ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 04/12/2012 Issue 14677 14677 الثلاثاء 20 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أقام جرذٌ (من فصيلة الفئران) في أحد المساكن، وعجز ساكنوه عن الإمساك به والتخلّص منه رغم تعدد الوسائل والحيل!

شكا صاحب المنزل لأحد أصدقائه من شراسة هذا الجرذ وعن الصعوبات التي واجهته وعدد المحاولات الفاشلة. أدرك الصديق مأساة الرجل وأيقن أن شراسة هذا المخلوق العجيب لم تأتِ من قوته الجسدية، وإنما هناك قوة كامنة تحول دون القبض عليه! وبذكائه وتمرّسه بمعرفة طبائع النفوس طلب من صديقه التوقف عن ملاحقة الجرذ ومنحه الأمن والطمأنينة وتركه يسرح ويمرح في المنزل. وبالفعل منح صاحب المنزل حرية التنقّل للجرذ الذي صار يبتعد عن جحره وقتاً طويلاً. عندها طلب الصديق من صاحب المنزل تقصِّي الجحر ومعرفة ما بداخله، وحين نفذ الرجل عملية التقصي تفاجأ بوجود جنيهات من الذهب قد فرشت على أرض الجحر وعليها أثر من فرو الجرذ بما يدل على تمرغه ونومه عليها! وتم جمعها وإخراجها، ثم بدأت مطاردات للجرذ الذي اتجه نحو جحره وما لبث أن خرج منه هزيلاً ضعيفاً فأمكن الإمساك به بسهولة!

ولا شك أن الذهب كان القوة الكامنة التي تدفع الجرذ للاستبسال وتمنحه الشجاعة للحفاظ على ذاته، والمال يمنح المرء الغنى ومن ثم الاستعلاء والتكبر والجبروت والله عزَّ وجلَّ يقول {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}، ثم قال تعالى أيضا ( {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى } وكلٌّ سيرجع إلى ربه كما خلقه، بعيداً عن المال وعن الهيبة والنفوذ، فلِمَ البطر والاستكبار؟!

ولئن كانت الطفرة الماضية قد أغنت معظم مواطني دول الخليج وألقت بظلالها على نفوس بعضهم؛ فقد جعلت من الفرد متكبراً متغطرساً ينظر لغيره من الشعوب باستعلاء، وامتدت للنظرة الدونية لبعض الحرفيين والعمال والخدم، حتى وصلت إلى التحكم غير الإنساني بمصائر العمالة المستقدمة إلى دولهم، بحيث أصبح كل خليجي مسيطراً على فرد أو مجموعة أفراد من الأيدي العاملة التي استقدمت بثمن عرقهم! وهذا بلا ريب ساهم باختفاء معظم النوازع الإنسانية تجاههم بسبب توغل الحالة المادية في النفوس وتواري قيمة الإنسان.

وما ساعد على ذلك ضعف اللوائح التي تنظّم علاقة العمل بين المواطن والوافد، وعدم كفايتها لتحقيق المستوى الإنساني من التعامل المنشود؛ حيث عطّل المجتمع بعض اللوائح أو تحايل عليها، وتُرك الأمر برمته لثقافة المجتمع أكثر من حكم القوانين والأنظمة والتشريعات. فالثقافة العامة لمواطني دول الخليج نحو العمالة متدنية ومعتدية، بل مستبدة إلا من رحم ربي، ويظهر ذلك جلياً بالتعامل مع الخدم على وجه الخصوص وتحويلهم لنظام السخرة بدلاً من قانون العقود، كمطالبتهم بالعمل بشكل متواصل دون تحديد لساعات العمل، وعدم تمتعهم بإجازة أسبوعية أو احترام إنسانيتهم.

وفي الوقت الذي تطالب الشعوب بسن قوانين إنسانية رادعة؛ ينبغي تأصيل ثقافة اجتماعية ذات أبعاد إنسانية تعضد القوانين ولا تحاربها أو تتحايل عليها، بل تؤمِّن لها الفاعلية.

ولعل إدراك العمالة الوافدة لحقوقها مع حماية سياسية من لدن حكوماتها يكفل الحد من العنف الموجه لها والعنف المضاد منها، مع ضرورة نشر الوعي بين أفراد مجتمع بلدان النفط لعله يكون فتحاً جديداً لتعامل إنساني بين البشر دون اعتبار لجنس أو لون أو دين أو مهنة؛ فشريعتنا الإسلامية وقيمنا العربية تدعو للتعامل الرفيع مع جميع الأجناس.

أقول ذلك؛ حتى لا نتفاجأ بغور النفط فنجد أنفسنا صيداً سهلاً للمترصدين والمتربصين بنا!

rogaia143@hotmail.com
Twitter @rogaia_hwoiriny
 

المنشود
الجرذ المستبد!!
رقية سليمان الهويريني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة