ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 21/12/2012 Issue 14694 14694 الجمعة 08 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هذا العام هو عام اللغة العربية، ولهذا لا بد لنا من قول نقوله في حقها، فهي لغة القرآن قبل كل شيء، وهي لغة أهل الجنة، كما أنها فوق ذلك معجزة في لفظها، ومعانيها، وصيغها القرآنية، كما أنها لغة اشتقاق يمكن أن تخرج من جذعها أغصان عديدة زاهية، ولهذا فحق للناطقين بها أن يفخروا بها وأن يروها لغة صالحة لكل زمان، وقابلة لحمل المعنى وتخزينه، وإبرازه بمظهر جذاب، ساحر يسحر الألباب.

اللغة العربية فيها من المحسنات البديعية، ما يجعل المرء لا يمل النطق بها، أو قراءة نصوصها، أو سماع قائلها، ففيها جناس وطباق واستعارة وكناية، وعدة ضروب من ضروب الأناقة والحسن.

لا أحد يمكنه الجزم ببداية وجودها، أو مراحل تطورها، وحتى المكان الذي بدأت فيه، وإن كانت النظريات قد كثرت في هذا الشأن، واجتهد المجتهدون في ذلك، والعلم عند الله. لكن من المؤكد أنها لغة حفظها الناس في صدورهم، ونطقت بها ألسنتهم، واستخدموها للتخاطب فيما بينهم، واستحسنوها، فشجوا بها أشعارهم، وجسدوا بكلماتها مشاعرهم وأحاسيسهم، ومدحوا بها لنيل مرادهم، وهجوا بها أعداءهم، أو من أقلَّ في عطائهم، وداعبوا بها إخوانهم، ورثوا بها موتاهم، ونسجوا ذلك شعراً ونثراً، واختصروا وأطنبوا، وأوجزوا واسترسلوا، وهم في كل ذلك مستمتعين بها لفظاً، وقراءة.

وكما قال الشاعر حافظ إبراهيم:

أنا البحر في أحشائه الدرُ كامن

فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

في عصرنا الحديث، طرحت التقنية منجزات حديثة كانت اللغة الإنجليزية هي المعبرة عنها والحاضنة لها، وكان لزاماً على أصحاب اللغات الأخرى، الأخذ بها كما هي، أو ترجمتها إلى لغاتهم، ففعل الكثير منهم ذلك. والناطقين باللغة الإنجليزية قد سبقوا غيرهم في الاكتشافات، وجاوزوهم في المخترعات، فكان للغتهم حق إجباري لنيل ذلك المبتغى، حيث كان ما كان، وهنا يقف المرء عند باب القائمين عليها، ليناشدهم البحث عن وسيلة فعالة، وطريقة واضحة، لكسر ذلك الطوق الجديد من الكلمات الإنجليزية التي أصبحت لغة مألوفة في الدلالة على المخترعات الحديثة.

لا يمكن أن يغفل الفرد مجهودات مجامع اللغة العربية هنا وهناك، واجتهاد البعض في طرح المفردات، التي استخدم بعضها مثل الحاسب الآلي أو الحاسوب، أو المذياع، أو القادح، أو السيارة، أو الطائرة، أو القطار، وغيرها من الكلمات، لكن هناك الكثير الذي يحتاج إلى التعريب، ونشره بطريقة تكثر من تداوله، حتى وإن وضعت قوانين تجبر وسائل الإعلام على استخدام تلك المفردات.

أما الشمقمقية التي ربطناها باللغة العربية، فهي أرجوزة لرجل مغربي اسمه ابن الونان، كان والده من جلساء السلطان، محمد بن عبد الله أحد سلاطين المغرب العلويين، وكان يفهم بالإشارة ما لا يفهمه غيره بصحيح العبارة، حتى أنه يجيب عما يكتبه الكاتب على أعضائه في الظلام، وعما يرقمه الراقم في الهواء نهاراً من الكلام، من غير أن يبطئ في الجواب، ويخطئ بعين الصواب، كما يقول الحريري: وهي أرجوزة صعبة بها من حواشي الكلام الكثير، والاستدلال بها هنا، لتعريف القارئ الكريم، أن اللغة بها من الكلمات غير المتداولة، ما يفوق ما يتداول بكثير، وأنه يمكن الرجوع إلى تلك المفردات لتطبيقها على معاني المخترعات، فنحفظ اللغة، ونستجلب مجهولها، وتتجنب لغات غيرها إلاّ في حدود الحاجة.

ومثال على ما جاء في تلك الأرجوزة، قول قائلها:

وكُن نَديمَ الفرْقَدين تنجُ من

مُنقصٍ، ومِنْ طُرُوِّ الرَّنَق

والطرو، هو حدوث الشيء، من طرأ، والرّنق: أي الكدر، والفرقدان: كوكبان يدوران على القطب الشمالي قريباً منه، ويضرب بهما المثل في طول الصحبة.

ويقول في الناقة:

كأنها لم تكُ قَبْلُ انتخبتْ

من كُلِّ قرْواءَ رَقُوبِ فُنُقِ

دَوْسرَةِ، هوْجاءَ وَجْنا، ما بها

ن نَقَبٍ ومنْ وَجى وَسَلَقِ

ناقة قرواء: طويلة السنام، ورقوب: لا تدنو من الماء عند الزحام لكرمها، وفنق: فتية منعمة، ودوسره: ضخمة وهوجاء، سريعة حتى كان بها هوجا أي حمقا، ووجناء، عظيمة الوجنتين، والنقب، رقة خف البعير، والسلق: أثر الجرح، وهذا وصف لما كانت عليه من الحسن والجمال قبل أن يحل بها البلاء والنكال، فما أسرع ما تتبدل الأحوال. هذه لغتكم فهل فهمتموها؟.

 

نوازع
اللغة العربية والشمقمقية
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة