ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 23/11/2012 Issue 14666 14666 الجمعة 09 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

قصة قصيرة
السجين
هيفاء صفوق

رجوع

 

تعال هنا أنهض لا لا هنا...،ألم تسمع الحديث؟

أجلس هنا.. قلت هنا يابن...

يصرخ بأعلى صوته، لتكون عبرة لغيرك يا قذر

يركضون الجنود في كل مكان، يتربصون بالمارة

يختارون بيوت معينة،

قد ذكرت أسماء أصحابها مسبقا

يتباهون بأسلحتهم، ووحشيتهم،

تجردوا من مشاعر الإنسانية

وأصبح شغلهم الشاغل سفك الدماء، بطرق أكثر وحشية

وخاصة عندما يعم المكان الفوضى والجنون

يذبحون ضحاياهم بنحرهم كشاه

***

أغمي علي (السجين) من شدة الضرب والركل ومن قهر الكلمات التي اتصفت بالسب والشتم

حملوه جثة هامدة لا حراك ولا مقاومة

فقط الأنفاس تصدر صوت أزير مرعب من بين تلك الضلوع المكسورة

***

قطع الجنود مئات الأميال حتى وصلوا لصحراء قاحلة

خالية من كل شيء

تسمع صوت الريح غاضبة، زافرة تهدد وتتوعد

ورمال ذات اللوان ذهبيه ناعمة الملمس

وحرارة تلهب العيون والعقول،

ترحب بالقادمين، والزائرين،

***

ترتفع أصوات الجنود، ألقي هذا الفتى هنا، ألقي هذا العجوز هنا

والنساء هناك،ويغمز بعينيه ليتطاير منها شرار الغضب

والقضاء على ما تبقى من الجسد

***

يفيق (السجين) بعد عدة ساعات،

مستنكر المكان والزمان

يدرك أنه قابع في السجن لا نهاية له

نظراته تجول الغرفة التي تنبعث منها رائحة الموت والغضب

يتأمل القضبان اللئيمة التي تحول بينه وبين حريته

وأهله ومدينته،

يعلم جيدا أنه ثمن الحرية

يحاول (السجين) أن يتأمل الغرفة

أصبحت الجدران معتمة،

بنيت طوبة طوبة طويلة وأخرى مربعة صغيرة،صفت بعناية،كالقصور القديمة

ترتفع هذه الجدران على أرضية ملساء ذي مربعات كبيرة وناعمة

وفوق هذه الأرضية سرير قديم، وغطاء متهالك

قد قضم منه الجرذان حتى شبعت

ارتسم بقلب (السجين) الوحشة، والوحدة

***

في عتمة الليل جاء (كبير الجنود) ورشق (السجين) بماء بارد

مما جعله ينهض مفزوع، وقد فارقته أنفاسه لبضع الثواني

(كبير الجنود): ستجد كل ليلة أنواع التعذيب والتنكيل،

حتى يرتد إليك رشدك يا أحمق

(السجين): ماذا فعلت سيدي؟

(كبير الجنود): تسألني؟

لماذا لا تسأل الجدران والجرذان

(السجين): لما لا تصدق إني لم أعمل شيئا، لم أشارك حتى بتنظيم، اكتفيت بالكتابة مطالبا الحرية

(كبير الجنود): ماذا تقصد بالحرية

(السجين): حرية الكلمة، حرية الرأي، حرية الموقف والكرامة

(كبير الجنود):يضحك ضحكة مدوية، أكثر استهزاء وشتائم

سأجعل منك عبرة لكل معتبر .

***

تتوارى الأيام والليالي، وفي كل لليلة تنكيل وتعذيب،

تسمع صرخاته، شياطين الأنس والجن وفي النهار (السجين) جثة هامدة،

في إحدى الليالي بعد ضربة وتعذيبه المعتاد،

غادر الجنود المكان،

ظل (السجين) يتوسط أرضية الغرفة غارقا بدمائه،

غائب عن الوعي،

قد مزق ثوبه بعدد ضربات السياط، كعلامة لتذكير,

لن تجد هنا سواء العذاب العذاب فقط،

أثناء ذلك هبت زوبعة غامضة ذات وميض ذهبي وفضي وقد تعانقا بشكل للولبي،

من أسفل جدران الغرفة حتى سماء وسقف الغرفة،

لتخفف حرارة الغرفة،وتزيدها برودة قليلا،

انتشرت رائحة البخور بالغرفة،عطرت المكان،

كأنها تحولت الغرفة لقصص ألف لليلة ولليلة

بدأ (السجين) يفتح عينيه قليلا،

أثار بقلبه الرعب والهذيان، وبدأ يردد أكيد أنه حلم نعم هو حلم،

لم يفق إلا بعد سماع صوتها يأتي من أسفل جدران الغرفة،

لا تخف،أنا هنا لمساعدتك،

بدأ يفرك عينيه حتى شاهدها طويلة،شامخة، ذات بشرة بيضاء، وشعر طويل جدا،بطول جسدها الفارع،

أصبحت الغرفة مليئة بالأنوار الفضية والذهبية، تعكس بريقها على ملامحه وملامحها، لا تخف أنا (ملكية)

(السجين): يتلعثم بالكلام، لا يستطيع التحدث

(ملكية): أتيت لك من الوديان البعيدة،

فلم أستطع تحمل صراخك وهذيانك من الألم ليلا ونهارا، كانت أيضا تؤلمني، جئت لك رغم معارضة جميع قبيلتي،لأنهم لا يرغبون بالتدخل في شؤونكم .

(السجين): يحاول ترتيب الكلمات والجمل بصعوبة بالغة، ولماذا أنا سيدتي

(مليكه): لا أكذب عليك منذ زمن بعيد بعيد، غرمت بشخص من أرضكم وحالت الأعراق والأجناس بيننا أن نتزوج، كان يأخذ من ملامحك, قوي وعنيد مثلك تماما، لا يخاف، فزهقت روحه ثمنا لذلك (السجين): وماذا تستطيعين أن تفعلين.

(مليكه): أستطيع بلمحة بصر أن أعيدك لأرضك سالما غانما، لكنهم سيأخذونك مرة أخرى، وأخرى،وحينها لن يرحموك، سيقتلونك، لدي اقتراح اذهب معي وسأعوضك عن كل شيء، شاهد ذلك، فأتت غيمة مسرعة شاهد من خلالها (السجين) قصر شديد الارتفاع، لم يشهد مثله قط،كجوهرة مضيئة.

(السجين): سامحيني، واعذريني، فأنا صاحب كلمة، كما تعرفين، فجأة يختفي كل شيء دون وداع أو عتاب، لتعود الغرفة كما كانت.

***

يعلوا صوت الجنود حريق، حريق، افتحوا الأبواب، أخلوا السجناء، يصبح المكان أكثر جنونا،وفوضى، وخوف، اختلط المكان برائحة الدخان، يركض الجميع تجاه الباب، ما عدا (السجين) يمشي بخطوات ثابتة، يدور بمخيلته كل ما حصل ليلة أمس، يردد أتكون (مليكه) هي السبب، تلامس أقدامه عتبة الباب،يستنشق طعم الحرية، يكرر ولو عاد الزمن لاخترت أيضا حرية .

يتأمل (السجين) الصحراء يرفع صوته مناديا.. (مليكه).. لا يسمع أحد،فقط صوت الريح وكأنه يستهزأ به، يطيل النظر، يتوسل القدر، أريد فقط توديعها، أريد شكرها، يأخذ على نفسه عهدا، سأكتب عنها، هي حرية الكلمة، حرية الموقف.

hifasma@live.co.uk
 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة