ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 22/11/2012 Issue 14665 14665 الخميس 08 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كل زائر مطلع على شوارع ومؤسسات باريس الفرنسية لا بد وأن يستوقفه معهد العالم العربي.. ومما لاشك فيه، فهذا المعهد فرض نفسه على الساحة الثقافية الباريسية والأوروبية والعربية، بعد أن تجاوز عدد زواره المليون شخص في السنة...

وأنصح كل محب للكتاب أن يتجول في أروقة مكتبته وأن يتصفح الكتب النوادر وأن يتجاذب أطراف الحديث مع مدير مكتبته الزميل الأستاذ الطيب ولد العروسي الذي يصافحك بابتسامته الصادقة وكلامه العطر وأترك هنا له الكلام عندما يكتب أن المكتبة تلعب دوراً مهماً، إذ يؤمها ما بين الخمسمائة والسبعمائة مستفيد. والحال أنها أصبحت فضاء للقاء الثقافي والفكري يؤمها كثير من المترددين من مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية، ما يجعل منها مرجعاً لا غنى عنه حول العالم العربي في كل من باريس وأوروبا وفي العالم العربي نفسه، فهي تهتم بالحضارة العربية إبداعاً وكتابة وبحثاً في جميع ميادين المعرفة، ناهيك أنها تراكم يوماً بعد يوم هذا الدور والإشعاع الثقافي.

إجمالاً، يعد معهد العالم العربي مؤسسة ذات نفع عام، خاضعة للقانون الفرنسي، تشرف عليها فرنسا والدول العربية. بدأت كمشروع سنة 1980 وفتحت أبوابها للجمهور سنة 1987، من أجل التعريف بالثقافة والحضارة العربية لدى الجمهور الفرنسي والأوروبي الواسع بواسطة أنشطة ثقافية مختلفة.

ومن ثم فرضت مكتبة المعهد رويداً رويداً نفسها بين المكتبات الباريسية، بحكم اختصاصها وموسوعيتها حول العالم العربي. فسبر الآراء الذي أجرته عدة طالبات مختصات في علم المكتبات والتوثيق في شهر يونيو 2006، يشير إلى أن المترددين عليها من الأصناف التالية:

أكثر من 60 في المائة باحثون، يُحضرون شهادات عليا في باريس وفي أوروبا أو في العالم العربي وهناك من يأتي من آسيا وأمريكا أيضاً، كما يأتي تردد الصحفيين على المكتبة في المرتبة الثانية لاستقاء معلوماتهم ومتابعة الحدث من خلال ما توفره لهم المكتبة من مجلات وجرائد وكتب، ثم هناك فئة السياح وعدد كبير من الفضوليين يأتون لزيارة المعهد ثم يكتشفون المكتبة فيصبحون رواداً لها.

والواقع أنه يلتقي في المكتبة كما نرى الباحثون وتلاميذ المدارس والثانويات والطلبة والصحفيون وأصحاب المهن الحرة، بخلاف السياح الذين يأتون للاطلاع على وثائق وكتب تخص بلداناً عربية قد زاروها أو يرغبون في زيارتها، ودون أن ننسى الفنانين الذين يبحثون عن صور للوحات زيتية من خلال الكتب المتوفرة في المكتبة، بالإضافة إلى آخرين يدفعهم حب المعرفة والاطلاع فيأتون لزيارة المعهد بغرض البحث عن الجديد بين دفات الكتب. علاوة على ذلك كله، تجد من الزوار من تدفعه الأحداث التي يعيشها العالم العربي والإسلامي، كما المواضيع المطروحة في الساحة الفرنسية حوله، إلى المجيء للبحث عن ضالته وإرضاء نهمه. وبالتالي تجعل هذه العوامل متفرقة أو مجتمعة من المعهد فضاء للبحث والمطالعة واللقاء، والحال أن المكتبة تعمل على إيصال رسالة المعهد بواسطة رصيدها المتنوع: كتب، مجلات، جرائد...

هذا على الرغم من أن المكتبة تهتم أكثر بالعالم المعاصر، كونها تحتوي على أعمال من أمهات الكتب العربية، تستجيب من دون شك إلى عينة كبيرة من طلبات جمهورها، وذلك بلغات مختلفة. تمثل اللغة العربية نصف رصيد المكتبة ويتوزع الباقي بين اللغات التالية: الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية، والإيطالية...

ومما لا مراء فيه تلعب المكتبة دوراً اجتماعياً وثقافياً مهماً، إذ يلتقي فيها الباحث المتخصص مع الجمهور الواسع من مختلف الجنسيات والثقافات والآفاق والشرائح الاجتماعية. ذلك أنها تخصص فضاء يرصد متابعة الأحداث عبر الصحف والجرائد التي تسمح بالاطلاع على الحدث باللغتين الفرنسية والعربية، وهذا مما يميز المكتبة دون غيرها، مما يشجع على اللقاء المستمر ويوفر مصدراً مهماً للأخبار. ويبلغ رصيد المكتبة ثمانية وسبعين ألف كتاب يضاف إليه قسم الدوريات الذي يحتوي على ألف وخمسمائة مجلة، منها خمسمائة عنوان مجلة حية، تمثل مختلف الإنتاج الفكري والثقافي العربي أو حول العالم العربي.

والجدير بالذكر أننا لا نتابع كل ما يصدر باللغتين العربية واللاتينية في أوروبا والعالم العربي فحسب، بل حتى في آسيا وأمريكا. وذلك بحكم تواجد الجاليات العربية المثقفة في بقاع العالم التي راحت تنتج وتواصل معركة الإبداع والكتابة والتحقيق ونشر الجرائد والمجلات. الأمر الذي يميز رصيد المكتبة ويضيف إليه، حيث يشهد على ذلك تردد الكثير من الباحثين والأساتذة في الجامعات العربية يأتون خصيصاً إلى باريس من أجل الاطلاع على محتوياته.

هذا بالإضافة إلى إنجاز عدد مهم من بنوك المعطيات المتنوعة المضمون، مثل الفهارس الآلية، التي من خلالها أو عن طريقها يصل المستفيد إلى المعلومات التي يبحث عنها، كما نجد بنك المعلومات “جريد” الذي يحتوي على أكثر من أربعة وثلاثين ألف مقالة مفهرسة في جميع ميادين المعرفة بلغات مختلفة: العربية، الفرنسية، الإنجليزية، الإيطالية، الإسبانية، وهي تتابع الأحداث التي لم تتطرق إليه الكتب بعد، أما بنك معطيات “أعلام” فهو يقدم قائمة تتجاوز الاثني عشر ألف مدخل بأسماء المؤلفين وتراجمهم.

وجدير بالذكر أن هذه القاعدة هي تقريباً الفريدة من نوعها في العالم العربي، نظراً لكونها تحدد جنسية الكاتب وتعطينا عنوان مؤلفاته وإنجازاته الفكرية والعلمية، كما نجد في هذه القاعدة تراجم لكتاب عرب أو مسلمين قدماء بجانب الكتاب المعاصرين عرباً كانوا أو كتبوا عن العالم العربي. بالإضافة إلى بنك معطيات الناشرين العرب أو المهتمين بالعالم العربي، وكذلك بنك معطيات ذاكرة المعهد التي تحصي كل الأنشطة التي نظمها المعهد مند نشأته حتى اليوم.

آليات عمل المكتبة، فهي تشتغل بمنهجية البحث الحر والاتصال المباشر بالكتاب أو الوثيقة، هذا عدا الكتب النادرة المحفوظة في المخزن والجذاذات الورقية أو الفيلمية ومناهج تدريس اللغة العربية - التي تسلم بعد إملاء استمارة. ومما لا شك فيه أن الاتصال المباشر بالكتاب يسهل ويقرب الثقافة العربية التي قد تبدو بعيدة المنال بحكم وضعها الجغرافي. إذ نلاحظ يومياً ازدياد الجمهور الذي يأتي من المكتبات الفرنسية الأخرى، بل وحتى من المكتبة الوطنية الفرنسية للقيام بأبحاثه في المكتبة لقلة التعقيدات ولسهولة الوصول إلى المراجع المتوفرة دون انتظار طويل. ناهيك أن المكتبة لا تفرض على روادها أية شروط مادية، مما يساعد كثيراً الباحثين العرب على أن يأتوا من مختلف الدول العربية لإثراء أبحاثهم، حيث يأتي في طليعة هؤلاء كثير من الباحثين من مختلف جامعات المغرب العربي.

وأنجز معهد العالم العربي في هذا الإطار كتاباً يحتوي على “دليل بالأنشطة الثقافية التي قدمها المعهد منذ عشرين سنة”، يتبين من خلاله إحصاء ما يفوق ثلاثة آلاف نشاط ثقافي، أي ما يعادل الثلاثمائة نشاط سنوياً. وهو رقم قياسي يرجع لا محالة إلى وجود المعهد في باريس أهم عاصمة ثقافية في العالم؛ مؤدى ذلك أن أصبح المعهد يعج بأنشطة ثقافية كثيرة من جهة، ومن جهة أخرى أثبت المعهد ومكتبته للعالم بأن للعالم العربي والإسلامي ثقافة وفكراً جديرين بأن نقدمهما إلى الآخر.

وأنا على يقين هنا أن المسؤولين العرب سيستمرون في دعمهم لهذا المعهد وبالتالي سيحافظون على هذا الإنجاز المهم. هذا تمن نطرحه لأن بعض الدول العربية لا تعرف كم يغبطها العديد من الدول على هذا الإنجاز الحضاري الفريد.

 

مكتبة معهد العالم العربي: فضاء استثنائي في قلب باريس الفرنسية
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة