ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 05/03/2012/2012 Issue 14403

 14403 الأثنين 12 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إذا كان مرور عام على ولادة هيئة مكافحة الفساد فترة غير كافية للحكم عليها، فمن المفيد معرفة موقعنا السابق والحالي في المؤشر العالمي للفساد، فالإنسان لا يعرف مدى تقدمه أو تأخره إلا بالمقارنات مع الآخرين خلال فترة معينة، رغم أن هذا المؤشر ليس مقياساً بالغ الدقة.

في بداية عام 2007 نشرت منظمة الشفافية الدولية إصدارها السنوي لمؤشر ملاحظة الفساد (CPI) وهو يقوم بوضع درجة من واحد إلى عشرة ويرتب الدول حسب الأقل فساداً. وحصلت السعودية على درجة متدنية (3.3) وبترتيب متأخر نسبياً وهو 79 بين 163 دولة. بطبيعة الحال كانت الدول الأسكندينافية وما جاورها من غرب أوروبا في مقدمة العشر الأوائل ومعها سنغافورة وأستراليا وكندا (بمعدل 9 درجات فما فوق)، فيما حصلت بريطانيا على الترتيب 11 (8.6 درجات)، واليابان على 17 (7.6 درجات)، وأمريكا على 20 (7.3 درجات).

أما أول دولة عربية في الترتيب فهي قطر بترتيب 32 (بمعدل 6 درجات)، بينما قبع العراق والسودان في المؤخرة (لا داع لذكر الدرجة!).

الحكومة السعودية لم تهرب إلى الأمام ولم تغمض عينها، بل واجهت المشكلة في اعتراف مجلس الوزراء بوجود الفساد لدرجة استدعت قراراً بإنشاء هيئة لمكافحته في القرار رقم 43 عام 1428هـ، ونشرت حيثيات ومبررات وأهداف ووسائل تطبيق هذا القرار لحماية النزاهة ومكافحة الفساد. وفي العام الماضي أصدر خادم الحرمين الشريفين أمراً ملكياً بإنشاء «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد».. موضحاً بلغة حازمة أن مهامها تشمل كافة القطاعات الحكومية، ولا يستثنى منها كائنا من كان.

إذا انتقلنا إلى مؤشر الفساد لسنة 2011 للمقارنة بين الدول العربية وموقعها العالمي بين 180 دولة، يوضح التقرير أن قطر حصلت على الترتيب 22 عالمياً (بمعدل 7.2)، ثم الإمارات على ترتيب 28 (بمعدل 6.8)، فالبحرين بترتيب 46، وفي ترتيب الخمسينات كانت عمان والكويت والأردن والمملكة، ثم بعد ذلك تونس (73) فالمغرب (80)، فيما حصلت كل من الجزائر ومصر على ترتيب 102، بينما قبعت بقية الدول العربية في ذيل القائمة.

أكثر من أربعة أعوام فصلت بين قرار إنشاء هيئة مكافحة الفساد وبدء تشكيل جهاز الهيئة، وفي تلك الفترة كان موقع السعودية في المؤشر يتحسن ببطء من درجة 3.3 سابقاً إلى 3.8 عام 2008 بترتيب 80 بين دول العالم، إلى أن بلغ درجة 4.7 بترتيب 50 بين الدول عام 2010. التحسن النسبي في مؤشر الفساد الذي حصل في المملكة قبل بدء الهيئة لأعمالها قد يشير إلى تحسن في الوعي في التعامل مع قضية الفساد. هذا التحسن قد يكون مرده كثافة تناول موضوع الفساد في الإعلام وارتفاع درجة الثقة بجدية الحكومة في مواجهة الفساد. هذا يعني أنه قبل تنفيذ القرار بدأ يتشكل رأي عام وموقف تطبيقي تجاه الفساد.

يعتبر الرأي العام تجاه حالة الفساد المالي والإداري أحد المؤشرات المعيارية التي تساهم في تفسير العلاقة بين المواطنين والدولة، كما أنه يشكل أحد عوامل الثقة في مواجهة الفساد. فلو أخذنا تقرير «المؤشّر العربي» الذي صدر قبل أيام من مشروع قياس الرأي العام العربي من المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات في الدوحة، وهو يُعتبر أكبر مشروع لقياس الرّأي العامّ العربيّ حاليًّا، وتناول 12 دولة (السعودية، اليمن، العراق، الأردن، فلسطين، لبنان، السودان، مصر، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا)، نجد فقط 55% من الرأي العام العربي يعتقد أن بلدانهم جادة في محاربة الفساد المالي والإداري، مقابل 41% يرون أن حكوماتهم غير جادة. لا شك أن هذه النسبة مقلقة وتغني عن كثير من التحذيرات والمواعظ.

وتقدمت السعودية في اعتقاد الرأي العام فيها أن حكومتها جادة في محاربة الفساد (بنسبة 75%)، ومعها مصر والأردن وموريتانيا، بينما أكثرية مستجيبي الجزائر واليمن والمغرب ولبنان يعتقدون أن حكوماتهم غير جادة. لا شك أن ثقة الرأي العام السعودي بجدية الحكومة هي إيجابية، وهي في نفس الوقت تلقي مسؤولية ثقيلة جداً على إدارة هيئة مكافحة الفساد.

من ناحية الرأي تجاه انتشار الفساد، أوضح التقرير أن 83% من الرّأي العامّ العربيّ يقولون إنّ الفساد منتشر في بلدانهم. وحصلت السعودية على أقل نسبة في اعتقاد الرأي العام بأن الفساد منتشر (بنسبة 54%)، بينما بلغت أقصى حدودها في لبنان بنسبة 97%. وترى أكثرية الرأي العام العربي أن أسباب اندلاع الثورتيّن التونسية والمصرية هي الفساد والديكتاتورية وانتفاء العدل والمساواة.. لذا كان من الطبيعي أن تظهر نتائج التقرير أن أكثرية الرأي العام العربي أيّدت الثورتين المصرية والتونسية.

ويخلص التقرير إلى «إن تقييم الرأي العام السلبي أو الإيجابي المتحفظ لأداء الدولة؛ وتآكل الثقة بين المواطنين ومؤسسات دولهم الرئيسة؛ إضافة إلى سيادة شعور بعدم تطبيق الدولة للقانون؛ وفي ظل انطباع بأن الفساد المالي والإداري واسع الانتشار، كلها عوامل تفضي مجتمعة إلى استخلاص أن الدول العربية تعاني من مأزق لدى مواطنيها.

وبالعودة إلى ما بدأت به عن مرور عام على هيئة مكافحة الفساد، ففي تقديري أن المؤشرات الأولية لنشاطات الهيئة تدعو للتفاؤل، رغم أنه يصعب إصدار حكم على تلك الفترة الوجيزة. إلا أن هذا التفاؤل لا يمنعنا من القلق والتفكير في التحديات التي ستواجه هذه الهيئة، فهناك الكثير منها التي يمكن أن تعيق عملها. علاقة الهيئة مع الأجهزة الحكومية الأخرى، والصلاحيات الممنوحة لها، والإنجازات التي ستحقّقها على أرض الواقع ستكون أكبر اختبار لها.. هل ستتعاون الأجهزة الأخرى معها؟ هل ستتخلص من المجاملات والمحسوبيات؟ هل ستتجرأ في تطبيق مبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه؟ هل سنسمع يوماً عن مسؤول كبير تتم محاسبته وإدانته بالتقصير أو الإهمال أو الفساد؟ كل ذلك يمكن أن يحدث إذا توفرت الإدارة المناسبة والإرادة الشجاعة، واحترمت الصلاحيات الممنوحة لها وبدعم وحماية مباشرة من أعلى السلطات.

alhebib@yahoo.com
 

حالة الفساد في المملكة
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة