ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 09/12/2012 Issue 14682 14682 الأحد 25 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عندما علم أبو سفيان بن حرب؛ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أرسل بعض رجاله له ولقافلته، بعث إلى مكة (ضمضم بن عمرو الغفاري). بعثه إلى قريش يستفزهم إلى نصرة رجالهم وأموالهم، وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه،

فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة، فلما وصل إلى قريش؛ استقر ببطن الوادي يصرخ واقفاً على بعيره وقد جدعه، وحوّل رحله، وشق قميصه، وهو يقول ‏:‏‏ يا معشر قريش: (اللَّطِيمة.. اللَّطِيمة).. أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها. الغوث.. الغوث.

- من المؤكد.. أن قريشاً استُفِزّت واستُنفِرت وقتها، وهبت فوراً عن بكرة أبيها تلبية لهذا النداء الصارخ، دون أدنى تفكير أو تمهل. ومثل هذا حدث ويحدث كثيراً في تاريخنا العربي.. فأين العقل الذي يحول دون ردات فعل قد لا تحمد عقباها..؟!

- في الثامن عشر من ديسمبر 2010م، تعرض الشاب التونسي (محمد البوعزيزي)؛ لإهانة من شرطية في الأمن.. صفعته، أو بالأصح (لطمته) على وجهه، نتيجة لاحتكاك بينهما في شارع عام، فأشعل النار في نفسه، وامتدت نيران الغضب بعد ذلك لكل أنحاء تونس، ومن ثم وصلت إلى دول عربية أخرى في مشرق الوطن العربي ومغربه.

- لا أحد ينكر أن (اللّطمة) التي تلقاها البوعزيزي على وجهه، كانت بالغة الإهانة، وجارحة لكرامة شاب يبحث عن رزقه في زنقات بلدته الصغيرة، وأنها لم تأت لولا تفشي الفساد والديكتاتورية في طول البلاد وعرضها، وأن البلدان العربية التي حاكت انتفاضة تونس بعد ذلك، لم تكن في وضع أفضل من تونس على كل حال، لكن.. هل (اللّطمة) وحدها هي التي حرّكت كافة شوارع تونس، في انتفاضة يقودها عامة الناس للتغيير غير المحسوب، لتبرز بعد ذلك قوى كانت كامنة ومتربصة، لقطف الثمرة المبتغاة، وركوب ذات العربة التي كان عليها النظام السابق..؟!

- من كان وراء تهييج العامة في شوارع مصر وليبيا واليمن وسوريا من بعد تونس..؟! ولماذا لم نرَ أثراً للنخبة الفكرية والثقافية في واجهة الأحداث التي عصفت بهذه البلدان، فقتلت ودمرت وأفقرت، ولم تقدم حتى الآن البديل الجيد، ولا ما يوحي بما هو أفضل..؟!

- مع أني لست من أنصار نظرية المؤامرة؛ لكني أعتقد أن وراء الأكمة ما وراءها، من مخطط أكبر من تظاهرات واعتصامات؛ يتلوها مصادمات وقتل وتخريب ونهب وسلب وتجويع، وتحويل الحالة التي ظنتها الشعوب ثورات، إلى انتفاضات غوغائية، ومسيرات احتجاجية، تحتكم إلى قطبين يتناحران أحياناً ويتحدان أحياناً أخرى وهما: السياسي والديني..

- استوحى المنتفضون في هذه البلدان اسم (الربيع العربي)، على ما يبدو من (ربيع براغ) الشهير، الذي قاده الزعيم الإصلاحي (الكسندر دوبنشيك) في 5 يناير 1968م، ثم سُحق بعد ذلك تحت الدبابات السوفيتية في 21 أغسطس من العام نفسه..! الاسم كما هو واضح مستورد، والثقافة العربية لم يسعفها الحال لاختراع اسم خاص، فلجأت إلى الثقافة الغربية، لأن لا أثر لها فيما يجري، بسبب أنها مغيبة، أو أنها عاجزة عن أخذ مكانها المناسب في المشهد العام لحياة الشعوب.

- عمر هذه الانتفاضات العربية ناهز السنتين، والمراقب لا يجد أي دور يسجله المفكر العربي والمثقف العربي.. هناك مثقفون إما متفرجين أو مهرجين، وهناك إعلام مستسلم لثقافة الشارع، ودوره لا يتجاوز ترديد الصدى والتكسب من حالة الفوضى العامة، فهو تارة عارض، وأخرى محرّض.

- يوماً بعد يوم، تفقد هذه الانتفاضات أهميتها، فلا هي ثورات، ولا هي تغيير قائم على استراتيجيات لمستقبل أفضل. بدت وكأنها انتفاضات يقلد بعضها الآخر.. لو لم يجر ما جرى في تونس؛ هل انتفض الشارع المصري..؟! أو الليبي.؟! أو اليمني..؟! أو السوري..؟!

- غاب العقل العربي في خضم ما يجري على الساحة، وحضر الديني المنتهز المتربص، والسياسي المناكف، واحتدم النزاع على وراثة كراسي لم تتطهر بعد من الفساد، بل زادت الفساد فساداً بالتناحر، وتصفية الحسابات التي طغت بين أطراف حزبية ومذهبية، وبقي المشهد المنتفض، يئن تحت وطأة غوغائية الشارع، الذي لا نعرف- وربما لا يعرف هو- من الذي يحركه بالضبط..؟ ومن يموِّل حركيته اليومية نحو مزيد من الفوضى والقتل والتكسير والتدمير..؟!

- مرة أخرى.. أين هو العقل العربي مما يجري على الأرض العربية..؟!

- لماذا غابت النخب الثقافية (الانتلجنسيا) عن المشهد..؟ وإذا حضر البعض منها؛ فهو إما للفرز، أو لتحديد الموالاة والمعاداة.. لا شيء غير هذا..؟!

- النهضة العربية التي انطلقت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الفارط، كانت نتاج مفكرين ومثقفين عرب كبار أمثال: (الأفغاني، ومحمد عبده، وجرجي زيدان، والأخطل الصغير، وغيرهم من أدباء المهجر، ومثقفي الوطن العربي وفنانيه الكبار. جاء نتاج هؤلاء على غرار نتاج مفكري ومثقفي أوروبا في عصر التنوير والثورة على سلطة الكنيسة.. كان الإبداع الفكري يوم ذاك، عاملاً مؤثِّراً وباعثاً على التجديد والتغيير نحو الأفضل. انقرض الكبار في الوطن العربي، ونُسي فكرهم وأدبهم، وآل الأمر إلى صغار الناس، من المتتلمذين على ثقافة مسطحة، لا تفرز أجود من هؤلاء الدهماء الذين يستعرضون عضلاتهم في الميادين والشوارع.

* بين (لَطِيمة) أبي سفيان؛ و(لَطْمة) البوعزيز، لا يبدو في الأفق أكثر من (اللَّطْم) على الخدود؛ تلك التي تكتوي بدموع الحزن كل يوم، على فقد الأب والابن والأخ والقريب، في معارك عبثية طاحنة، بين أبناء الشعب الواحد، وفي ساحات البلد الواحد.. فلله الأمر من قبل ومن بعد.

H.salmi@al-jazirah.com.sa
alsalmih@ymail.com
 

بين (اللَّطْمَة) و (اللَّطِيمَة).. أين (العقل العربي)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة