ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 17/12/2012 Issue 14690 14690 الأثنين 04 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هَبَّة أو هجمة الاهتمام بالتراث والتعلق به هذه الأيام على نحو ترميم وتجديد البيوت القديمة، أو طلي الجدران بالطين والتبن وإن كان مسلحاً بالأسمنت والحديد، وتجميع الأدوات والأواني القديمة من قبيل الدلال والأباريق والمداخن والأتاريك والفوانيس يبدو أنها لم تكن من قبيل العودة للماضي، واستحضار التراث كضرورة إنسانية توثق مراحل النمو الاجتماعي لدينا، إنما هي متطلبات ترف يعيشه البعض، واستطراف لاقتناء ما تبقى من متعلقات ذلك الأمس الجميل.

فهؤلاء الذين يتراكضون في كل مكان خلف ما هو تراثي قديم في الشكل والمادة، ليجدِّوا في جمعه وتخزينه، إلا أن البعض منهم يعرض ما لديه بطرق تنم عن جهل وعدم معرفة بتنويعات ذلك الشجن التراثي الحميم، فلم يتركوا للمختصين والتراثيين وأهل المتاحف المتمرسين في العمل فرصة أن يهتموا بتراثنا ويوثقوه ويقدموه بطريقة مناسبة، إنما زاحمهم هؤلاء دون دراية وبتناقض سافر، كأن تقدم في تلك الزوايا التراثية وبيوت الطيني، أو تحت سقائف الخوص والسعف رؤى استهلاكية وأكلات عصرية ووجبات سريعة ومثلجات وغيرها!!

وقد تجد أن بعض من يحتضن مثل هذه الأدوات القديمة يتظاهر بأنه تراثي صميم، إلا أنه يخلط المفاهيم والعادات واستخداماتها، فيقلبها رأسا على عقب، كأن يضع القدور والصحون والمغارف والمحالب في ركن أو مجلس الرجال، وقد يضع الدلَّة مع القدر في مكان واحد، أو أن يعلق البندقية القديمة إلى جوار مندفة الصوف أو دلاء البئر وما إلى تلك المتناقضات التي لا يجمعها أي رابط سوى أنها أدوات قديمة، وربما لا يعرف حتى وظيفتها، أو دورها الحياتي، أو طابعها الاجتماعي والجغرافي.

ومن أهل تلك البيوت الأسمنتية المتواضعة التي يبدو على طابعها الريف، ويسكنها أهل القرى والهجر من يشغله أمر هذا التراث وجمع محتوياته، أياً كان دون تمييز، أو معرفة بما يقتنيه، حتى أن أحد الباحثين الجادين في أمر التراث أكد في حديث إعلامي: أنه وجد في بيت مواطن في قرية من قرى الوطن مجسم “مذبح وصليب” وقطعة أخرى تمثل التراث الأوربي الموسيقي “أرغن” بتهوفن، وحينما سأله الباحث عنها أجاب بأنه لا يعلم، إلا أنه يرى أنها تراث.

ومثال آخر على الخلط والتشويه للتراث أن أحد البرامج التلفزيونية العربية كان يدعي أنه تراثي، وأنه من البادية وإليها، ليطلب وبتمثيل مصطنع في أثناء بث الحلقة التراثية “إدارة القهوة” أي تقديمها لضيوف البرنامج، ليكتشف المشاهد أنها مجرد “دلة” صدئة وفارغة، لا قهوة فيها أو هيل، ولا حتى ماء.. فهو مجرد مشهد تمثيلي يتظاهر فيه البرنامج وأهله بأنهم حريصون على عادات العرب وقهوتهم.

فالعبث بالتراث، أو تقليده، أو مجرد التظاهر به، أو العمل على استضافته دون الاهتمام فيه ودون رعايته أو تقديمه بشكل مناسب سيكون حالة تسطيح للمنهج التراثي الجميل في حياة الآباء والأجداد، فمن المهم ألا يكون الأمر في ملاحقة التراث وطلبه مجرد تجميع أدوات قديمة “كراكيب ومهلهلات” قد لا تنفع أبدا.

أما وقد أصبح الأمر عصرياً فلا بأس أبداً بحافظات القهوة والشاي الأنيقة والعصرية، وأواني التمر المذهبة، وسلال الإقط المجدولة بعناية، والأجمل منها حينما تكون مع قصة تاريخية مفعمة بالصدق، أو قصيدة تراثية معبرة، لا تُزِّور التاريخ، أو تعبث بذائقة المشاهد أو المتابع.

hrbda2000@hotmail.com
 

بين قولين
لتراثنا نكهة شكلية!
عبد الحفيظ الشمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة