ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 16/12/2012 Issue 14689 14689 الأحد 03 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

كنت وأنا صغير أسمع مقولة «كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده»، وهي حكمة لم اقتنع بها آنذاك، فماذا لو أنني مثلاً فعلت شيئًا جيدًا؟ كيف يكون الإكثار من الطيّب شيئًا سيئًا؟ ولكن تحطمتْ هذه الشكوك لما كبرت وعرفتُ أنّه حتَّى الماء يقتل إذا أفرط المرء في شربه، هذا وهو أصل الحياة كلّّها وأهم مادة على الإطلاق لِكُلِّ كائنات هذا الكوكب!

هذا لا شكَّ أنه يفتح أعيننا على حقائق أخرى، فلا يوجد شيء أنفع من الرياضة وكثرة الحركة، ومنافعها هائلة لا يحيط بها الوصف، منها تنظيف الجسم من السموم وتقوية الرئتين والعضلات والقلب وزيادة الذكاء وتحسين الحالة النفسية وهلم جرا، ولهذا فمن يشاركني رأيي السابق -أيّ اعتقاد أن الإكثار الشديد دائمًا جيد في الأشياء النَّافعة- فلربما يعتقد أن الإكثار البالغ من الرياضة شيء إيجابي، ولكن حتَّى هنا تَصْدُق القاعدة، ولنأخذ مثالاً عدّائي الماراثون، وهو السباق المعروف الذي يمكن أن يُقام في أيِّ مكان طالما التزم ببعض الشروط المتفق عليها عالميًا، أشهرها ولا شكَّ هو طول مسافة الجري، فسباق الماراثون عادة يحتِّم على المرء أن يجري مسافة لا تقل عن 42 كم ويستمرّ عادة 3 ساعات، ومن يَرَى العدائين سيلاحظ أنهَّم دائمًا أصحاب أجساد بالغة الهزال ضعيفة المظهر، عكس -مثلاً- الراكضين الأولمبيين الذين يركضون مسافات قصيرة فتكون أجسامهم عضلية قوية، والأسوأ أن عدّائي الماراثون أكثر عرضة للسكتات القلبية!

ولنسحب هذا المثل إلى الأشياء التي نتناولها لتنفعنا، فماذا يفعل الإنسان إذا أصيب بألم عارض كالصداع؟ العادة أنّه إذا لم يصبر فإنّه يأخذ مسكنًا للألم، ولعل أشهر مسكن للألم هو دواء أسبرين وكذلك دواء باراسيتامول الذي يُعرَف باسم بنادول، وكلا الأسبرين والباراسيتامول ينتميان لنفس الطائفة من مسكنات الألم التي تعمل بأن تثبط إفراز نوع من الانزيمات يسبب الألم، فيَسْكن الصداع. لكن الشيء المفاجئ الذي وجده العلم أن الباراسيتامول لا يؤثِّر فقط على الآلام العضوية بل حتَّى النفسية، وتحديدًا الرفض الاجتماعي، كأن يشعر الشَّخص أنّه غير مرغوب به إذا ما حاول مصادقة أحدهم أو إذا رفضته امرأة. شعور الرفض شديد الألم على نفس أيّ إِنسان، الذي وجدته الباحثة نعومي آيزنبيرغر أن إشارات المخ أثناء الشُّعور بالألم الاجتماعي تماثل ما يحصل في المخ أثناء تعامله مع الألم العضوي كألم البطن أو الرأس، ولاحَظوا أن نفس المنطقة في المخ هي التي تتعامل مع كليهما. نفس الفريق العلمي أيْضًا قال: إن أصحاب الحساسية الأعلى للألم الحسي هم أيْضًا أشد تأثرًا بالألم النفسي، الذي وجده العلماء أن من تناولوا الباراسيتامول لثلاثة أسابيع شعروا بألم نفسي أقل لما قوبلوا بالرفض الاجتماعي، عكس الذين لم يتناولوه.

طبعًا لا يوصون بتناوله لهذا السبب. من يشير بتناول أيّ دواء هو الطّبيب المختص فقط، ولكن السبب الحقيقي هو أنّه حتَّى أدوية تبدو بريئة كهذه في الحقِّيقة شديدة الضرر إذا أكثر منها، حتَّى إن الفشل الكبدي الحاد في الدول الغربيَّة سببه الأول هو الإفراط في تناول باراسيتامول، الذي يُعرف في الدول العربيَّة باسم «بنادول» و»أدول» وفي أمريكا ودول أخرى باسم «تايلانول»، وهذه المسكنات البريئة المظهر هي القاتل الأول في الفشل الكبدي الحاد في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها.

شئ مخيف.

وهذه مصيبة إذا عرفنا أن الكثير من أطفالنا تعوَّدوا على تناول المسكنات بحريَّة متى ما أصابهم الألم، فاحفظوا فلذات أكبادكم من هذه الأدوية لئلا تتدمر أكبادهم.

 

الحديقة
مسكنات الألم... الخطر المجهول
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة