ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 31/12/2012 Issue 14704 14704 الأثنين 18 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لقد مضى أكثر من عامين على قيام أكثرية الشعب السوري بالهبة ضد النظام الذي ظل يتحكم بمصير ذلك الشعب أكثر من أربعين سنة، محكماً تسلطه بعدة جهات أمنية يراقب بعضها الآخر خدمة للنظام الكاتم للأنفاس، واحتياطاً لما قد يضعف من سيطرته وسطوته.

وقد ظلت الهبة المشار إليها ستة أشهر - على الأقل - سلمية الطابع رغم ارتكاب زبانية النظام جرائم فظيعة ضد المسالمين، تقتيلاً بشعاً لم يسلم منه حتى الأطفال، ناهيك عن الكبار، واعتقالات عشوائية وتعذيباً، بل وانتهاكات للأعراض.

وكنت قد كتبت عدة مقالات عن هبة أكثرية الشعب السوري وتعامل مختلف الجهات حيالها. ومن تلك المقالات مقالة عن تعامل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من تلك الهبة، عنوانها: (هل يرعى الأمين العام الأمانة؟).. ومما قلته فيها:

لقد مضى عهد السيد عمرو موسى في الأمانة العامة للجامعة بإيجابياته القليلة وسلبياته المتمثلة في قرارات زعماء تدل على العجز.. وبعد مضي ذلك العهد جاء عهد نبيل العريب، وأبرز ما واجهت هذا الأمين الجديد الكارثة الحالية في سورية المنكوبة. ومن بداية تعامله معها ظهر لي أنه ينطبق عليه المثل النجدي القائل: (الليلة الظلما تبين من عشاه). فبعد أشهر من استمرار المجازر المرتكبة في سورية ذهب إلى هناك ليعود وما في جعبته إلا مجرد قول: (إن الرئيس السوري وعد بإصلاحات)، ولم يشر إلى وعد بإيقاف المجازر الفظيعة، وإن كان وعد المستبدين غير مضمون الوفاء. وكان من أدلة انطباق ذلك المثل النجدي على الأمين الجديد أنه حين تقرر إرسال مراقبين من الدول العربية للاطلاع على ما كان مستمراً من ارتكاب المجازر تمثل موقفه في أمرين كل منهما بعيد عن العدل والعقل: اختياره لرئاسة المراقبين رجلاً غير مؤهل لحمل المسؤولية المسندة إليه، وقوله: إن مهمة المراقبين ليست معنية بما جرى في سورية قبل وصولهم إليها، متجاهلاً ما ارتكبه المجرمون من مجازر أشهراً عدة ضد من كانوا مسالمين لم يلجأ المقتدرون منهم إلى حمل السلاح دفاعاً عن المعتدي عليهم إلا بعد اليأس من وقوف تلك المجازر أو إيقافها.

وكان أن عين السيد كوفي عنان مبعوثاً من الأمم المتحدة للتعامل مع ما كان يجري في سورية. وأعلن عما سمي بخطته التي تضمنت بنوداً واضحة لم ينفذ واحدة منها، ومن بينها وقف المجازر المرتكبة، التي يعلم الكثيرون من يرتكبها، لكن المجازر لم تتوقف، بل ازدادت وحشية واتساعاً. واتضح أن تلك الخطة لم ينتج عنها، واقعياً، إلا إطالة عمر النظام المرتكب للجرائم. وكان إبداؤه لرأيه حول المجازر المرتكبة يكون محصوراً في تعبيره عن (القلق) مسمياً التقتيل والتدمير (عنفاً)؟ غير ذاكر من المسؤول الأكبر عما يرتكب من جرائم، ووجوب معاقبته على جرائمه، ومن الذين يقفون إلى جانبه، تسليحاً وتمويلاً ومساندة سياسية.

وكنت قد كتبت مقالة قبل ستة أشهر ونصف الشهر بعنوان: (يكاد التباطؤ يكون تواطؤاً). ومما ورد فيها: (على أن خطة عنان فشلت، كما ظل هو فاشلاً في الإعلان عن الجانب المستحق للتجريم والمعاقبة. وهو بذلك الموقف قد برهن -مع الأسف- على انحيازه إلى جانب الظالم وأعوانه، وذلك بمطالبته أن يكون لإيران دور تجاه ما يجري في سورية، وهو يعلم -كما يعلم غيره- أن من غير الممكن التفريق بين موقف النظام في ذلك البلد المنكوب وموقف النظام الإيراني المؤيد له كل التأييد، معنوياً وسياسياً ومادياً وتسليحياً.

وبعد فشل عنان في مَهمَّته، التي لم ينتج عنها إلاَّ ما يمكن وصفه بأنه إطالة لعمر النظام المرتكب للجرائم، تَولَّى القضية من هو ليس من المتواطئين ببعيد إن لم يكن أحرصهم على التواطؤ. بل إن موقفه يَدلُّ - حتى الآن - على أنه أسوأ من موقف السلف. فأغلب وصفه للجرائم التي تزداد بشاعة وعنفاً يوماً بعد آخر، مُجرَّد تصريحات بأن ما يجري أزمة لا يمكن حلُّها إلاَّ بجلوس قادة النظام وزعماء الثائرين ضده على طاولة المفاوضات؛ أي أن يُرغَم المظلوم على تَقبُّل الظلم؛ مُتجاهلاً ما ارتكب الظالم من تقتيل بشع وتعذيب فظيع وتدمير شنيع. بل إنه أدمن ترديد تحذيراته بأن زوال النظام السوري سَيؤدِّي إلى كارثة تحيق بالمنطقة كلِّها لا بسورية وحدها. والمتابعون لمجريات الأمور يدركون أنه لو كان هناك موقف جاد من قِبَل دول العالم القوية؛ وبخاصة أمريكا، لما استمر ارتكاب الجرائم أكثر من عامين ذهب في أثنائها أكثر من أربعين ألف نفسٍ؛ شيوخاً وأطفالاً، رجالاً ونساء، ولما دُمِّر ما دُمِّر من الوطن السوري؛ حضارة عمرانية وبنية أساسية، ولما تَشرَّد مئات الآلاف لاجئين إلى الأقطار المجاورة لسورية وأكثر منهم داخل الأراضي السورية نفسها.

على أن كاتب هذه السطور - وهو مُجرَّد مواطن مكلوم من وضع أُمَّته - يرى أن السبب الجوهري وراء تباطؤ الدول القوية؛ لا سيما أمريكا، أو تواطئها، في عدم اتِّخاذ موقف جاد تجاه الجرائم المرتكبة في سورية هو أن قادة الكيان الصهيوني - كما قال مندوبهم إلى مؤتمر عُقِد في أوروبا بعد بدء الهَبَّة السورية بأسابيع قليلة - درسوا الوضع دراسة دقيقة، فَتوصَّلوا إلى أنه ليس من مصلحة ذلك الكيان زوال النظام السوري حينذاك. لقد صَرَّحت أمريكا في بداية الأمر؛ نفاقاً، أنها تَعدُّ نظام الأسد أصبح فاقد الشرعية، لكنها لم تقم بأيِّ عمل يَدلُّ على شيء من صدق قولها. ثم تحايل المتواطئون مع مرتكبي الإجرام لتزويق تواطئهم بمطالبة النظام السوري بسحب قواته من داخل المدن السورية فما الفائدة من هذا وهو الذي راح يقصف المدن بمختلف أنواع الأسلحة الفَتَّاكة؟ بل إنه استمرأ قصفها بالطائرات الحربية. ولم يبق من الأسلحة ما لم يستخدمه حتى الآن؛ رسمياً على الأقلّ، إلاَّ السلاح الكيماوي. ولأن استخدامه قد لا يقتصر على الفتك بالسوريين داخل وطنهم؛ بل قد يمتد إلى الإضرار بالصهاينة المحتلين لفلسطين المجاورة لسورية بدأ شيء من التحرُّك الأمريكي الحذر.

لقد أشرت في مقالة الأسبوع الماضي إلى تدمير سورية ما شاء لها أعداؤنا أن تُدمَّر. فهل وصل الكيان الصهيوني إلى اقتناع بأن ما تَحقَّق له حتى الآن من مكاسب تَمثَّلت في ذلك التدمير كاف؛ مرحلياً على الأقل، لإعطاء البيت الأبيض إشارة للتحرُّك؟ ما يُروَّج له الآن من مبادرات سياسية هنا أو هناك على ألسنة مسؤولين أغلبهم لا يُكنُّون وُدّاً لأُمَّتنا وسماسرة للمتواطئين مع المجرمين من أبناء هذه الأمة - مع الأسف-؛ سواء كانت ألوانهم سوداء أو خضراء، فيه ما فيه من دلالات للمُتأمِّل في مجريات الأحداث. على أني أؤمن إيماناً عميقاً بأن الله غالب على أمره، وأنه عزيز ذو انتقام من المجرمين.

 

التواطؤ على ارتكاب الإجرام هو الأبرز
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة