ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 01/12/2012 Issue 14674 14674 السبت 17 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

ما أجمل الكلام وأقل تكاليفه، وما أسهل التصورات والخيالات الجميلة التي نصنعها لأنفسنا؛ فنحن مع كل ميزانية لدولتنا المباركة التي ندعو لها بالحفظ والصون والعزة والتمكين نستمع بإنصات أو نقرأ باهتمام بيان الميزانية السنوي الجميل الذي يفتح آفاقا واسعة من الآمال، ويبني قمما عالية من الأحلام، ويرسم أمامنا لوحات زاهية لهذا الوطن الكريم؛ والحق أن غاية القيادة الكريمة كذلك، ولكن واقع الحال يختلف عن كل ما يقال!

الواقع الحقيقي لبيان الميزانية السنوي يقول إن هذا البيان الجميل المتفائل لا ينفذ منه إلا أقل من 50% في أحسن حالات التفاؤل، والباقي متعثر أو متأخر أو لم يبدأ بتنفيذه ويرحل إلى سنة أخرى قادمة، قد تكون الآتية أو السنوات التي بعدها!

كلام كثير وإنجاز قليل، أو على الأصح أحلام كبيرة أشبه بالتمني الطيب لفعل وطني طيب؛ ولكن أمام تحقيق ذلك الفعل الطيب المفترض أو المتخيل والمكتوب نصاً عشرات العقبات التي تقف أمام تنفيذه!

فكم من مشروع وطني مدد له، ثم مدد له ولم يتم إنجازه؟! وكم من مشروع متعثر توقف العمل فيه أو لم توضع فيه طوبة واحدة رغم اعتماداته المالية الجاهزة، وكم من مشروع بدئ فيه، ولكن الشركة المنفذة التعيسة غير قادرة على إتمام المشروع؛ إما لضعفها وعدم كفاءتها، أو لسوء إدارتها، أو لإحالتها التنفيذ إلى مؤسسات صغيرة بأسلوب القطعة ومن الباطن، وتلك المؤسسات الصغيرة المتسلقة المبتدئة تخمخم عمالتها من تلك المجاميع السائبة في الشوارع، فتجد أن حافلة هذه الشركة أو تلك تجوب فجراً مواقع تجمع تلك العمالة السائبة التي تنتثر في كل مدننا مسببة مشكلات كثيرة وحوادث أمنية لا تخفي؛ فتقف حافلة الشركة ويتصارع على الحظوة بفرصة عمل ولو ليوم واحد عشرات العمال إن لم أقل مئات لينفذوا أعمالا في المشروع غير مؤهلين لها، وهذا يحدث في المشاريع الكبيرة، كمركز الملك عبدالله المالي مثلا، وغيره!

أما التأجيل فقد أصبح ظاهرة مؤسفة استدعت أن يأمر خادم الحرمين الشريفين -ألبسه الله لباس العافية- بتشكيل لجنة من 7 جهات حكومية لمتابعة تنفيذ المشاريع، على أن تنهي أعمالها المتعلقة بكل مشروع خلال مدة لا تزيد على شهر، من جهات حكومية بمراتب عالية، ولم تفلح هذه اللجنة في الحد من هذه الظاهرة أو معالجة الأسباب المعيقة؛ لكثرتها وتشعبها واستحالة معالجة بعضها!

لقد وصلت مبالغ المشاريع الحكومية المتعثرة من طرق ومستشفيات ومدارس ومساكن ومقار حكومية ومطارات وسدود وغيرها خلال سنوات أربع فقط إلى تريليون ريال، أي ألف مليار ريال! وهذا الرقم الكبير يلخص لِم لَم نحقق كثيراً مما نأمله، لِم لَم ننهض بالصورة التي نتمناها؟ لم ننجز القليل وغيرنا ينجز الكثير في المدة نفسها؟ لِم يتذمر كثيرون من المواطنين بسبب تأخر مشروعات كثيرة تخص مناطقهم، وسيحقق إنجازها خدمات كثيرة لهم؟!

ومن الأمثلة التي تكشف تجذر هذه المشكلة وعدم وجود عقوبات بحق الشركات المنفذة، وفساد آلية المناقصات، وتعدد إحالات تنفيذ المشروع من الشركة الأولى إلى الرقم 20 أو 30 أحيانا، متنازلا المبلغ المرصود للمشروع من مليار مثلا ليرسى على أصغر شركة أو مؤسسة بمائتي مليون ريال!

وأمامي مثل حي نابض بالتذمر والشكوى؛ وهو طريق الرياض حوطة بني تميم الجديد الذي لا يزيد طوله عن 94 كيلو مترا، وسيختصر أكثر من 90 كيلو مترا من الطريق القديم، ولا شك أنه مشروع ممتاز وقد طالب به أهالي المحافظة من سنوات طويلة تزيد على ثلاثين عاما، وأجل اعتماده في ميزانيات سابقة مرات عدة بأسباب واهية، ثم اعتمد قبل عشر سنوات، ورسي على إحدى الشركات التي ماطلت في التنفيذ متعللة بوجود أسباب كثيرة، منها تثمين بعض الأراضي المملوكة التي يمر بها الطريق، ولكن هذا الإشكال قد يكون مقبولا لو أن المشروع توقف مثلا عند حدود أي أرض لم تتم تسوية تثمينها؛ بل توقفت أجزاء كبيرة ووصلات عديدة من الطريق دون عمل حقيقي يذكر سنوات عديدة في أراض بور تملكها الدولة لا الأفراد، وقد مرت سنوات ثمان ولم يكتمل تعبيد طريق لم يتجاوز 94 كم فمن يحاسب ومن يعاقب ومن هو المسؤول عن متابعة تنفيذ هذا المشروع؟ أليست الجهة المعنية هي وزارة النقل؟ فما حجتها وما أسبابها التي قد تتذرع بها؟ وأين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن متابعة قضية مزمنة كهذه قد تبقى أيضا سنوات أخرى معطلة مصالح عابري ذلك الطريق المهم الذي يربط وسط مدينة الرياض بطريق سريع وواسع كما هو مخطط له بمدينة حوطة بني تميم، وبمدن أخرى بعدها جنوب المملكة كالأفلاج ووادي الدواسر وجيزان ونجران، فكأنه الطريق السريع الرئيس المعادل لطريق الشرقية أو طريق الحجاز الجديد، أو طريق القصيم، من تلك الطرق التي تعد شريانا رئيسا يربط بين المناطق والمدن الكبيرة.

إن الحلم أكبر من طريق معبد؛ إنه يمتد إلى المطالبة بسكة حديد تنطلق من الرياض إلى جنوب المملكة لا طريقا بريا أصبح تنفيذه معجزة!

إنني أستنهض هيئة مكافحة الفساد للتحقيق في قضية تعطيل هذا المشروع سنوات ثمان حتى أصبح نكتة على الألسن، ومدار سخرية من وزارة المواصلات نفسها التي أهمل مراقبوها ومسؤولوها الالتفات إلى شكاوى المواطنين وكتاباتهم المتعددة.

ونقيس على هذا المشروع مئات المشاريع الأخرى التي تؤجل أو تتعثر أو لا تنفذ، وإنما هي أرقام تكتب في الخطط التي تسمى خمسية، وما يتحقق من تلك الخطط الخمسية المفترضة لا يتجاوز 50% إذا أحسنا التقدير. ووزارة التخطيط التي تضع التصورات المتفائلة على الورق يبدو أنها لا تُعنى كثيرا بما يتم إنجازه حقيقة مما هو متخيل في الخطط!

هل نستطيع القول: إن كثيرا من أحلام نهضتنا الحضارية مؤجل -مع الأسف- بسبب عوائق كثيرة؛ منها فساد آلية مناقصات المشاريع، ودخول مصالح معينة في ترسية بعضها، وكثرة التحويلات وتعددها في الباطن من الأول الرئيس إلى الخمسين المجهول، وعدم المراقبة والمتابعة من بعض الجهات، وخمول وكسل وعدم فعالية عدد من محافظي المدن التي رسيت فيها بعض المشروعات، فيغفلون عن المتابعة ومخاطبة الجهات المعنية، وإبانة وجوه الخلل وأسباب التأخير.

ولعل أبرز مثال في مدينة الرياض من المشروعات المتأخرة والتي لم تر النور بعد مشروع مباني وزارة التربية على طريق الملك عبدالله التي اتخذ محيطها الواسع العريض ممشى للبدناء وللحوامل اللائي ولدن مواليدهن ومروا بالطفولة ثم صاروا شبانا ووزارة التربية لم تلد بعد!

moh.alowain@gmail.com
mALowein@
 

كلمات
هل نهضتنا مؤجلة؟ مشروعات متعثرة.. مشروعات مؤجلة!
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة