ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 28/11/2012 Issue 14671 14671 الاربعاء 14 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يمكن أن أنحو في كتابة هذا المقال أحد المنحيين الأكثر تداولا في الكتابات التحليلية أو الموقفية التي تناولت حرب الثمانية أيام لدولة إسرائيل الصهيونية على غزة. ومعظمها على اختلاف زوايا التناول للموضوع إما اتخذت منحا تفاؤليا بقدرة المقاومة الفلسطينية على دحر الغطرسة الصهيونية

وبقدرة الربيع العربي على تغيير ميزان القوى في الصراع التاريخي مع الكيان الصهيوني تغيرا كبيرا أو اتخذت منحا تشكيكيا في شرعية المقاومة في هذا الوقت واتهمتها بالمغامرة وبالتهور بل إن البعض بلغ مبلغا من ضبابية الرؤيا،إذا لم أقل من صبيانيتها, أن نحى باللوم على الضحية بتعبير إدوارد سعيد. فقدح ومدح. قدح المقتول وحاول المشاركة في لي ذراعه بينما مدح القاتل وشد على يده بكلتا يديه حتى قبلها أو كاد.

هذا بطبيعة الحال مع وجود مواقف متغايرة أخرى وإن ظلت أقل من تلك، إذ لم يخل مشهد الطروحات من الكربلائية السوداء إلى السريالية الفاقعة خاصة في القراءة السياسية للموقف كل بحسب بوصلة موقفه الذهني أو التخيلي من المخرجات السياسية للربيع العربي أو من حماس تحديدا ومرجعيتها الإيدولوجية أو إسلامها السياسي.

ولذا وفي ضوء سماحة تعدد الآراء فقد يحق لي خصوصا أمام تعقيدات الموقف أن أجرب خيارا مختلفا مع البعض ومؤتلفا مع البعض الآخر, أنحو فيه إلى قراءة تجمع بين فضيلة التفاؤل وفطنة التساؤل الذي لا أرضى أن يتمادى إلى التشكيك في الأساسيات المبدأية والضميرية في شرعية المقاومة وفي الطبيعة الوجودية والإنسانية وليس السياسية وحسب للقضية الفلسطينية. وما هذه إلا محاولة بسيطة لتقديم قراءة تفكيكية لمشهد الهجوم الإسرائيلي “المطلق” على غزة ومستجدات الموقف العربية والفلسطينية “النسبية” في مواجهة هذا العدوان.

على أن أي مقاربة للموقف لابد أن تتناول المشهد بمنظار ثلاثي الأبعاد.

البعد الأول يتمثل في الطبيعة العدوانية لدولة الاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين. فهذه الدولة التي عملت بترصد وعمد عسكري منظم ومستدام على قتل وتشريد الشعب الفلسطيني لما يفوق خمسة وستين عاما لا يرجى منها أن تغير من توحشها تجاه المحيط العربي،المعادية له, بناء على مستجداته. فهي كما ظهرت للعيان غير راغبة في أن تعيش بغير الإستقواء الأمني مخابرتيا وعسكريا حتى بعد أن وقعت معاهدة أوسلوا لعام 93م ورغم الشروط الاستسلامية المجحفة في حق أصحاب الحق لتلك المعاهدة، فإن إسرائيل دولة الاستعمار الاستيطاني غير قادرة إلى اليوم على تغيير منطق العنف الذي أسست عليه وجودها في مكان لم يكن مكانها ولن يكون. فليس لنا أن ننسى أو نترك للأجيال الجديدة أن تجهل أو تعمه في وعي زائف يعمي أي صاحب ضمير عن مذابح دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا التي التهمت لحوم الأطفال والنساء والشباب حيا ليس بعيدا عن عيون الكاميرات ولا عن ذاكرة التاريخ.

لذا فإن أي ترويج قد يقترفه أي منا بتحول الحدأة إلى حمامة أو تحول الأفعى إلى دودة قز مسالمة تفرز الحرير وإن حاول التخفي تحت أسماء براقة كالليبرالية أو العقلانية فإنه ليس من الموضوعية في شيء لسبب بسيط هو أن مثل هذا القول يُبنى على باطل الإدعاء لدولة إسرائيل ما ليس من طبيعتها من قدرة على السلام أو جنوح لسلم. وللذين يتباكون رأفة بالمتمترسين خلف القبة الحديدة أن يتذكروا بأن هذه الدولة ليست أصلا دولة مدنية ولا بالمعنى المجازي بل إنها دولة عسكرية من أخمص مخالبها إلى ما فوق أسنانها وليس بها مواطن ومواطنة إلا وهم مجندون عسكريون. ليس منا من هي أو هو مع قتل المدنيين ولكن من الذي لا يطيق أن يعيش إلا على احتراف قتل المدنيين العزل سوى الأنظمة التي لم يكن أن تقوم لها قائمة بدون حرفة القتل, وإلا لماذا تقدم إسرائيل على قتل أحمد الجعبوري في الوقت الذي كما تكشف الأمر لاحقا, كانت تدور بينهما محادثات سرية؟ ولماذا لم تكتفي إسرائيل كعادتها بخطف الخطفة وقطف الرأس الأكبر بل سارعت وقبل أن تغسل يدها من دم الشهيد بالولوغ في دم أهل غزة المدنيين العزل. فلم تترك على مدى ثمانية أيام أسرة إلا وأدخلت عليها فاجعة الفقد لأحد أطفالها أو كبارها ولم تترك بيتاً إلا وجرفته ولم تترك هواء إلا لوثته.

هذا هو البعد الأول الذي يجدر أن نأخذه في الحسبان عند تحديد موقف مما جرى أو قد يجري في المستقبل إذ كما لم تكن عملية عناقيد الغضب عملية إسرائيل الوحيدة في حق المدنيين العزل بالجنوب اللبناني بما فيهم فرق الأمم المتحدة لحفظ السلام فلن تكون عملية عامود السحاب الأخيرة.

البعد الثاني من المشهد يتمثل في النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية على أرض الواقع. وهناك نقطتان لابد أن تقال في هذا البعد. النقطة الأولى تتعلق بالتقزيم والتحجيم الذي يجري به تناول هذا النصر فيجري التركيز على أن صواريخ المقاومة لا تقارن قدر أنملة بالقوة العسكرية لدولة إسرائيل, ولأن ليس لعاقل أن يشك لحظة في التفوق العسكري الإسرائيلي على مستوى الآلة الحربية ودربة التشريد والتصفيات والقصف، فإنه ليس لعاقل أن يشكك في الفارق النوعي بين من يقوم بالمواجهة دفاعا عن حقه كما تفعل المقاومة الفلسطينية وبين من يقاتل اغتصابا لحق سواه. وقد ثبت ذلك الفارق النوعي، وإن جرى تمييع هذه النتيجة, في أكثر من مواجهة رغم عدم تكافؤ السلاح, من مرحلة مسيرة المقاومة الفلسطينية يوم كانت في أوجها تحت راية منظمة التحرير مطلع السبعينات الميلادية إلى مقاومة الجنوب بعد شن إسرائيل الحرب على لبنان 2006م كما يثبت ذلك الفارق النوعي الآن. فغزة العزلاء المحاصرة أو أكبر سجن يواجه العنف يوميا في الهواء الطلق كما وصفها في زيارته الأخيرة قبل عدة أسابيع المفكر الأمريكي المنصف نعوم تشاومسكي، استطاعت بصواريخ بسيطة الصنع أن تصل إلى تل أبيب والقدس لأول مرة لترد العنف الصهيوني عنها. وقد كان لذلك الفارق النوعي بين طالب الحق والمعتدي أن يقلق الجيش الإسرائيلي ويجبر القيادة الإسرائيلية وهي راغمة ورغم المساندة الأمريكية الصخرية لها على قبول الشروط الفلسطينية العادلة للهدنة. أما النقطة الثانية المتعلقة بالموضوع فهو تلك المواقف الضيقة التي يحشر البعض نفسه فيها باسم مساندة فصيل فلسطيني ومعاداة آخر فيتحفظ حتى على لحظة نصر نادرة وغالية ولم تتحقق إلا بالتضحيات كهذه اللحظة بناء على الهوية السياسية أو بالأحرى الهوى السياسي.

البعد الثالث من مشهد عزة غزة في حرب الثمانية أيام فيتمثل في الرسالة التي حملها إلى العالم, بأن ما بعد الربيع العربي على تعثراته ليس كما قبل الربيع العربي فعدا عن النشوة التي خلقها مناخ الربيع في نفس الشعب العربي فقد رد إليه الاعتبار بسيادته وحريته وبقدرته على اتخاذ مواقف معلنة في شأنه الوطني وفي الشأن العربي العام. كما أنه كشف عن مدى أهمية العمق العربي للمسألة الفلسطينية ففي حين كانت إبان النظام المصري السابق تتحول غزة في القتال والحصار الإسرائيلي لها مع إغلاق المعابر المصرية إلى “ عصفور منتوف الريش في قفص من غاز ونار”، فإن الوقفة المصرية الأخيرة الشجاعة قد ساعدت على أن تتوج المقاومة الفلسطينية نصرها العسكري بنصر سياسي خرقت به عادة الانكسار والأحزان التي كانت قبل هذا التاريخ. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Fowziyaat@hotmail.com
Twitter: F@abukhalid
 

زوايا النظر لانتصار غزة
د.فوزية عبدالله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة