ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 20/11/2012 Issue 14663 14663 الثلاثاء 06 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

صِدقُ ما يقوم المرء به على جبهة العبادات يظل أمراً بين العبد وخالقه, لا يحيط به إلا سبحانه الأعلم بما في الصدور من نيات البشر. أما الجبهات الأخرى فيرى البشر الآخرون نتائجها عاجلاً أو آجلاً لأنها تعني تعامل الفرد مع غيره واحترامه لحقوقهم وإخلاصه في القيام بواجباته الوظيفية والشخصية كما توضح تعليمات الدين، وهناك كما نعلم جميعاً من يُخادع البشر ويتحاشى عيونهم وينسى حضور الله معه أينما هو يرى ما يفعل ويعلم ما ينوي.

وهناك من يضع مصلحته البشرية الدنيوية قبل التعليمات والقيم الإسلامية.. وهو بذلك يهدم أهم مقومات الحضارة الإسلامية، حتى وهو يشيِّد أمجاده الخاصة. كانت قوة ذلك المجتمع الإسلامي الذي بنى الحضارة, العولمي بكل ما تعنيه العولمة من معنى راهن, أنه احترم تفوق المتفوقين من أي أصل جاءوا، وتقبُّل اختلافات الأفراد الشكلية والمظهرية, ودعم جوانب القوة المشتركة، وبنى المزيد من الإضافات إلى ما حمله القادمون إلى من سبقهم إلى عضوية المجتمع الإسلامي. كانت فعلاً حضارة راقية لم تهزأ من لون أو عرق أو اسم يدل على منشأ غير عربي. حين دسّت الطموحات الشخصية والتطلعات السياسية بأنفها في أواصر هذا الكيان خلخلته وأضعفته وحوَّلت وجهته عن المثالية الجمعية إلى تحقيق مكاسب فردية وفئوية كانت البدء في انحدار الأمة. توالت الصراعات بين مكوناتها واستخدمت فيها كل أسلحة الدمار المعنوي للفوز بالانتصارات الصغيرة التي هدمت كل ما شيَّده السابقون بجهودهم وتداعُّم عقولهم وزنودهم، وتسللت كل وسيلة تبرر غاية فردية مادية سلطوية من تزييف وتزوير، ولو بالتمظهر بالأفضلية أو تحريف التعليمات الشرعية الأصلية لتشرعن ما يستجد من ممارسات مرفوضة.. وبالتالي تلوثت ممارسات المجتمع، وتغيرت الوجهة من البناء المشترك إلى التناحر بين الجهات والفئات والإثنيات بل حتى الأسر.. وفقدت الأمة أهم مقوماتها الداعمة، فتراجعت ثقافياً وعلمياً وحضارياً حتى عادت إلى التخلف. ما زلنا نحمل رسمياً عضوية وشرف الانتماء إلى تلك الأمة العظيمة.. ولكننا لم نعد نمتلك بحق قدرة الافتخار بحاضرنا ومنجزاته كما فعل أولئك الأسبقون من أسلافنا. فقدنا الرؤية الواضحة البعيدة المدى واكتفينا بتمجيد ما أنجزوه وتعامينا عن دورنا في الانحدار بالأمة العظيمة إلى موقع التخلف عن كل ركب قريب أو بعيد.

وكان يمكن أن نظل في الصدارة؛ وهناك من يجد مبررات وعذراً باتهام الآخرين أنهم يتآمرون ويخططون ويحققون إعادتنا للتخلف والتبعية.. وقد يكون في هذا شيءٌ من الحقيقة، فالحضارات لا تنفك تتنافس على الصدارة والتسلط.. ولكن ذلك ليس كل ما في الأمر من مسببات التراجع, ولا يسمح بالتسامح مع أنفسنا.

كان يمكن أن نفتخر لولا أن تلك الطموحات الفردية الأنانية السلطوية ما زالت مستشرية في ممارسات بعض أبناء الأمة ونعراتهم.. وما زالت كل أسلحة الدمار النفسي والمجتمعي والحضاري تُستخدم لتحقيق الانتصارات الفارغة، وقد وجدت روافد دائمة لتثبيت الفرقة والتناحر, وأولها تهميش مبدأ الانتماء الجمعي الباني «كلنا مسلمون», إلى شعارات المبادئ التفريقية الإقصائية التحقيرية القاتلة: «مذهبي الأطهر», أو «أصلي يخوِّلني الأفضلية التي لا يستحقها الآخرون»!

شعارات صفيقة بدأ بعضنا والحمد لله يتحرر من ربقة ما تدعو إليه من ترسيخ الفرقة والتخلف الحضاري وينادي بمحو أصداء أبواقها.

كل عام وأمتنا العظيمة بخير..

وأدعو الله أن يمنحنا من جديد قدرة التغلب على التخلف والعودة إلى الصدارة الفاعلة بمعايير المنجزات، لا الأرقام ولا الصخب الهادم الرافض لكل مقومات التقدم.

 

حوار حضاري
أين انحرفنا بالأمة؟
د.ثريا العريض

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة