ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 24/12/2012 Issue 14697 14697 الأثنين 11 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا شك أن للشتاء نكهة خاصة، وللياليه حضوراً لافتاً في ذاكرة الإنسان على أرض الجزيرة العربية على وجه الخصوص.. فلليل الشتاء ألق وجداني يفوق الوصف، وليس أدل على ذلك إلا ما تواتر من قصص تثير الدهشة، وما ذكر من قصائد تؤكد أن للشتاء في حياتنا وقعا مؤثرا، وما قالته الشاعرة العربية “الخنساء” في رائيتها الشهيرة ليس بعيدا عن هذا المدلول؛ حينما حضر الشتاء مع الموت في ذكرى فاجعتها، حينما رثت أخاها صخراً:

- “ وإن صخراً إذ نشتوا لنحَّارُ”

وغيرها الكثير من عيون الشعر، وصادق الأخبار من تؤكد أن للشتاء هواجس إنسانية غاية في الإدهاش، بل إن ذاكرتنا الشعبية لا تزال تختزن الكثير من الصور المعبرة، والمواقف المأساوية، والرؤى المتداخلة في الألم في الكثير من القصص والحكايات والقصائد التي قد ندهش منها ونحن في هذا الزمن الحديث، لنتناولها وكأنها خيال، أو أساطير، ربما نحسب أنها وقعت منذ مئات السنين، مع أن بعض هذه القصص والأحداث وقع قبل عقود خمسة، ولاسيما حينما يجتمع مع هذا الشتاء فصول من الخوف، وموجات من البرد والتضور جوعا، بل ربما تكون وأنت الجائع طعاماً لهامة ما من هوام ليل الشتاء وسباعه.

فالشتاء العربي ولا سيما بلادنا والخليج يختزن في تضاعيفه رؤية سوداوية وألما وجدانيا، وحصارا للروح من ضوائق متعددة، إلا أنهم في آخر مراحل عنائهم يشيرون إلى قرب نهايات هذا الوجع البارد والهم القارس جداً، إذ يعدون الذات بأن ربيعاً ما سيأتي، وحياة اخضرار ستعم الخلائق والأمكنة.. فما بعد هَمّ البرد إلا فرج الدفء.

وحينما يقابله في القسوة والتسلط حالة الصيف وجفافه. وما العطش الأليم والسراب الخادع، وتغضن الحياة إلا رؤية تؤكد أن حياتنا على هذه الأرض التي عشنا فيها مع الأسلاف تعيش النقيضين الغادرين (حر) و(قر) .. فيما تبقى بعض السوانح لإطلالات ربيع عابر، وخريف ينذر كعادته بشتاء قارس يقف على الأبواب.

فأولويات شتائنا تتمثل في الاستعداد لكل ماله علاقة بالملبس الثقيل والخشن، ولا ننسى هنا سني (حراج البالات) في أيام خلت، حينما تتناثر الأصواف والملابس والأردية والأغطية، فلا ترى سوى أنها تساعد في التغلب على البرد، ولا شأن لك بالموضة أو الكشخة، أو التجمل في أيام شتائية قاسية.

أبرز ما تعمله في الشتاء هو البحث عن الدفء، لتَجِدَّ في طلبه، وتوفير أقصى درجات البحث عن مصدر للدفء فتقترب أكثر فأكثر من النار، ليتحول التوقد والوهج واللهب إلى رمز وجداني يقرب صورة الإنسان العربي وعلاقته الحميمة مع النار بوصفها الجالبة للدفء، والمؤنس له في وحشة الفيافي المقفرة.

ففي هذا الفصل تبرز أولوية التكافل الإنساني الذي يتطلب منا تلمس أحوال من حولنا في القربى وأهل البعداء، فمن بين أهلنا من يعاني ضيق اليد وقسوة البرد، والبحث عن أغطية وأردية ووسائل تدفئة، وفي بلاد أخرى ينتظرون يد العون ليتجاوزوا معاناتهم الإنسانية كـ”سوريا” وبعض البلاد التي يعجز بعض أهلها عن سد احتياجاتهم في هذا الشتاء الذي لا شك أنه يضاعف المعاناة.

ولكي لا تكون أولويات احتياجاتنا الشتائية من قبيل الترف والبحث عن ما هو جديد في المأكل والمشرب من قبيل الحنيني والزنجبيل، أو الركض في كل اتجاه لمطاردة أخبار المطر والربيع، والبحث عن كل ما يشبع الفضول، فمن باب أولى أن تشعر بأن الشتاء حالة إنسانية قاسية على البعض، فيجدر التعامل معها بوعي من خلال واجب ديني وإنساني نبيل، يعكس حاجتنا للتكافل والتراحم والتواد في هذا الفصل الثقيل والقارس، وفي كل الفصول.

hrbda2000@hotmail.com
 

بين قولين
الشتاء العربي
عبد الحفيظ الشمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة