ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 28/01/2012/2012 Issue 14366

 14366 السبت 05 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا بد أن الكثير من الرجال في السعودية يسجدون لله كل يوم منّة وشكورا على أنهم خلقوا ذكورا مستقلين ذو أهلية شرعية وقانونية يستطيعون بها أن يديروا أمورهم حتى لو لم يتمكن بعضهم لمحدودية علمه أو عقله أو لقصور في خلقه أو لعلات عقلية أو شخصية أن يفرق بين حرف الألف وعمود التلفون.

المهم أنه قانونياً يتمكن من التدبر والتعبير ويستطيع إن أوتي ذكاء اجتماعياً أن يستغل ما يتاح له من فرص حتى لو بدت محدودة دون أن توقفه عقبات جنسه فيما لو كان امرأة عاقلة وبالغة ومتعلمة وتملك وظيفة ودخلاً جيداً وتدير بيتها وأولادها لكنها لا تملك من أمرها القانوني والرسمي شيئاً حتى لو كانت مستشارة في مجلس الشورى أو مديرة لجامعة.

كيف يمكن لأي من هؤلاء الذكور أن يدرك (قسوة) ما أقول إن لم يعش ذلك ويصدم به في ثنايا حياته اليومية. توفي زوج صديقتي المحاضرة في الجامعة وخلف أربعة أطفال أكبرهم دون الخامسة عشرة وتعثرت معاملاتها ومعاملات أطفالها المالية والقانونية إلا من خلال أحد إخوتها كمحرم لها وهم المشغولون بأسرهم وأعمالهم خاصة وأنه لا مجال في حياتنا المعاصرة المليئة بكل هذا الكم من التعقد والتنوع في البشر والمشارب أن نتوقع من أي كان وحتى لو كان في مرتبة الأخ أن يوقف حياته (ويراكض) لأجل هؤلاء القصر في البنوك والمدارس والمؤسسات الحكومية وكل ما تأمله صديقتي اليوم هو ليس أن تكون مستقلة بل أن يبلغ صغيرها الصبي الخامسة عشرة حتى يصبح وليها فتستطيع قيادته وتوجيهه لتدبر شأن العائلة؟؟ أية مذلة؟؟ هل يتصور أي منكم أن يكون في موقعها؟؟

وما الذي يحدث إذن للفقيرات وغير ذوات الحسب والنسب من النساء؟ ما الذي يحدث لأطفالهن وما جدوى فكرة المواطنة والرعاية المجتمعية؟؟ كيف يجبر القضاة طبيبة فوق الأربعين كما أشارت عكاظ في عددها الصادر يوم الأربعاء 25-1-2012هـ إلى العودة لأبيها بعد طلاقها وهي التي لم تره منذ طفولتها بعد تطليقه لأمها التي ربتها ولديه الآن أربع نساء ومنزل يكتظ بخمسة وعشرين طفلاً ولم يتذكرها إلا حين لاحظ ذيل الراتب في نهاية لقبها الوظيفي. هل يتخيل أي منكم أيها الرجال ممن تقفون حماة مدافعين عن هذه الأنظمة التمييزية أن يحرم أي منكم من جواز سفره أو من رؤية طفله أو من البر بوالدته أو من قضاء حاجاته اليومية بحكم أنه مثلاً أسود أو طويل أكثر من اللازم أو غيره من الحجج الاجتماعية التي تخترعها الثقافات لقبول التمييز ضد أبناء البشر.

يقول مثلنا الشعبي: (النار ما تحرق إلا رجل واطيها). أي أن النار لا تلسع إلا من يدوس عليها وهذه حالنا مع ثنايا النظام التمييزي ضد النساء. الصحف والمؤسسات الرسمية والمناهج تطبل لفكرة حماية وصون المرأة وتصدق النساء ذلك ولا تعرف أي منا هشاشة نظام الحماية هذا إلا حين تقع من جبل شاهق إلى القاع بوفاة زوج أو فقد أب حنون أو عضل شقيق أو غيره فمن يحمي النساء من سوءات النظام؟

ولم يقتصر التمييز علينا داخل البيوت بل عمل النظام على تأكيده حتى بعد أن ننتقل إلى ميدان العمل فلا نتمكن من العمل إلا بإذن ولا نحصل على نفس الدخل حتى لو تساوت المؤهلات إذ أظهرت الدراسات أن لكل ألف ريال يكسبها الرجل لا تكسب المرأة سوى 120 ريالاً فقط وأن تواجد المرأة في أماكن صنع القرار داخل المؤسسات العامة والخاصة لم يتجاوز 2% (كان صفراً حتى 2008). (لا زالت صفراً في الكثير من المؤسسات مثل العدلية والقضائية والسياسية). كما أن المخصصات الشهرية والمكافآت السنوية والفرص الاستشارية في القطاعين العام والخاص مجحفة جداً بحق النساء ولا تتجاوز 30% مما يعطي للرجل في أحسن الأحوال.

هذا الغياب عن مواقع صنع القرار أضعف قدرة المرأة على التأثير حتى في الأمور ذات الصلة بها وبأسرتها من خدمات صحية وبلدية ومدنية متنوعة، بل لم يسلم من التمييز حتى أستاذات الجامعة اللواتي (أكلن وابتلعن) ثمار التمييز هذه دون أن تنبس أي منهن بكلمة تذمر وذلك حين تم وبكل جراءة وبإعلانات ملأت الصفحات الأولى في جرائدنا الإعلان عن توزيع قطع أرض على أعضاء هيئة التدريس السعوديين في كافة مناطق المملكة دون أن يحدد شكل المخلوق الفضائي الذي ستمنح له الأرض إن كان رجلاً أو امرأة وكان قد صدر بذلك قرار سام بشأن توزيع هذه المنح منذ العام 1415هـ لكن النظام وأجهزته التنفيذية افترضت ضمنياً ونتيجة لتجذر فكرة التمييز لديها بأن من يستحق أو يحتاج المنح لا شك من الرجال فقط الذين ينظر لهم كأعضاء هيئة تدريس بل وتم تطييب خاطر من تم منحهم من الرجال الأعضاء سابقاً قطعاً من الأراضي تقل مساحتها عن 2500 متر والتي حددت في الأمر السامي (تصوروا من سيعيش ويدير ويستطيع تدبر كهرباء وصيانة هذه القطع الشاسعة)!! بأنه ستوزع عليهم قطع بديلة للتعويض!! في حين تم تجاهل كافة عضوات هيئات التدريس من النساء في الجامعات السعودية على أساس جنسهن حيث تم استثنائهن من منح الأراضي دون أدنى تبرير وحين سئل مساعد أمين مدينة الرياض حول ذلك أجاب بصدق وشفافية (أن الأمانة تقوم بعملية المنح وفقا لما يردها من المقام السامي من أوامر منح أراض وليس لها أي علاقة سوى التنفيذ)!!!!

سنرددها للمرة الألف حتى يستقيم هذا النظام العقيم: المرأة هي أمكم ثم أختكم ثم زوجتكم إضافة إلى حقيقة بسيطة أن العالم مخلوق فقط من نوعين من البشر: الذكر والأنثى وأنه لا يمكن لأي كيان اجتماعي طبيعي المعاش أن يقف باعتدال وصحة دون أن يتم احترام القيمة الإنسانية لكلا الطرفين مع احترام أدوار كل طرف والذي لا يقلل من القيمة الإنسانية لأي منهم ولنعمل على توفير سبل العيش الكريم المتوازي المبني على أساس العمل والجهد لا على أساس الجنس أو اللون أو الخلفية الاجتماعية أو المنطقة.. ألم تتعبوا بعد من التمييز؟؟ أديروا رؤوسكم قليلاً عن مركز الذات الذي يدور حول تمجيد ذواتكم المتضخمة كذكور، وانظروا حولكم وتمعنوا في أحوال النساء والأطفال من قريبات أو فقيرات يقصدنكن طالبات للمساعدة وتعالوا معا نحاول معالجة سوءات النظام؟؟

 

أنت حرمة.. لا قرض ولا أرض!
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة