ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 25/12/2012 Issue 14698 14698 الثلاثاء 12 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وأي اختلاف لا تسوده الثقة، والمحبة، والرغبة في إحقاق الحق. ولا يديره العلماء المتمكنون علماً وتأصيلاً، يعد اختلافاً مُضِراً بمصلحة الأمة. وكم هو الفرق بين الحوار والتنازع. والجدل والمناكفة. ونشدان الحق، وطلب الانتصار. والاختلاف في الفروع وضرب الأصول. وتحرير المسائل والقدح في المبادئ.

إن ما نسمعه من الرويبضات والمتفيهقين لا يعدو كونه فحيح أفاع، واستهزاء بالله ورسوله وآياته، وخوض في قضايا الأمة المصيرية بغير علم. وكم من متعالم يقع في نواقض الإيمان، من حيث لا يحتسب، وحين تعظه، يستغشي ثوبه، ويصر، ويستكبر استكبارا. ومن الخطأ الفادح عَدُّ المماحكات الفارغة من الاختلاف المثري للمعارف.

ووسائل الاتصال والإعلام تفيض باللجاجات والتفاهات والمكابرات. وفقد المرجعية كفقد القائد أو كسقوط الراية عندما يحمى الوطيس، وبوادر ذلك واضحة للعيان، والله المستعان.

إن الاختلاف ظاهرةٌ أزلية، والخطورة ليست في وجوده، بل في إدارته، وتصوره. والذين يتهافتون عليه، وهم فارغون من كل محققاته ومقوماته، يُعمِّقون هوة الخلاف، ويزرعون الضغائن والأحقاد، ويُصَدِّعون وحدة الأمة، ولا يزيدونها إلا خبالاً، ويفرقون دينهم شيعاً. وما كان العلماء الربانيون من هذا الصنف، وإن اختلفوا. إن للاختلاف دواعيه، وضوابطه، ومؤهلاته. ومن تلبس به خالياً من ذلك، زاد في ضعف الأمة، وتفرق كلمتها. ومن لم يَرْعَ أهمية وحدتها الفكرية، وتلاقي أطيافها على كلمة سواء، يكون من جناة الفتن، ومن المصطلين بحرها. وما نراه، ونسمعه من تناج آثم، عبر الصحف، والمجلات، والقنوات، والمواقع، ليس من الاختلاف المقبول، الذي يجذر المعلومات، ويكشف عن الحقائق، ويجدد الدين. ولا سيما أن الأمة من الضعف، والتفكك، وتسلط الأعداء، بحيث لا تحتمل مزيداً من المناكفات بين أطيافها.

إن هناك مساحات مشتركة، وأهدافاً متناغمة، ونوايا حسنة، ومقاصد سليمة، لا نشك بأنها مشاعة بين الأطياف. ولوْ هُيِّءَ للأمة من يحسن إدارة الاختلاف، لكان بالإمكان ترشيد مساره، وضبط إيقاعه، والمصير به إلى إحقاق الحق، والتفاف الأمة على المتفق عليه، والتعاذر فيما اخْتُلف حوله، وليس بعزيز على مفكري الأمة، وعلمائها، تجسير الفجوات، والتقريب بين وجهات النظر، وحسن الظن بالجميع، والجنوح إلى السلام، والتعاذر، والتعايش، وتوسيع رقعة القواسم المشتركة.

وتراث الأمة مليء بكتب الاختلاف، وضوابط الاجتهاد، وإذا اشتدت الأزمات في فترة من الفترات، بادرها العقلاء الحريصون على جمع الكلمة، ورأب الصدع، فطمأنوا النفوس، وجمعوا بين الأشتات، وأشاعوا الثقة، وحَكَّموا المؤسسات، وغلَّبوا مصلحة الجماعة على انتصار الأفراد.

لقد اختلف الفقهاء، والمتكلمون، وعلماء التفسير، والحديث، والنحو، وسائر العلوم، ورصد كلُّ عالم رؤيته في كتب، يتداولها العلماء، عبر القرون، وأصبحت مصدر علم ومعرفة، وسبباً في إثراء الحضارة، وخصوبة التراث. وكم نود لو أن علماء العصر اتخذوا من سلفهم قدوة حسنة، فاجتهدوا في تحرير مسائلهم، وتحقيق مذاهبهم، وأفاضوا بها إلى الناس، دون تنازع أو سباب، أو استخفاف بالخصوم.

ولقد تكون التيارات والظواهر الحديثة من أسباب تصدع وحدة الأمة فكرياً، وعلينا لكي نواجه قدرنا العصيب أن نتعرف على بواعث الاختلاف ودواعيه، وأن نتجنب تزييف الحقائق، إن ظاهرة الاختلاف عند السلف تتعلق باختلاف المفاهيم، ولكنها الآن تنبعث من اختلاف الانتماءات، والتسليم لمحدثات الأمور من المبادئ والأحزاب. ولقد يكون القول بأن مثل هذا الاختلاف مشروع من تزييف الحقائق، إن ما نشاهده ونسمعه صراع تيارات [علمانية] متحللة و[لبرالية] متحررة و[سلفية] موغلة في الدين بغير رفق و[مادية] مُتَحَيْوِنَة، ومن وراء ذلك كله مصالح متعارضة و[استراتيجيات] متناحرة، تمدها بالغي، وإذا لم تُنْزع الأقنعة، وتُنَحَّى التَّقِيَّة، فإن الأمة ستتآكل، ثم تفشل، ثم تصبح خبراً بعد عين.

إن ما نسمعه من لجاجة، تصم الآذان، وتغثي النفوس، وتوتر الأعصاب، لا يعدو أن يكون لغواً تفرزه ثقافة التذيل للآخر، والتنكر للمبادئ، وليس هو من الاختلاف الناتج عن تباين المفاهيم، وتعدد التصورات، وتنوع التأويلات. وما أحوج الأمة إلى العلماء المتضلعين من المعارف، المتوسلين بالمناهج، والآليات، المتحصنين بالقواعد والأصول، الرادِّين إلى الله والرسول وأولي العلم منهم، فذلك سبيل النجاة والنجاح.

والاختلاف الذي نتوسل به لتثوير النصوص، ليس هو بالاختلاف الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، حين خط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخطين عن شماله، ليوضح الصراط المستقيم، وليس هو ممن حذر منه بقوله :-[فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم]. وليس هو من أخلاقيات أولئك القوم الذين تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته.

وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بافتراق الأمة دليل على حتمية الاختلاف. ولقد تصدى العقلانيون لذلك، وأنكروا الحديث، وعللوا لإنكارهم بما يتماهى مع معطيات العقل المستقل عن النقل. وتلك رؤية مرجوحة، تولَّى كبرها المفكر الوجودي [عبدالرحمن بدوي].

ولسنا بصدد تقصي حيثيات رؤية العقلانيين، ولكننا نود أن يفرق الراصدون للاختلاف بين ما هو ممكن ومباح، وما هو خلاف ذلك، ولعل ما سبق من قول يحدد الرؤية التي أميل إليها، ويقضي على الاحتمالات.

وحديث الافتراق حَرَّض المتطرفين على تكفير الفرق الأخرى، بينما المقتضى اللفظي له يؤكد أن الفرق كلها لم تخرج عن مفهوم الأمة الإسلامية، وهذا ما ذهب إليه العلماء العدول الوسطيون.

وسبيل النجاة تحرير المسائل، وتأصيل المعارف، والانطلاق عبر المناهج، والقواعد، والأصول. وعدم الخوض في المجهول، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

 

... ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ... ! 2-2
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة