ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 02/01/2013 Issue 14706 14706 الاربعاء 20 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

إنٍّ الجوائز الثقافية حافز مهم للإبداع، ومظهر حضاري يدفع بقوة نحو تطور وارتقاء الحركة الثقافية المحلية وغير المحلية، وهذا لا يعني بتاتاً أنها مصدر قيّم للإبداع والإنتاج

ولكنها وقود لتوليده وجعله وضاءً متقداً مستمراً في تقديم المزيد من العطاء والإنتاج الفكري والأدبي وليس من باب المبالغة حين القول إن الجوائز الأدبية والثقافية هي من يصطاد المواهب، ويخرجها إلى النور ليستضيء أفراد المجتمع بنور أعمالهم وإنتاجهم العلمي، وهي من يخلد الإبداع.

وهذا التوجه المتمثل بمنح جوائز مالية مجزية بمثابة نفخ الروح مجدداً في قرار مجلس جامعة الدول العربية الذي دعا إلى (تنشيط الجهود العربية التي تبذل لترجمة عيون الكتب الأجنبية القديمة والحديثة وتنظيم تلك الجهود). وهذا الإعلان الذي يعود تاريخه إلى 1964كان حاضراً أمام ناظر القيادة التي كانت تتحين فرصة تنفيذ خططها وبرامجها المستوحاة من تلك الدعوة العربية، كما أن هذا التوجه يأتي في مرحلة تتكامل فيها البُنى الاقتصادية، والسياسية، والتعليمية، والتنموية، ونشوء مؤسسات ثقافية وإعلامية لبلدنا ممهدة بذلك الطريق نحو حركة ترجمة تشمل كل فروع المعرفة تتزامن والقرية الكونية بتركيبتها الجديدة التي تداخلت وتلاقحت أفكار وثقافات وأطروحات العالم شرقه وغربه بفعل ثورة الاتصالات العالمية، وقبل ذلك كإحدى آليات مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للحوار المعرفي والثقافي بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارات الأخرى.

تبدو القيمة الكبرى لجائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة كإحدى كبريات الجوائز الدولية في مجال الترجمة التي استقبلت خلال الخمس السنوات الماضية أكثر من 650 عملاً تنافست في للفوز بالجائزة في مجالين اثنين: يتوقع أن تسهم الجائزة في تنشيط حركة الترجمة، وضخ عدد كبير من الكتب المترجمة في سوق الكتاب إن لم يكن على المستوى العربي فعلى أقل تقدير على المستوى المحلي، كما ينتظر أن تسهم في تمكين مثقفينا من الاطلاع على كم هائل من المنتج المعرفي العالمي، وبالتالي توطين ذلك الكم المعرفي والإسهام في إغناء هامش التنوير الفكري والعلمي الذي يحفل به حالياً مشهدنا الثقافي والفكري المحلي. كما أنها سوف تعمل على إذكاء روح التنافس نحو الإجادة في المنتج المترجم من اللغة العربية وإليها.

كما أن القيمة الأخرى للجائزة تبدو - بناء على أمنية واستشراف، أو قراءة شخصية للمستقبل القريب - أنها ستمهد الطريق لتأسيس مركز وطني للترجمة يُنتظر منه أن يأخذ على عاتقه وضع خطة إستراتيجية كاملة لمشروع ترجمة وطني تمتاز بالشمولية، والدقة لكل جزء من أجزاء مشروع الترجمة في المملكة، وأن تخضع لبرامج مرحلية، وأن يكون من ضمن أولويات المركز الوطني رعاية حركة الترجمة في المملكة، وسن القوانين التي تحمي المترجم السعودي، وسن القواعد الأخلاقية لمهنة الترجمة، ورعاية المترجمين، والتنسيق بين جهودهم، ودعم المؤسسات والهيئات المغنية بشؤون الترجمة، والتنسيق مع الجهات المعنية، ووضع برامج لتكون المواد المترجمة ذات بعد وطني، وقومي ووفق احتياجات المجتمع السعودي.

ولكي يتحقق النجاح لهذا المركز الوطني للترجمة يجب أن يُرصد له ميزانية تعمل من خلال رؤية عقلانية في الاختيار، والبحث وترتيب الأولويات، واختيار الكتب التي تنوي ترجمتها على أساس قيمة الكتاب، وما يحويه من معارف جديدة ومهمة، وبخاصة الكتب المرجعية في العلوم الأساسية، والمعاجم، والموسوعات، ووضع سجلات رسمية تعكس كمية ونوعية الأعمال المترجمة، وتكليف أشخاص يتمتعون بالكفاءة، والنزاهة، والمهنية العالية، والعلم على الاستفادة من التقنية الحديثة في مجال الترجمة الآلية، والأساليب العلمية الحديثة المتبعة في الترجمة، وتدريب الكوادر الوطنية، والاستعانة بكل أطياف المترجمين الوطنيين.

كما ينبغي أن يكون هناك انفتاح على اللغات الأخرى وبخاصة الشرقية منها وعدم الاقتصار على الترجمة من اللغات الغربية وبالأخص الإنجليزية والفرنسية، وأن يكون هناك توازن في الترجمة بين المعارف الإنسانية في كافة المجالات العملية، والفنية، والفكرية، والإبداعية حتى لا نقع في الخطأ الذي ارتكبته أمتنا العربية عندما ركزت في بعثات الترجمة التي تمت في القرن التاسع عشر على الأدب على حساب العلوم والفنون الأخرى، وأن يتولى المركز عملية التنسيق لعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل المتخصصة، والتنسيق مع المؤسسات العربية للترجمة لتلافي الازدواجية في الأعمال المترجمة، وتكوين قاعدة معلومات للكتب المترجمة، وأخرى للكتب التي يحسن ترجمتها في حقول العلم والمعرفة، وتبادل قوائم الترجمة بين المؤسسات المعنية بحركة الترجمة، والتشجيع المادي لحركة الترجمة، وتيسير النشر على المستوى المحلي، وبعبارة مجملة نحن بحاجة إلى أن نجري من هذه الجائزة باتجاه تأسيس حركة ترجمة غنية واسعة منظمة تمتاز بتعدد مصادرها، وشمولية نطاقها، وبتنظيمها المحكم المحترف، وأن يسند للجامعات والمعاهد المتخصصة وضع ضوابط مهنة الترجمة لدينا. وبقدر فرحنا بهذا التكريم المعرفي الكبير من رأس الهرم في دولتنا الفتية فإننا في الجانب الآخر ننتظر خطوة أخرى تنقلنا إلى بُعد آخر لا يتوقف صداه فقط على تكريم رواد ومبدعين من هنا وهناك، وإنما يتجاوز ذلك ليُبشر بمقدم ميلاد مشروع ترجمة وطني يمدنا بجسور من المعرفة، والثقافة والحوار مع الآخر، والتواصل معه في كل مجالات إبداعه، ويسهم في نقل المنجز المعرفي العالمي، ويسهم في ردم القطيعة الثقافية التي تفصلنا عن باقي أمم الأرض، ويجعلنا نواكب العالم ونسير بموازنته معرفياً وإبداعياً وصولاً إلى الانصهار في منظومة الوعي الإبداعي العالمي، ويمكننا من التعرف أكثر وعن قرب إلى الجديد في ميادين الإبداع الثقافي والمعرفي العالمي. إن الأمل الذي يحمله من يهمه شأن الترجمة أن يكون وجود مثل هذه الجائزة مصدراً لبعث الأمل مجدداً في مشهد الترجمة الوطني، بل والعربي الذي تكتنفه حالياً حالة من تشتت الجهود، وتبعثرها، وضآلة فعاليتها. إذاً تعالوا لنتوقف برهة لنحتفل معاً مع المحتفى بهم الخمسين فائزاً في الدورات الخمس الماضية من جميع دول العالم مباركين لهم، ومباركين لأنفسنا عيشنا لحظات رؤيتنا على أرض الواقع قيمة ومكانة المبدع في عين علية قوما وربّان سفينة وطننا الغالي.

alseghayer@yahoo.com
@alseghayer

فن إدارة العمل الثقافي: جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة أنموذجاً
د. خالد محمد الصغِّير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة