ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 23/12/2012 Issue 14696 14696 الأحد 10 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وفقاً لما نشر مؤخراً في بعض الصحف اليومية؛ فإن مواطناً كان في نزهة برية مع أسرته؛ قاده نباح الكلاب إلى العثور على طفل رضيع، تركته يد مجهولة يصارع الموت والجوع والبرد القارص في الخلاء.. الكلاب على ما يبدو اغتاظت من هذه الحالة غير الإنسانية، فراحت تحوم حول الطفل

الرضيع وهي تنبح؛ استنكاراً وتنبيهاً لمن في قلبه رحمة من بني البشر..!

هذا الموقف الرحيم العجيب من حيوان حقير في عيون الناس، الذين طالما شبهوا به من يكرهون ويحتقرون من بني جلدتهم، ذكرني بهذه القصة العجيبة التي قرأتها منذ زمن بعيد: خرج رجل من أهل البصرة مع شقيقه وجاره إلى ظاهر البصرة لينتظروا قدوم تجارة له، فأتبعه كلب له، فطرده وضربه وقد كره الرجل أن يتبعه، ثم رماه بحجر فأدماه، فأبى الكلب إلا أن يتبعه، فلما وصل إلى موضع معين؛ وثب به قوم كانت لهم عنده طائلة، فهرب جاره وأخوه وتركاه، فجرح جراحات كثيرة، ورموه في بئر وحثوا عليه بالتراب حتى واروه، ولم يشكوا في موته، والكلب مازال يكر عليهم وهم يرجمونه، فلما انصرفوا؛ أتى الكلب إلى رأس البئر، فلم يزل يعوي ويبحث بالتراب بمخالبه حتى ظهر رأس صاحبه وفيه نفس يتردد، وقد كان أشرف على التلف، ولم يبق فيه إلا حشاشة نفسه، ووصل إليه الروح، فبينما هو كذلك؛ إذ مر أناس فأنكروا مكان الكلب، ورأوا كأنه يحفر قبرًا، فجاءوا؛ فإذا هم بالرجل على تلك الحال، فاستخرجوه حيًا وحملوه إلى أهله، وأطلق على ذلك الموضع بعدها بئر الكلب.

وقيل بأن هذا البيت الشعري هو في هذه القصة العجيبة:

يعرض عنه جاره وشقيقه

ويرغب فيه كلبه وهو ضاربه

هذه القصة وغيرها كثير، وردت في كتاب ظريف لطيف، كنت قد قرأته منذ عدة سنوات بهذا العنوان: (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، للإمام العلامة الإخباري أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان البغدادي، صاحب التصانيف الماتعة في التفسير وعلوم اللغة والأدب والشعر، وهو من طبقة الإمام ابن جرير الطبري، وتوفى معه في نفس العام 310 هجرية، ويرد اسم الكتاب عند بعض المؤرخين هكذا: (تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، والأول أصح كما أعتقد، وهو رسالة أدبية رصينة، أورد فيها العديد من المواقف والأخبار والآثار والأشعار التي وردت في عجائب وطرائف أحوال الكلاب مع الناس. ومنها على سبيل التفكر والاعتبار في مثل هذا الموقف البشع:

1 - روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً قتيلاً فقال: (ما شأن هذا الرجل قتيلاً)؟ قالوا: يا رسول الله، وثب على غنم أبي زهرة فأخذ شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قتل نفسه وأضاع دينه وعصى ربه عز وجل وخان أخاه، وكان الكلب خيرًا من هذا الغادر). ثم قال: ( أيعجز أحدكم أن يحفظ أخاه المسلم في نفسه وأهله كحفظ هذا الكلب ماشية أربابه).

2- رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعرابيًا يسوق كلبًا فقال: ما هذا الذي معك؟ قال: يا أمير المؤمنين، نعم الصاحب؛ إن أعطيته شكر، وإن منعته صبر، فقال عمر: نعم الصاحب فاستمسك به.

3 - ورأى ابن عمر رضي الله عنهما مع أعرابي كلبًا فقال: ما هذا؟ قال: من يشكرني ويكتم سري، قال: فاحتفظ بصاحبك.

4 - قال ابن عباس رضي الله عنهما: كلب أمين؛ خير من إنسان خئون.

5 - قال الأحنف بن قيس: إذا بصبص الكلب فثق بود منه، ولا تثق ببصابص الناس، فرب مبصبص خوّان.

6 - مرّ والي أرمينية على إحدى قرى الإقليم، فوجد بها قبرًا عليه قبة مبنية كبيرة مكتوب عليها: (هذا قبر الكلب)، فسأل عن خبرها، فدلّه أهل القرية على شيخ كبير فسأله عن الخبر فقال: كان في هذه الناحية منذ سنوات طويلة ملك عظيم الشأن، وكان مشهورًا بالصيد والنزاهة، وكان له كلب قد ربّاه، فخرج يومًا إلى متنزهاته وقال لطباخه: اصنع لي ثريدة لبن فقد اشتهيتها، وخرج إلى متنزهاته، فصنع له الطباخ ثريدة عظيمة، ونسي أن يغطيها بشيء، فجاءت حية من بعض الشقوق، فكرعت من ذلك اللبن، ومجت في الثريدة من سمها والكلب رابض يرى ذلك كله، ولا يستطيع ردها، وكان عند الملك جارية خرساء قد رأت الأمر كله، فلما رجع الملك من الصيد؛ طلب الثريدة ليأكلها، فنبح الكلب بشدة وصاح، فلم يلتفت إليه، فرموا إليه ببعض الطعام فلم يقربه، ولج في الصياح، فلما رأى الملك يمد يده إلى الثريدة، وثب إلى وسط المائدة وأدخل فمه في اللبن وكرع منه، فسقط ميتًا، وتناثر لحمه، فبقي الملك متعجبًا مما جرى، فأومأت الجارية الخرساء إليهم فعرفوا القصة، فقال الملك لغلمانه وحاشيته: قد فداني بنفسه، لحقيق بالمكافأة، وما يحمله ويدفنه غيري، وبنى عليه قبة، وكتب عليها الخبر.

7 - كان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم، شديد المحبة لهم، فعبث أحدهم بزوجته وبعث إليها وراسلها، فعلقت به، وكان للحارث كلب رباه، فخرج الحارث في بعض متنزهاته ومعه ندماؤه، فتخلف عنهم ذلك الرجل، فلما عاد الحارث إلى منزله وجد نديمه وزوجته معاً في الدار؛ وقد وثب عليهما الكلب فقتلهما، فعرف الحارث القضية، وأوقف ندماءه على ذلك ثم أنشأ يقول:

وما زال يرعى ذمتي ويحوطني

ويحفظ عرسي والخليل يخون

فيا عجبًا للخل يهتك حرمتي

ويا عجبًا للكلب كيف يصون

ما أكثر الحوادث المفجعة، والقصص المحزنة، التي نسمع بها ونقرأ عنها في الصحف، والذي يقف وراءها بعض الناس ممن تحجرت قلوبهم، فلا رحمة، ولا رأفة، ولا وفاء، فليسوا هم من بني البشر، ولا حتى تعلموا من بعض الحيوان رحمته ورأفته ووفاءه.

مما ينسب لأبي العباس الأزدي قوله، وقد صدق والله:

لكلب الناس إن فكرت فيهم

أضر عليك من كلب الكلابِ

لأن الكلب تخسؤه فيخسا

وكلب الناس يربض للعتاب

وإن الكلب لا يؤذي جليساً

وأنت الدهر من ذا في عذاب

H.salmi@al-jazirah.com.sa
alsalmih@ymail.com
 

فضل (الكلاب).. على كثير مِمَّن لبس (الثياب)..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة