما تم تعيين فريق قيادي مصغر سيتولى قيادة القوة الاقتصادية الثانية في العالم إضافة لانتخاب جينبينغ رئيساً للدولة خلفاً لجينتاو. ورغم أن الحزب الشيوعي الصيني بدأ اجتماعاته العامة وسط تغطية إعلامية كبيرة، فإن عملية صنع القرار داخل الحزب تمت وراء الجدران المغلقة. ويذكر أن الصين تغير قيادتها السياسية كل عشر سنوات، والعديد من أعضاء الحزب تجاوزوا سن التقاعد ولهذا يتوقع أن تتولى وجوه جديدة ما لا يقل عن نصف أعضاء اللجنة (بي بي سي)، ولا شك أن لهذا دوراً مهماً في اتخاذ القرارات المصيرية خاصة الاقتصادي منها ولا سيما في التعامل مع أمريكا.

وقبل بضعة أيام من صدمة تقرير منظمة التعاون والتنمية، تهكم الكاتب في النيويورك تايمز آدم دافيسون من الوعود الانتخابية للرئيس أوباما ومنافسه السابق رومني بأنهما يستطيعان أن يعدانا بمعاقبة الصين كما يشاءان، لتحسين وضع الاقتصاد الأمريكي، ولكن تصريحاتهما قلما تشير إلى أن هيمنة الاقتصاد الأمريكي ضعفت، فإما أنهما لا يدركان أو أنهما يخشيان من التصريح بذلك، فلقد انتهت تلك الأيام التي كان بها السياسيون الأمريكان يطالبون الصين بتعديل سياستها النقدية أو يلوحون بمعاقبتها!

جل تركيز المنافسة الانتخابية في أمريكا كان الاقتصاد، وكثيراً ما كان اللوم يلقى على الاحتكار النقدي الصيني، مدغدغين بذلك مشاعر الناخبين، وهنا يعلق آين بريمير (مستشار سياسي اقتصادي) بأنه كان من الأولى أن يركز الرئيس المقبل لأمريكا على تحفيز الاقتصاد الأمريكي وتحسين فرص العمل بدلاً من إلقاء اللوم على الصين، فلسنين طويلة والصينيون يدرسون الاقتصاد الأمريكي للحاق بنا، الآن حان الدور علينا لندرس الاقتصاد الصيني للحاق بهم.

أين المفكر الرأسمالي الأول “آدم سمث” أو المفكر الشيوعي الأول “كارل ماركس” من هذه النظرة؟ قادة الفكر الرأسمالي يريدون الاستفادة من طريقة عمل اقتصاد الصين الشيوعية! وليس هذا فحسب بل أن هؤلاء القادة الرأسماليين ينتقدون عدم المساواة في الصين الشيوعية وأنها يمكن أن تسبب اضطراباً هناك!

إنه الاقتصاد العولمي الجديد، فلم تعد أمريكا هي القائدة الوحيدة للاقتصاد العالمي. لقد بدأ التغيير منذ السبعينات حين أقبلت اليابان وألمانيا للمنافسة، ثم بعدهما دخلت دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية في المنافسة، فيما انشغلت أمريكا في التدخلات العسكرية. يقول بريمير إن القوة الأميركية خلال نصف القرن الماضي اعتمدت على جيش قوي وسوق هائلة، فأحدهما يمكنه العقاب والآخر يمكنه المكافأة، لكن بينما حافظت على مكانتها في الأول، فإن بقية العالم أصبح أقل اهتماماً به متوسعة في قوتها الاقتصادية. الآن أمريكا هي أعظم قوة اقتصادية بإجمالي ناتجها المحلي الذي يشكل حوالي ربع الإنتاج العالمي، ومن المتوقع أن يتقلص إلى 18% عام 2030. وكان الاقتصادي ارفيند سوبرامانيان كتب العام الماضي: “الهيمنة الاقتصادية الصينية وشيكة وواسعة النطاق أكثر مما نتوقع، وبحلول عام 2030، يمكن أن تشبه هيمنة أمريكا في السبعينات (القرن الماضي) ببريطانيا حوالي عام 1870.”

هذا التشبيه استخدمه أيضاً وليم لويس المختص في المراحل الأخيرة للإمبرطورية البريطانية، الذي قال: إنه بعدما شاهد منافسة أوباما ورمني فكَّر في ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية الذي تقبل بالكامل حاجة بريطانيا للتكيف مع دور أقل من السابق في العالم، وطلب من الوزراء الاستعداد لذلك وتجهيز دراسات لتحديد علاقة جديدة مع المستعمرات، وطلب منهم فعل ذلك بدقة عين المحاسب الباردة والتأقلم مع اقتصاد بسيط وبراجماتي. لقد عرضت بريطانيا الاستقلال على أغلب مستعمراتها وقلصت بعضها مع الحفاظ على وجود اقتصادي ضخم. بالطبع ليس لأمريكا مستعمرات لكنها يمكن أن تستعمل فترة ماكميلان لمساعدتها على تعديل اقتصاد لم يعد كما كان.

إذا كانت بريطانيا القوة الأولى في منتصف القرن التاسع عشر، وأمريكا في منتصف القرن العشرين، فهل تكون الصين في منتصف القرن الواحد والعشرين؟ في كل الأحوال فالسؤال الأساسي الآن للعولمة هو هل تستطيع تحقيق الأهداف الكبرى: الرخاء الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والتنمية البيئية المستدامة؟ فالبلدان ذات النمو المتصاعد يظهر عليها علامات مقلقة في زيادة عدم المساواة، وتدخل المال في السياسة، والفساد، وتلوّث البيئة. لذا - كما ذكر جفري ساكس - تواجه هذه البلدان خياراً مصيراً، في التوازن المناسب بين دور الحكومة والسوق، ووضع أفضل سياسة لمواجهة عدم المساواة المتزايدة، وأفضل تخطيط لوقف التلوّث البيئي.

وأفضل ما أختم به تناول تقرير منظمة التعاون والتنمية هو ما قاله أمينها العام أنجيل جوريا: “بما أن البلدان الناشئة الأكبر والأسرع نمواً تتطلع لنيل مكان أكثر بروزاً في الاقتصاد العالمي، فإننا نواجه تحديات جديدة لضمان وجود عالم مزدهر ومستدام للجميع. التعليم والإنتاجية سيكونان المحرك الرئيس للنمو في المستقبل، وينبغي أن تكون أولويات السياسة في جميع أنحاء العالم”.

alhebib@yahoo.com
 

الصين الشيوعية تقود الرأسمالية العالمية
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة