ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 30/11/2012 Issue 14673 14673 الجمعة 16 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إنّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم الصفوة الأولى والرعيل الأول، من أمة الإسلام، وهم رواد مدرسة النبوة، الذين فقهوا في دين الله، حيث مدحهم الله في آيات عديدة، من كتابه الكريم، ونقلوه لمن بعدهم بأمانة وصدق: علماً مرصوداً، وتقليداً للرسول الكريم في كل أموره:

عبادة في العمل، وحسن امتثال، وعبدالله بن رواحة، بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، واحدٌ من خيارهم، وكلهم خير في خيار؛ لأنهم صدقوا فيما عاهدوا الله عليه، وهو من السابقين إلى الإسلام.

شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وكان من النقباء الاثنى عشر، وقد حرص أن يشهد مع رسول الله المشاهد الكبيرة، إذ حضر بدراً وأحداً، والخندق والحديبية، وقد استخلفه رسول الله في إحدى غزواته، وصبحه في عمرة القضاء (الأعلام للزركلي 4- 217).

كما شهد خيبر والمشاهد كلها إلا فتح مكة وما بعدها، لأنه قد قتل في غزوة مؤتة عام 8هـ، حيث شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة وبالجنة، هو وصاحباه: زيد وجعفر رضي الله عنهم، قال ابن سيرين: كان شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبدالله بن رواحة، وحسان بن ثابت وكعب بن مالك، وكان رسول الله يستمع لهم، ويعجبه شعرهم وكان حسان بن ثابت، وكعب بن مالك يعارضان المشركين بمثل قولهم، بالوقائع والمآثر، وكان ابن رواحة يعيرهم، وينسبهم إليه، فلما أسلموا وفقهوا كان أشد عليهم.

قال أنس: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء، وابن رواحة بين يديه يقول:

خلّوا بني النجار عن سبيله

اليوم نضربكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

فقال عمر : يا ابن رواحة!! في حرم الله، وبين يدي رسول الله تقول الشعر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلّ يا عمر، فهو أسرع فيهم من نضح النبل، وفي لفظ: فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد من نضح النبل أخرجه الترمذي.

وأخرج ابن سعد بسنده عن قيس بن أبي حازم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن رواحة: أنزل فحرك الركاب. قال: يا رسول الله لقد تركت قولي، فقال له عمر: اسمع وأطع، فنزل وقال:

يا رب لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينةً علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

قال ابن الأثير: كان عبدالله بن رواحة أول خارج للغزو، وآخر قافلٍ، وكان من الشعراء الذين يناضلون عن رسول الله، ومن شعره فيه قوله:

إني تَفَرسْتُ فيك الخير أعرفه

والله يعلم أنْ ما خانني البَصرُ

أنتَ النبي ومنْ يُحْرم شفاعته

يوم الحساب فقد أزرى به القدرُ

فثبت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنت فثتبك الله يا ابن رواحة، قال هشام بن عروة: فثبته الله وقتل شهيداً، وفتحت له أبواب الجنة، فدخلها شهيداً (أسد الغابة 3-225).

قال عروة: ولما نزلت {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} قال ابن رواحة: أنا منهم، فأنزل الله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أخرجه ابن سعد في الطبقات (3-81).

وأخرج في الصوم، عن أبي الدرداء وهو أخ لابن رواحة من أمه، رضي الله عنهما، قال: إن كنا لنكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، في اليوم الحار، ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله وعبدالله بن رواحة.

قال عنه الذهبي: الأمير السعيد الشهيد، أبو عمر والأنصاري البدري النقيب، الشاعر شهد بدراً والعقبة يكنى أبا محمد وأبا رواحة، وليس له عقب، وهو خال النعمان بن بشير، وكان من كتّاب الأنصار، استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، في غزوة بدر الموعد، وبعثه عليه الصلاة والسلام، سرية في ثلاثين راكباً، إلى أُسيد بن رزام اليهودي، بخيبر فقتله.

قال الواقدي وبعثه النبي خارصاً على خيبر (سير أعلام النبلاء 12-231) قال الزهري عن سليمان بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يبعث ابن رواحة إلى خيبر فخرص بينه وبين يهود، فجمعوا حلياً من نسائهم، فقالوا: هذا لك وخفف عنا، قال: يا معشر يهود: والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، والرشوة سُحتٌ، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض (السابق 237).

وفي رواية ابن هشام كان رسول الله، يبعث عبدالله بن رواحة خارصاً، بين المسلمين ويهود فإذا قالوا: تعديت علينا، قال: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلنا فتقول يهود: بهذا قامت السموات والأرض (السيرة 2-345).

ومن حرصه على السمع والطاعة، روي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، أن عبدالله بن رواحة، أتى النبي وهو يخطب فسمعه يقول: اجلسوا فجلس مكانه خارجاً من المسجد، حتى فرغ من النبي من خطبته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله، ومن اهتمامه بتقوية الإيمان في قلبه وتجديده في جميع أوقاته ما ما قاله أخوه أبو الدرداء: أعوذ بالله أن يأتي إلي يوم لا أذكر فيه عبدالله بن رواحة، كان إذا لقيني مُقبلاً ضرب بين ثديي، وإذا القيني مدبراً ضرب بين كتفي، ثم يقول: يا عويمر اجلس فلنؤمن ساعة، فنجلس فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: يا عويمر هذه مجالس الإيمان (أسد الغابة 3-525).

وذكر الحافظ عن حجر في الإصابة: أن عبدالله بن رواحة أغمي عليه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم: فقال إن كان حضر أجله فيسر عليه، وإلا فاشفه، فوجد خفّة، فقال: يا رسول الله أمّي قالت: وفي رواية أختي قالت: واجبلاه واظهراه، وملكٌ رفع مرزبة من حديد، يقول: أنتَ كذا، فلو قلتُ: نعم لقمعني بها: رواه البخاري برقم (4267).

ومن فقهه في كتاب الله، وخوفه من النار ما أورده السيوطي في تفسيره: الدر المنثور قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ذهب عبدالله بن رواحة إلى بيته، فبكى فجاءته امرأته فبكت وجاءت الخادم فبكت، وجاء أهل البيت فجعلوا يبكون، فلما انقطعت عبراتهم، قال عبدالله يا أهلاه ما الذي أبكاكم، قالوا: لا ندري، ولكن رأيناك تبكي فبكينا، قال: إنه أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية ينبئني فيها ربي تبارك وتعالى، أني وارد النار، ولم ينبئني أني صادر فذاك الذي أبكاني (4-282).

ولفقه ابن رواحة رضي الله عنه، في أمر دينه، فإنه يحرص على ما قاله لأبي الدرداء أخيه، مع من يقابله من أصحابه، فمن لم يدرك بُعد ما يرمي إليه ابن رواحة، يسترشد عنه، من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، عن أنس بن مالك قال: كان عبدالله بن رواحة إذا لقي الرجل، من أصحابه يقول: تعال نؤمن ساعة.

فقال ذات يوم لرجل فغضب، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألا ترى ابن أبي رواحة يرغب عن إيمانك، إلى إيمان ساعة، فقال: رحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي فيها الملائكة (المسند 3-295). وقد حرص بعض الصحابة، ومن جاء بعدهم، أن يأخذوا من سيرته قدوة حيث جاء في الإصابة أن رجلا تزوج امرأة عبدالله بن رواحة بعد وفاته، فقال لها: أتدرين لماذا تزوجتك؟ قالت: لا. قال: لتخبرينني عن صنع عبدالله في بيته؟ فذكرت له شيئاً لم يحفظه ابن أبي ليلى راوي الحديث، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته، صلى ركعتين، وإذا دخل صلى ركعتين لا يدع ذلك أبداً (6-78). وقد روى الذهبي بسنده أنه كانت لعبدالله بن رواحة جارية يسرها عن أهله فبصرت به امرأته يوماً قد دخل بها، فقالت له زوجته لقد اخترت أمتك على حُرَّتك؟ فجاحدها ذلك فقالت: إن كنت صادقاً فاقرأ آية من القرآن؟ فقال: يسرّك شيئاً تضمن من معاني القرآن ثم قال شعراً لأنها تظنه قرآناً:

شهدت بأن وعْد الله حق

وأن النار مثوى الكافرينا

قالت: فزدني: فقال شعراً وهي تظنه قرآنا، وقصدها أنه لن يقرأ قرآنا وهو جنب، وهكذا طمأنها ولم يكذب:

وأن العرش فوق الماء طافٍ

وفوق العرش ربّ العالمينا

وتحمله ملائكة كرام

ملائكة الإله مقرّبينا

فقالت زوجه: آمنت بالله وكذبت البصر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثه فضحك ولم يغير عليه (سير أعلام النبلاء 1-238). فرحم الله ابن رواحة ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحرصهم على العلم وأسرعهم في التنفيذ مع خشية الله وخوفاً من عقابه.

mshuwaier@hotmail.com
 

رجال صدقوا: عبدالله بن رواحة
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة