ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 25/11/2012 Issue 14668 14668 الأحد 11 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إلى عهد قريب لم يكن الحصول على المعرفة سهلاً ميسراً، سواء من حيث الكم المعرفي المطلوب تحصيله، أو من حيث النوع المتمثِّل في شتى مجالات المعرفة البشرية، يذكر أحد محبي القراءة أنه كان يُوصي من يذهب للرياض كي يحضر له كتاباً أو مجلة نظراً لتعذر الحصول على أي منها في المنطقة التي يعيش فيها، ولهذا تزخر ذاكرة هذا المحب للقراءة بالكثير من أسماء الكتب الكبيرة فكراً وعلماً لمؤلفين عظماء ما زالت أسماؤهم وكتبهم خالدة تحتل المصاف الأولى في المكتبات العامة والخاصة، وما زال يحتفظ بالكثير من مضامينها النثرية والشعرية، يستشهد بها ويستعين عندما يكتب أو يتحدث، وغدا بفضلها ثر المعارف والمعاني، لا يمل له مجلس، ولا يتردد في المشاركة في أي مناسبة أو منتدى فلديه الزاد الوافر الذي يعينه ويسعفه.

حاليا تبدلت الحال، وتغيرت الأحوال، وصار عدد مصادر المعرفة أكثر من أن يُحصى، وأعقد من أن يُسيطر عليه، وصارت مضامين المعرفة النافع منها والضار متاحة يستحيل التحكم فيه وضبطه، فبمجرد نقرة خفيفة على أقيونة ما، تنفتح آفاق المعرفة وأبوابها مشرعة، كلها متاحة قابلة للتلقي والتبني، فلم يعد لهواة القراءة ومحبيها أي عذر في التزود بالمعرفة والاحتفاظ بها، بل وتنميتها نظراً للثراء الواسع في مصادر المعرفة وتنوعها، وسهولة الحصول عليها.

الآن يُبدي جيل الأمس الذي طالما تلفت يبحث عن كتاب يشبع من معينه شغفه بالقراءة التي أحبها، جيل الأمس يتحسَّر على تلك الأيام التي حُرموا فيها من التزود بالمعرفة، ويتألمون لحال جيل اليوم الذي حرم نفسه طواعية من متعة القراءة، وشغل نفسه بالألعاب الإلكترونية الخالية من أي مضمون سوى إثارة الانفعالات، ونرفزة الأعصاب واستمراء العنف، وتضييع الوقت فيما لا فائدة منه ولا جدوى.

وعطفاً على هذه الحال غير السارة لجيل اليوم والتي اتسعت فيها الفجوة بينه وبين القراءة، انتقلت عدوى العزوف عن القراءة لتشمل المواد الدراسية التي يُعد التحصيل فيها من ضرورات تملُّك المعرفة بحدودها الدنيا، ومما عزز العزوف عن القراءة الإدمان على مشاهدة القنوات الفضائية والانشغال بما يُنشر في مواقع التواصل من هذر لا طائل من ورائه ولا فائدة.

ولهذا نتج عن الاكتفاء والانشغال بما يبث عبر وسائط التواصل الإلكترونية، والبث المرئي والمسموع مخاطر جمّة منها الضعف الواضح في القدرة على الاحتفاظ بالأفكار وتخزينها في الذاكرة، مما أدى إلى ضحالة في فكر جيل اليوم وأفكارهم، وضعف في قدرتهم على التعبير بعبارات بليغة ثرة عميقة في مبناها ومعناها، وانقطاع سبل التواصل المباشر مع الآخرين، ومما عزز هذا وأصَّله تخلي مؤسسات التربية عن أدوارها في توعية جيل اليوم وتعريفهم بكيفية استثمار مصادر المعرفة المتعددة وصيد الأفكار من أقنيتها المختلفة.

في هذا الزمن بإمكان كل واحد أن يُنمّي معارفه ويحتفظ بمعلوماته ويثريها متى ما تعوَّد على استخلاص الأفكار التي يتعرض لها وهو جالس أمام الرائي، أو في محاضرة عامة، أو في قاعة الدرس، فالمصادر التي أضحت ملء السمع والبصر في كل آن ومكان يجب استثمارها لا سيما وأن متطلبات هذا الاستثمار سهلة وميسرة، من ذلك الأجهزة التقنية الحديثة، هذا الأجهزة سهَّلت تدوين المعلومة وحفظها، ومن لا يمتلكها فعليه أن يتعوَّد على استحضار قلم وورقة ليدوِّن الأفكار الرئيسة التي يسمعها من مصادرها المختلفة، وفي كلا الحالتين يُعد الإنصات والتركيز والمتابعة من ضرورات تفعيل مصدر المعلومة والتفاعل معها، ليتسنّى تدوين الأفكار الرئيسة الواحدة تلو الأخرى، عندئذٍ سيتبيَّن للمتابع أن لديه حصيلةً كبيرةً من المعارف، راسخة في الذاكرة، سهل الاحتفاظ بها واستدعاؤها عند الحاجة، وهكذا تنمو الخبرة وتتنامى مع توالي المواقف، المهم التعود على صيد الأفكار وتدوينها، وهذا أفضل ضمانة لتثبيتها.

 

أما بعد
صيد الأفكار
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة