ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 03/01/2013 Issue 14707 14707 الخميس 21 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كما وعدت نفسي، فإنّه سنويًّا أقوم في إطار منتديات فاس التي ننظمها بتكريم شخصيَّة كبيرة مرموقة أسدت خدمات جليلة لوطنها وأهلها، فكانت التجربة الأولى مع سيدي عبد الهادي التازي، أطال الله في عمره، الذي يبقى اسمه قرينًا بتاريخ الدبلوماسية المغربيَّة

والفكر والثَّقافة العربيين، وأعدنا التجربة مع رجل فذٍّ هو الأستاذ محمد القباج قل نظيره، علمًا وعملاً وأريد أن أحدث قرَّاء جريدة “الجزيرة” الغرَّاء عنه.

ويشهد الله، ولو كنت أسمع عن مناقبه الكثيرة، وأدواره التي لا تحصى في بناء المغرب الحديث والسهر على بناء الأسرة الإنسانيَّة الواحدة والبيت المجتمعي المشترك، فإنني لم اكتشف خباياه وأسرار مسيرته إلا بعد الحفل التكريمي الذي نظمناه في حقِّه، وحمدت الله على ذلك، لأن أبناء جيلي الذي ولد في بداية الثمانينات من القرن الماضي، والجيل الذي سيأتي فيما بعد في الوطن العربي، يجب أن يعي ما قام به سلفنا الصالح من أدوار طلائعية في خدمة البلد وأن يسير على دربه بحماس ودينامية جديدتين.

ومما يثير الدهشة أن ما اكتشفته عن الأستاذ محمد القباج، يجهله حتَّى أقرب المقرَّبين من شخصيته لأنَّه دائمًا رجل الظل الذي يعمل في خفاء وصمت، حتَّى إنّه كان رافضًا لفكرة تكريمه بدعوى أن ما قام به هو للبلد ويجب أن يقوم به كل مغربي وطني، ولم يستسغ فكرة تكريمه إلا بعد مشقَّة مضنية مني ومن محبي رجالات الدَّوْلة الغيورين على البلد وأهله، وهنا استشهد بما قاله أمير الشعراء:

تسدي الجميل إلى البلاد وتستحي

من أن تكافأ بالثناء جميلا

وألم يقل الرَّسُولُ المصطفى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم: “من لا يشكر النَّاس لا يشكر الله). فهاته فرصة للتعريف بإنجازاته، وتاريخه المجيد، وعطاءاته المختلفة، ليتعلم منها جيلي والأجيال المقبلة، جعلنا الله خير خلف لخير سلف؛ واحتفالية الولاء هاته تعطي زخمًا جليًّا في تقدير رموز الدَّوْلة وأعلامها الثقافيَّة حقّ قدرها، وهي إذا خصَّته فهي تسلّط الضوء على عطاء جيل بأكمله، بات لزامًا التَّعرف على إسهاماته الظَّاهِرَة والخفيّة.

واكتشفت من خلال هذا التكريم مناقب خاصة يتمتع بها المحتفى به وسيرة حافلة يمكن أن ندّعي بموضوعية أنّها جامعة.

- فهو رجل استحضر فيه القدوة الحسنة والعطاء المتميز.

- وهو رجل استحضر فيه مضاء العزيمة ونكران الذات، وما زلَّت أتذكر الاجتماعات التي كانت تجمعني وإياه أيام السبت والأحد في بيته بالدار البيضاء لما كان واليًا على هاته المدينة ونحن نعد برامج ثقافيَّة وتنموية ومنتديات.

- وهو رجل يتمتع بقوة الذاكرة والذكاء في اختيار الألفاظ والمعاني والتحليل المنطقي للوقائع والأحداث والتنبؤ بالمستقبل.

- وهو من القلائل من رجالات الدَّوْلة المعاصرين الذين خاضوا زوبعة التنمية المستدامة من كل جوانبها وأجادوا فيها: فخاض في الطرقات وبنى الطرق السيارة، وخاض في الماليَّة وتقلَّد منصب وزير المالية، وخاض في الديون وساهم في بناء الموانئ والسدود، وله يد طولى في التَّعليم والموارد البشريَّة، وخاض في التكنولوجيا، كما برز في باب الثَّقافة حتَّى إن مدينة فاس طيلة 16 سنة عاشت على أوتار ما رسم لها من مهرجانات ومنتديات وملتقيات تؤسس لأسرة إنسانيَّة واحدة، وتدعم خلق مرجعية فكريَّة وأخلاقيَّة عالميَّة تسهل التشبث السليم بالقيم الحضارية والإنسانيَّة المشتركة.

- وهو رجل يتمتع بفن التَّربية والتقويم والتَّعليم وأسلوب الخطاب والإقناع؛ فهو لا يسيء إليك الحديث إطلاقًا؛ وإذا رأى فيك اعوجاجًا أو خطأ فإنّه يصححه لك ذلك باللّين والكلمة الطيبة، ويظل متحدِّثًا إليك وهو منطلق السريرة مكتمل البشرى بفطرته وبراءته ووداعته وبسمته؛ وكم تربى في أحضانه وتخرج على يديه من رجالات الدَّوْلة الكبار زاد عددهم على المئة.

- وهو رجل يعيش مع موظفيه وكأنه واحد منهم، وقد لازمته فضيلة أنّه يتعمَّد تقديم مساعديه لِلنَّاس وتقديرهم أمام الملأ على أنهَّم قادرون على الابتكار والإبداع حيث يشعرون بأنّهم فعلاً أكفاء ولا يلبثون أن يصبحوا مواطنين نافعين.

أعطى الكثير لبلده ولوطنه على حساب الصحة والأولاد، وكعادتي عندما أجد أناسًا من هاته الطينة، اطلب منهم النصيحة في مشواري، فطلب مني أن استحضر دائمًا معاني سورة الضحى لِمَنْ يعمل آناء اللَّيل وأطراف النهار وأن أترك الأمل في وجداني وألا أترك الغضب يخاطر بالي؛ إذ أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى وادلهمت ظلمته، على اعتناء الله برسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} أي: ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أحسن تربية، ويعليك درجة بعد درجة. {وَمَا قَلَى} الله أي: ما أبغضك منذ أحبك، فإنَّ نفى الضد دليل على ثبوت ضده، والنفى المحض لا يكون مدحًا، إلا إذا تَضمَّن ثبوت كمال، فهذه حال الرَّسُولِ صلَّى الله عليه وسلَّم الماضية والحاضرة، أكمل حال وأتمها، محبة الله له واستمرارها، وترقيته في درج الكمال، ودوام اعتناء الله به. وأما حاله المستقبلة، فقال: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإنَّ لها الفضل على الحالة السابقة. فلم يزل صلَّى الله عليه وسلَّم يصعد في درج المعالي ويمكن له الله دينه، وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله، حتَّى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب.، ثمَّ بعد ذلك، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، وأنواع الإنعام، ولهذا قال: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وهذا أمر لا يمكن التَّعْبير عنه بغير هذه العبارة الجامعة الشاملة. ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله [الخاصَّة] فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يتيمًا فَآوَى} أي: وجدك لا أم لك، ولا أب، بل قد مات أبوه وأمه وهو لا يدبر نفسه، فآواه الله، وكفله جده عبد المطلب، ثمَّ لما مات جده كفله الله عمه أبا طالب، حتَّى أيده بنصره وبالمؤمنين.{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمك ما لم تكن تعلم، ووفقك لأحسن الأعمال والأخلاق. {وَوَجَدَكَ عَائِلاً} أي: فقيرًا {فَأَغْنَى} بما فتح الله عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها وخراجها. فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، الذي أوصلك إلى الغنى، وآواك ونصرك وهداك، قابل نعمته بالشكران. [ولهذا قال:] {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} أي: لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضق صدك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك. {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} أي: لا يصدر منك إلى السائل كلام يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر وشراسة خلق، بل أعطه ما تيسَّر عندك أو رده بمعروف [وإحسان]. وهذا يدخل فيه السائل للمال، والسائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأمورًا بحسن الخلق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإنَّ في ذلك معونة له على مقصده، وإكرامًا لِمَنْ كان يسعى في نفع العباد والبلاد. {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} [وهذا يشمل] النِّعَم الدينيَّة والدنيوية {فَحَدِّثْ} أي: أثن على الله بها، وخصصها بالذكر أن كان هناك مصلحة. وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإنَّ التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإنَّ القلوب مجبولة على محبة المحسن.

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة