ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 21/12/2012 Issue 14694 14694 الجمعة 08 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

لكي ندرك عظم ما أدخلته القرون الوسطى للفقه الإسلامي على الشرع مما ليس منه، هو معنى بعض عبارة سمعتها من الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وهو يشرح الروض المربع (وهو من كتب فقه الحنابلة)، وقد كثرت فيه الآراء الفقهية المخالفة للنقل الشرعي وللعقل. وصف الشيخ ابن عثيمين للفقه من بعد القرون الثلاثة الأولى عن طريق تشبيهه بالقرون الوسطى وصف بليغ جامع داعي للاعتبار والتفكر. فمصطلح القرون الوسطى هو وصف لحال الجهل والتقليد والتغييب التي يصف الغرب بها حالهم عندما كانوا بين أذناب الأمم.

وقد نقلت جريدة الحياة ما نصه « أكد الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدكتور صالح المرزوقي لـ»الحياة» أن المجمع لا يبت قضايا سبقت مناقشتها من قبل هيئات أو مجمع فقهي» ثم أورد شواهد على جمود المجمع الفقهي على قرارات أصدرها من قبل ثلاثين عاما تقريبا، ويرفضون إعادة النظر فيها. ومعنى كلامه أن سياسة المجمع الفقهي هو التقليد المحض للقرون الوسطى للفقه حتى في منهج الجمود، وليس في فقهه فقط. ولا يخفى على أحد مقدار المتغيرات التي حدثت في العقود الثلاثة الماضية. وعظم مقدار التحول الهائل في فهم الفرد العادي في شعوب الدول المتقدمة بسبب عدم تغييب عقله عن فهم الأثار والتطبيقات العملية لهذه المتغيرات، مما جعل لأممهم الصدر دون العالمين من الشعوب. فالأمم لا تنهض بفكر وابتكارات نوابغها وعلمائها ولا تنفعهم ما لم تفهم الشعوب هذا الفكر وهذه الابتكارات فتنقلها إلى واقع التطبيق ليساهم المجتمع كله في الفهم والتطوير.

ومما استشهد الدكتور المرزوقي به على اتباع المجمع لمنهج القرون الوسطى قوله «كما ناقش المجمع في دورته الثالثة عام 1986، مسألة أحكام النقود النقدية وتغيير قيمة العملة، إذ خرج بتوصيات تعلقت بالإقرار أن النقود الورقية بصفتها الاعتبارية الثمنية يطبق عليها ما يطبق على الذهب والفضة من أحكام شرعية». وقبل ثلاثين عاما لم يكن مفهوما بعد أن انفصال العملات على الذهب قد أخرج الذهب تماما عن الثمنية. ولذا أتت في تلك الدورة بعض أبحاث العلماء، التي أبطلت هذا القياس ورأت عدم ربوية النقود - كبحث الدكتور الشيخ محمد الأشقر -، تدور حول الاختلاف بين الذهب والنقود الحديثة في حفظ القيمة وكونها مستودعا للثروة. ولكن الشيخ الأشقر ومن معه عجزوا عن التكييف الصحيح للنقود فقالوا إنها عروض تجارة، فلم يلتفت المجمع إلى قولهم. فقد كان الحكم بربوية النقود مُقررا إثباته قبل البحث في الأدلة. ولذا لم يُبحث في حقيقة ما وراء هذه الظاهرة التضخمية ليتوصلوا إلى أن الذهب بنفسه لم يعد ثمنا، وأن تكييف النقود الصحيح هو أنها أثمان جوهرا وحقيقية لا عروض تجارة. (ولذا لم يتوصل المجمع إلى حل لتقلب قيمة النقود وانخفاض أسعارها الذي كان هو موضوع البحث وأجلوا البحث فيه). وأما اليوم فلا يقول عاقل بأن الذهب والفضة أثمانا تُسعر بها الأشياء وتكون وسائط للتبادل بنفسها أو بما يمثلها، كالنقود قبل 1973م عندما كانت مرتبطة بها. ولو انتبهوا لهذا لما أصبح هناك خلاف، ولأصبحت حجة الشيخ الأشقر- رحمه الله- ومن معه قوية لا مخالف لها. فكيف يرفض المجمع الفقهي اليوم إعادة البحث في قرار صدر عنه قبل ثلاثين عاما اعتمد فيه على حجة لا يختلف اليوم على بطلانها عاقلان مسلمان. فلا يوجد في الشرع ما ينص على أن الأثمان من الأموال الربوية ولا يوجد من الأموال الربوية اليوم ما هو ثمن، فكيف يستنبط قياس فرع على أصل بعلة غير موجودة في الأصل. ولو أنه جاءنا من يلتبس عليه قياس الشبه اللفظي بقياس العلة فظن أن علة التحريم بالرضاع هو مطلق الحليب فجعل إخوة الرضاع تثبت في الحليب المُصنع لاتحاد المسمى، لكان قوله أقرب منطقا ممن يقول بربوية النقد بالثمنية قياسا على الذهب والذهب ليس ثمنا. وهل يحتاج المسلمون إلى عالم أو شيخ أو مجمع فقهي ليبين لهم بلا خلاف خطأ من يقول إن علة تحريم الخنزير هو الطيران، فكل طائر اليوم حرام أكله. فالخنزير لا يطير فكيف تستنبط علة الطيران من منصوصعليه بالتحريم مما ليس فيه. فالذهب ليس ثمنا فكيف تحرم الأثمان بالثمنية وهي غير منصوص عليها.!!!.

من أسباب موانع الفهم أن أكبر المسائل المعقدة لقرون فضلا عن أعوام، قد تُحل ببساطة، فترفضها العقول لبساطة حلها. وغالب تطور العلوم بأنواعها يأتي بسبب حل بسيط يكشف عن أصل المسألة المعقدة فيغير اتجاه التفكير بالكلية في ذلك العلم. ومن ذلك الجاذبية، فكل يرى سقوط الأشياء فعندما حُلت المسألة ببساطة بأنها الجاذبية، قفز علم الفيزياء مغيرا اتجاهه قفزة نوعية وكمية هائلة. وهكذا هي علة الثمنية. بطلانها واضح، إلا أن يكون الطيران علة لتحريم الخنزير محلا سائغا للخلاف والرأي.

بساطة الحل لها جانب في عدم فهم بديهيته، ولكن الجانب الأصعب في الفهم في مسألة ربوية النقد هو بسبب التبعية العقلية المطلقة لرجل الدين واستسلام عقول المسلمين له، فالمسكوت عنه أننا لسنا بحاجة إلى أن يُغير المجمع الفقهي منهج القرون الوسطى الذي يتبعه في عدم مراجعة لقراراته القديمة التي تغيرت معطيات استنباطاتها أو قد بان خطؤها، بل نحن بحاجة إلى أن يخرج المسلمون عن التبعية لرجل الدين الذين رضوا بأن تغييب عقولهم وتكذب أعينهم ويحرف دينهم الواضح أمام قوله ورأيه. وصدق عليه السلام «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»، لكنه دين محمد عليه السلام، وفقه أصحابه لا فقه العصور الوسطى وفتاوى المجمع الفقهي المتكلسة قبل ثلاثين عاماً.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem
 

المسكوت عنه
المجمع الفقهي ومنهج القرون الوسطى
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة