ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 29/02/2012/2012 Issue 14398

 14398 الاربعاء 07 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من الرحلة إلى منطقة جازان لا أريد أن أفوت على نفسي وزملاء الرحلة فرصة التوجه بالشكر الجزيل وعميق الامتنان للدكتور محمد الصيادي الشهم الذي رتب لنا الرحلة إلى فرسان بحذافيرها وتابعها خطوة بخطوة فجاءت مكتملة التنظيم كاملة الفائدة والإمتاع.

في صباح اليوم التالي غادرنا فرسان مستخدمين الفالوكة الصغيرة لمحاولة كسب الوقت وسارت الأمور على ما يرام رغم الهزات والخضات فوق الأمواج. محطتنا التالية كانت جبال فيفا. استلم مشكورا قيادة السيارة عند نقطة التفتيش قبل الصعود عموديا ذلك الشاب المهذب يحيى بن عيسى بن حسين الفيفي للتعامل المتمرس مع المنعطفات الضيقة الحادة ومفاجآت الطريق المشترك بين الصاعد والنازل والمواجهات المحتملة مع قوافل القرود العابرة جيئة وذهابا.

الانتقال من زرقة البحر المتموج خلال السهل المنبسط عبر مدينة صبيا إلى أوكار الصقور في جبال فيفا الشاهقة ينقلك خلال ساعتين عبر كل أنواع التضاريس الجغرافية المتجاورة. عرفنا أن المهمة الأساسية لنقطة التفتيش أسفل جبال فيفا هي قطع الطريق على تهريب القات، تلك النبتة الخبيثة التي تلحق أضرارا اقتصادية وصحية وزراعية فادحة في مناطق استنباتها وبساكنيها.

نظرة بانورامية من قمة الجبل تجعل الزائر يشهق لجلال المنظر ولكفاح الأهالي هناك وصبرهم على نقل مواد البناء من السهل إلى أعالي القمم لبناء عمائر متعددة الأدوار والقيام بحركة اقتصادية نشطة في شوارعهم الجبلية الضيقة واستزراع مدرجات نحيفة مستقطعة من حواف الجبال والتأقلم المعيشي في بيئة صخرية شحيحة التربة والأوكسجين. أهل جبل فيفا أساتذة في التغلب على الصعاب البيئية، والدولة أدت واجبها في تثبيتهم هناك من خلال إيصال الكهرباء والتعليم الأساسي والخدمات البلدية والأمنية. من المستبعد على المدى القريب إيجاد خدمة طبية فعالة في تلك البقعة القابعة في كبد السماء. إمدادات المياه تتم بنقلها بالصهاريج من السهل عبر الطرق الجبلية إلى الأعلى، وانقلاب صهريج في الطريق قد يسبب كارثة حقيقية. التركيز على توسعة الطرق وتحديثها وإنارتها وتأمينها بحواجز ضد الانهيارات الصخرية سوف يجعل الاستفادة من خدمات مدن السهل الواقع في الأسفل أكثر أمنا وجدوى. لم نمكث في تلك العلالي طويلا، وقد شعرت شخصيا بنقص الأوكسجين في الهواء وتكتمت تفاديا لاستثارة الهلع بطريقة العدوى الإيحائية. الطريق من فوق إلى تحت كان أسهل كثيرا، مما خفف من علامات الرعب في وجه أحد أصدقاء الرحلة الذي يعرف نفسه جيدا فأتاح له الانصراف إلى تصوير تجمعات القرود المصطفة على جانب الطريق للتفرج على الصاعدين والنازلين بكل برود ولا مبالاة.

المحطة التالية بعد الجبل كانت مدينة صبيا التي تغزل بها شاعر المنطقة إبراهيم خفاجي في فائيته الشهيرة : مثل صبيا في الغواني ما تشوف. صبيا مدينة سهلية صغيرة وجميلة ذات غطاء نباتي متنوع يجعل هواء المدينة مشبعا برائحة الفل والكادي والعطور الطبيعية. كرم الضيافة عند أهلها يجل عن الوصف ولن أزيد على ذلك تفاديا للاتهام بالمجاملة والنفاق.

احتدم النقاش مع أهل صبيا حول الأضرار التي أحدثها سد وادي جيزان في أراضيهم الزراعية حسب ما فهمت منهم. يقولون إن المحاصيل التقليدية الاستراتيجية (القمح والذرة والدخن والسمسم) انقرضت واستبدل بها المانجو والموز والباباي. هذه أنشطة زراعية غريبة على المنطقة وقليلة الأهمية للأمن الغذائي، علاوة على كونها طارئة على ثقافة المزارعين وعلى التربة وكثيرة الآفات. السبب في هذا الانقلاب الزراعي البيئي هوحبس الري الطبيعي القديم من الوديان والروافد لأن سد وادي جيزان حبس في جوفه خلال الثلاثين سنة الماضية الحصة الأكبر من المياه وحالت كميات الطمي المترسبة والمتصلبة في معابره دون إيصال المياه إلى الأراضي الزراعية في الأسفل. ذلك جعل الأرض تجف وتبدأ في التصحر. الحديث في هذا المجال صعب الفهم على غير ذوي الاختصاص، ولابد أن السلطات المختصة في شؤون الزراعة والمياه لديها ما تقول حيال ذلك. لفت نظري شخصيا أن وادي صبيا القديم تحول إلى مستطيل ترابي جاف مقطع الأوصال بالدكاكين العشوائية وملاعب الأطفال ومعابر السيارات الترابية ولم يعد يمثل مسيلا طبيعيا لأي سيول جارفة قد تحدث في المستقبل. أعتقد أن وضع الوادي الحالي يشكل قنبلة بيئية موقوتة في قلب صبيا قد تنفجر مع أي انقلاب مناخي مفاجئ، ولن يحول السد دون ذلك لأن السدود أيضا عرضة للتصدع والفيضان، والعبرة مما حدث في مدينة جدة واجبة.

لم نتمكن من إعطاء مدينة جيزان نفسها الوقت الكافي لمحدودية البرنامج الزمني. لذلك أكتفي بهذا القدر المستخلص من ثلاثة أيام مرت علينا سريعا في ربوع منطقة جازان الساحرة وأختمها بالشكر الجزيل للداعين والمضيفين الكرام وبأطيب الأماني لتحقيق أحلامهم التنموية فإنهم أهل كرم ولطف معشر وولاء وطني ويستحقون كل خير.

أخص بالشكر من أهل صبيا الأستاذ الدكتور عبدالله باصهي والأستاذ إدريس طيري وجميع أفراد العائلتين الكريمتين على ذلك اليوم الجميل الحافل بالموائد العامرة والنقاش المثري المفتوح، والشكر موصول لجميع سكان صبيا الطيبة وأهلها الكرام.

 

إلى الأمام
ماذا أحدث عن جازان .. (2-2)
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة