ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 03/01/2013 Issue 14707 14707 الخميس 21 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

استقبل مستشفى قرية العشية الواقعة في محافظة حجة اليمنية فتاة قاصرا في الثالثة عشرة من عمرها جثة هامدة جراء نزيف حاد مميت وتمزق في أعضائها التناسلية في ليلة زفافها. وطالبت أسرة الفتاة اليمنية القاصر التي توفيت في ليلة زفافها بحسب ما ذكرت مصادر إعلامية بإعدام زوجها الذي تسبب لها في نزيف أدى إلى وفاتها. وقال شقيقها مهدي “الله أعلم ما فعلوه بأختي قتلوها وتكالبوا عليها ونحن لن نتسلم الجثة”

ماذا سنفعل بالجثة نحن نريد القصاص لقتل أختي طبعاً زوجها هو القاتل الفعلي”. وأكد تقرير المستشفى أن إلهام وصلت إلى المستشفى جثة هامدة وأنها توفيت جراء تمزق شديد في أعضائها التناسلية.

هكذا تناقلت وسائل الإعلام قصة هذا الزواج الذي يعد شرعياً، وهناك قصص أخرى لم يفصح عنها الإعلام قد التزم أطرافها السكوت والصمت خشية الفضيحة والعار دونما التفات لبنت قاصر لم تبلغ الحلم ستدفع ثمن هذه المغامرة حياتها بكل تفاصيلها ولذلك كان حقاً على العلماء والفقهاء حماية هؤلاء الأطفال من تلك الذئاب التي لو تزوجت قاصراً على فرض الصحة فلن يصبر حتى تبلغ ثم يرضى بخيارها بعدما ملك زمام مصيرها، وعليهم أيضاً أن يستحضروا جرم قتل طفلة واحدة في مشارق الأرض أو مغاربها بعد تمزيقها جنسياً ولو كانت النسبة ضئيلة حتى وإن كان المقابل سلامة تسع وتسعين أخرى ولا أخفيكم أنني صعقت حينما نشرت وسائل الإعلام عنوانا (خلال جلسات اجتماع المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة، رفض تجريم زواج القاصرات لأن “أهلية الأنثى يحددها النمو الجسمي”، ولذلك من خلال الجلسات في رابطة العالم الإسلامي في الدورة الـ21، التي بدأت أعمالها في مقر رابطة العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- وافتتحها سمو أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل السبت الماضي.

إن زواج القاصرات مما تشمئز منه النفس السوية وترفضه الفطرة السليمة من أمثال حديث الفقهاء الشيعة وغيرهم في مسألة تفخيذ البنت الصغيرة في المهد وما ماثلها، وربما استغله بعض الشهوانيين ممن عبثوا في أعراض الأمة والتحرش الجنسي في أطفالها بما يعارض مقاصد الإسلام العظمى التي صورت العلاقة بين الرجل والمرأة في قوله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، كما أن استدلال أصحاب الفضيلة على عدم التجريم بأدلة وهمية واحتمالية والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال كما قال الأصوليون، كما أنني سبق وأن كتبت مقالين في الجزيرة عن هذا الموضوع وسأعيد بعض النقاط لأهميتها في علاج هذه الظاهرة.

1- تعريف القاصر: بكسر الصاد من قصر عن الشيء إذا تركه عجزاً، أو عجز عنه ولم يستطعه كما في لسان العرب، وعرفه القلعجي في معجم لغة الفقهاء بأنه العاجز عن التصرف السليم. والقاصر اصطلاحاً: هو من لم يستكمل أهلية الأداء، سواء كان فاقداً لها كغير المميز أم ناقصها كالمميز، وهذا تعريف الزحيلي في الفقه الإسلامي وأدلته، فالقاصر إذن في لغة الفقهاء هو العاجز عن التصرفات الشرعية، أو من لم يبلغ بعد سن الرشد، كما أن القاصر في الزواج قد عرفها سماحة الشيخ صالح الفوزان في قوله “قال الله تعالى في عدة المطلقة {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: الصغيرات اللائي لم يبلغن سن الحيض فعدتهن ثلاثة أشهر مثل اليائسات من الحيض فهذا دليل من القرآن على أن الصغيرة تزوج وتطلق وتلزمها العدة”. ولا أدري كيف فات سماحته أن تفسيرها بالصغيرات اللاتي لم يبلغن سن الحيض لا دليل عليه ويتعارض مع الحديث الذي يؤكد رضاها، وتفسير “واللائي لم يحضن” بالمرأة الضهياء أقرب لمقاصد الشريعة من تفسيرها بالقاصرة التي ستبلغ فيما بعد وتدخل في حكم المرأة الطبيعية، قال ثعلب “الضهياء: التي لا تنبت لها شِعْرة، عن أبي عمرو: لا تطمث، ومن الإبل التي لا تَضْبَع”، وقيل في معناه أيضاً: المرأة التي لا تحيض، وزاد بعضهم: ولا تحمل، والتي لا ينبت ثدياها، والتي لا تلد وإن حاضت. وكله مقصود به المرأة الكبيرة. لقد نزل القرآن بتجريم الوأد عند العرب الجاهليين مع أنه في بيئات محدودة ومن شخصيات محدودة ولم يكن منتشراً عند عامة العرب فجرمه القرآن لبشاعة الفعل مع قلته، فزواج القاصرات لا يختلف في صورته عن تلك الصورة الجاهلية فهو أولى بالتجريم وعدم البحث لمرتكبيه عن تسويغ وتشريع علماً أن أهلية الأنثى التي يحددها النمو الجسمي كما قال المجمع الفقهي لا يمكن أن تكون لقاصر لم تبلغ، فالنظر إلى الجسد دون العقل كارثة أخلاقية في حق المرأة المسلمة التي من حقها ألا تفترع طفولتها بهذه الوحشية التي تفقدها الاستمتاع الجنسي إلى الأبد.

2- اشترط الإسلام الأهلية الكاملة للأداء فيما هو دون ميثاق الزواج والذي سماه ميثاقاً غليظاً: وهي التي تثبت للإنسان بالبلوغ عاقلاً وقد ربطها الفقهاء بالبلوغ، لأنه مظنة العقل والإنسان ببلوغه عاقلاً يصير مكلفاً بالتكليفات الشرعية كلها من صلاة وزكاة وصيام وحج، وهو مسؤول أمام الله عن القيام بهذه التكليفات، وإذا كان يشترط للمعاملات المالية البلوغ والرشد لقوله تعالى {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.. فمن باب أولى أن يشترط لبناء أسرة ومسؤوليات ورعاية أبناء هذا البلوغ، وهذا الرشد، وقد حدد العلماء سن البلوغ واختلفوا في مقدار السن التي إن بلغها الصغير صار مكلفاً وذلك إلى ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: إن الصبي إذا أكمل خمس عشرة سنة صار بالغاً مكلفاً بالأحكام الشرعية، ويستوي في ذلك الذكر والأنثى، وهو مذهب الشافعية والحنابلة والصاحبين من الحنفية ورواية عن الإمام أبي حنيفة. المذهب الثاني: إن سن البلوغ في الذكر هو إتمام ثماني عشرة سنة، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى. المذهب الثالث: إذا أتم كل من الذكر والأنثى ثماني عشرة سنة، فقد أدركا سن البلوغ، وجرى عليهما قلم التكليف، وهو المشهور عند المالكية. وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما الرشد بأنه صلاح العقل وحفظ المال، وإن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص وباختلاف البيئات فكلما تعقدت المعاملات، ونظم الاقتصاد تأخر الرشد والقدرة على المحافظة على المال من الضياع كما قال الزحيلي في الفقه الإسلامي وأدلته. كل ذلك في الزواج وبناء الأسرة واختيار العيش تجب مراعاته إن لم يكن أولى بالمراعاة.

جاء في كتاب الأحوال الشخصية للإمام محمد أبو زهرة “ويجب أن أشير هنا إلى رأي عثمان البتي وابن شبرمة وأبي بكر الأصم، فقد قالوا إن ولاية الإجبار تكون على المجانين والمعاتيه فقط، ولا تكون على الصغار قط، فليس هناك ولاية زواج قط على الصغير، لأن الصغر يتنافى مع مقتضيات عقد الزواج، إذ هو لا تظهر آثاره إلا بعد البلوغ، فلا حاجة إليه قبله، الولاية الإجبارية أساس ثبوتها هو حاجة المولى عليه إليها، وحيث لا حاجة إلى زواج بسبب الصغر، فلا ولاية تثبت على الصغار فيه، وقد جعل الله سبحانه وتعالى بلوغ النكاح هو الحد الفاصل بين القصور والكمال، فقال تعالى {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }. فقد جعل الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة بلوغ سن النكاح أمارة انتهاء الصغر، وإذن فلا ثمرة في العقد قبل البلوغ، لأنه عقد لا تظهر ثمراته قبل البلوغ، وفي إثباته قبله ضرر بالصغير، لأنه لا يستفيد من العقد، ويبلغ فيجد نفسه مكبلاً بقيود الزوجية وهو عقد يستمر في أصل شرعته مدى الحياة”.

3- يجب على المجمع الفقهي أن يستحضر العبث غير الأخلاقي بأعراض المسلمين وخدش لكرامتهم والتوسع في إتمام زواجات لا يقصد منها غير التلذذ والشهوة، فهناك طفل قاصرة متضررة يجب أن يحميها الفقهاء كما ورد في شرع الله من ذئب عابث لا يهدف إلى تكوين أسرة، وفي ظل القاعدة الشرعية التي تنص على أن الأصل في الأبضاع التحريم، والأبضاع جمع بضع وهو الفرج، كناية عن النساء والنكاح، أي أن الأصل في وطء النساء هو التحريم، ولا يباح إلا بعقد النكاح الصحيح أو بملك اليمين، ولو كان العقد على القاصر التي لم تبلغ صحيحاً لما خيرها الشرع بعد البلوغ بين إتمام الزواج أو فسخه، من أجل ذلك إذا تعارض في امرأة دليل الحل ودليل الحرمة غلب دليل الحرمة عملاً بالقاعدة وهي إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام، ولهذا أيضاً لا يجوز التحري في الفروج، لأن الفروج لا تحل للضرورة، فكيف يكون الاستحلال شرعياً لفرج طفلة لم تبلغ الحلم ولم يتوافر في عقد زواجها الكفاءة التي نص عليها الفقهاء.

4- لولي الأمر أن يلزم الأمة بتحديد سن الزواج إن رأى عبثاً لا يتفق مع مقاصد الإسلام وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، كما فعل عمر رضي الله عنه بباب الأنكحة وهو على أقل الأحوال من باب تقييد المباح حيث قيد حكم إباحة الزواج من الكتابيات، ولم يقصد به منع الديمومة والأبدية، فمنع من ذلك كبار الصحابة وأهل القدوة فيهم حتى لا يقتدي المسلمون بهم في ذلك فتروج سوق الكتابيات وتكسد سوق المسلمات، وتقييد عمر رضي الله تعالى عنه لهذا الأمر ليس على سبيل المنع منه أو التحريم ولكن على سبيل اختيار الأفضل والأولى في حق أهل القدوة وإلا لو خالفه في ذلك أحد من كبار الصحابة لم يعاقبه على المخالفة، ثم هو في الوقت نفسه تقييد ليس على سبيل العموم وإنما تقييد خاص بفئة معينة، روى ابن جرير الطبري عن شقيق قال: “تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر: خل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن” وقد علق ابن جرير على ذلك فقال: “وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاح اليهودية والنصرانية، حذاراً من أن يقتدي بهما الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما”. ولا أدري ما حجة من استباحوا أعراض المسلمين بحجة فتوى الزواج بنية الطلاق، وهي الغش بعينه وأجازوه بأنه ربما إذا ذاق عسيلتها يتم الزواج دون فسخ وهل تبنى أحكام الشرع على مثل هذا الافتراض، وهناك قضايا أقل أهمية من استحلال العرض حرم الشرع فيها الغش حتى قال في قصعة بللتها السماء “من غشنا فليس منا”. وقد نص العلماء على أنه من شروط صحة النكاح ألا يكون مؤقتاً، فإن كان مؤقتاً كان نكاح متعة وهو باطل إجماعاً، ولا يجوز لمسلم تقي أن يركب الحيلة والغش والتدليس في العبادات والمعاملات، وعلماء الحديث تركوا أخذ الحديث من رجل كذب على دابة بعد قطع آلاف الأميال فكيف برجل يكذب على امرأة دون النظر إلى مراعاتها نفسياً مما يترتب على طلاقها من المستمتع.

5- حينما قال الفقهاء عن فض بكارة الصغيرة “بشرط أن تطيق الجماع” لم يدركوا أنهم اشترطوا شرطاً غير متحقق الوقوع لأن القدرة على الجماع لا يستطيع أن يحددها أحد سوى البنت الصغيرة وهي غير مميزة للعواقب والمآلات، ولا أدري كيف يمكن تقبل هذه الصورة التي يتفاوض بها الزوج مع ولي الصغيرة حول فض بكارتها في قول النووي في شرح مسلم “وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها: فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عُمل به، وإن اختلفا: فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاًَ “....”.

6- زواج النبي من عائشة خصوصية له صلى الله عليه وسلم بأمر من الله جل وعلا فكما خصه بالعدد خصه بعائشة رضي الله عنها لما ورد عن هشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أريْتُكِ في المنَامِ مرّتين، أرَى أنّ رَجُلاً يحمِلك في سَرقةِ حريرٍ فيقولُ هذه امرأتُكُ فاكشف فأراكِ، فأقولُ: إن كان هذا من عندِ الله يمضِه” اتفق الأئمة على صحته. وفيما رواه حبيب مولى عُروة قال: لما ماتت خديجة حزن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً، فبعث الله جبريل فأتاه بعائشة في مهدٍ فقال يا رسول الله هذه تذهب ببعض حُزنك، وإن في هذه خلفاً من خديجة، ثم ردها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إلى بيت أبي بكر ويقول “يا أمّ رومان استوصي بعائشة خيراً واحفظيني فيها”، ونص ابن شبرمة عليه قال ابن حجر “وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه” إضافة إلى ما تميزت به سيدتنا عائشة من ذكاء وعلم فاختارها جل وعلا لنقل أحكام البيت المسلم والفراش والحقوق وكل ما يتعلق بخصوصية الرجل والمرأة، وقد روت كثيراً من الأحاديث التي تبين الأحكام الشرعية، والنصوص التي تناولت مناقبها ومكانتها العلمية كثيرة.

7- قال ابن قدامة في المغني (9-398): (قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها”، وقال ابن قدامة “وقول الخرقي فوضعها في كفاءة يدل على أنه إذا زوجها من غير كفء فنكاحها باطل وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وأحد قولي الشافعي.. وعلى كلتا الروايتين فلا يحل له تزويجها من غير كفء ولا من معيب لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظراً لها فيما فيه الحظ ومتصرفاً لها لعجزها عن التصرف في نفسها..” بل إن فقيهاً من الفقهاء الحدثاء نص على جواز تزويج الصغيرة من كفء معتبر خشية أن تفوت عليها الفرصة وقد قال الفقهاء إنه لا يدخل بها حتى تبلغ ولكن السؤال من يضمن أن يبقى هذا الرجل على كفاءته حتى تبلغ القاصر فالعاقل قد يصبح مجنوناً والغني قد يمسي فقيراً والمؤمن قد يبدل دينه والتقي قد يكون فاسقاً والفرصة قد تكون نقمة وما المصلحة في دخول الفتاة في مساومة على حريتها مع كفء الأمس الذي أصبح غير كفء في هذا اليوم ويتحكم بحريتها. قال النووي في شرح مسلم (ج5-128): “ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة”. وبناء عليه لا يجوز قياس زواج القاصرات على زواج النبي صلى الله عليه وسلم بسيدتنا عائشة لأن الكفاءة فيه بأبي هو وأمي لا تتغير ولا تتبدل فالرسول ليس مثل بقية البشر الذين لا تؤمن عليهم الفتنة والتغير والمفسدة،..

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري والاستدلال بقصة عائشة فيه نظر، ووجه النظر أن عائشة زُوّجت بأفضل الخلق - صلى الله عليه وسلم - وأن عائشة ليست كغيرها من النساء، إذ إنها بالتأكيد سوف ترضى وليس عندها معارضة، ولهذا لمّا خُيرت - رضي الله عنها - حين قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا عليك أن تستأمري أبويك)، فقالت: إني أريد الله ورسوله، ولم ترد الدنيا ولا زينتها “وأشار ابن عثيمين إلى قول ابن حزم وابن شبرمة بخصوصية زواج النبي عليه الصلاة والسلام وقال “يرشّح هذا القول أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خُصّ بأشياء كثيرة في باب النكاح” اهـ.

8- يقاس منع زواج القاصرات بمنع زواج التحجير إذ العلة واحدة فيهما من جهة أن الطفلة القاصر لا تستأذن ولا تعلم مصلحتها في تلك السن وفيه إكراه وتصرف بها وهو أشبه بالإكراه والتصرف في زواج التحجير، وقد منع علماء الأمة الأخير لما فيه من الظلم والجور، فقد أقر مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والستين التي انعقدت بالرياض ابتداء من 17-1-1426هـ ودورته الثالثة والثلاثين المنعقدة في مدينة الرياض بتاريخ 4-8-1409هـ إلى 15-8-1409هـ.

9- أن الرضا في الزواج بين الزوجين معتبر شرعاًَ ومن شروط النكاح، وهو من الكفاءة كما بين ذلك العلماء، والقاصر تفقد هذا لأنها غير مكلفة، ولا يتم العقد إلا عن رضا من الطرفين، فلو أجبرا وأكرها أو أحدهما لم يصح، لأن الرضا شرط في العقود كلها بالإجماع واتفاق الأمة، والزواج من أهم العقود وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتى تستأمر، ولا تُنْكحُ البكْرُ حتى تُسْتأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذْنُها؟ قال: أن تسكت” رواه البخاري ومسلم. والأيِّم: هي في الأصل التي لا زوج لها، سواء أكانت بكراً أم ثيباً، والمراد بها هنا الثيب خاصة. تستأمر: يؤخذ إذنها. فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم إنكاح الأيم الثيب حتى تستأمر ويؤخذ أمرها، وإذنها بالنطق صراحة، ونهى عن إنكاح البكر حتى يؤخذ إذنها، وذلك بنطقها أو سكوتها، فإن رفضت أو بكت بكاء السخط فلا يجوز إجبارها، لأن الزوجين صاحبا الحق والمصلحة فلا بد من رضاهما، وليس للأب إجبار ابنته على من لم ترض به، وإذا كان يشترط في الولي أن يكون عاقلاً بالغاً والشهود أن يكونا مكلفين وأهلية العاقد فمن باب أولى أن يشترط ذلك في طرفي النكاح الزوج والزوجة.

10- كل الأحاديث تدل على أن قرار الزواج يرجع للطرفين فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوّجني ابن أخيه، ليرفع بيّ خسيسته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرَها إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء، فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفسخ نكاحها إذا شاءت، لكنها - رضي الله عنها - لم تُردْ أن تجرح شعور أبيها فأمضت ما أراد أبوها على كرهٍ منها، رغبة في بر أبيها. وعن خُناس بنتِ خذامٍ بن خالدٍ رضي الله عنها أن أباها زوّجها رجلاً من بني عمرو بن عوفِ، فأبتْ إلاّ أن تحُط إلى أبي لُبابة، وأبى أبوها إلا أن يلزمها العوفيّ، حتى ارتفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هي أولى بأمرها، فأَلْحِقْهَا بهَوَاهَا”، قال الراوي فانتزعت من العوفيّ، وتزوجت أبا لُبابة، فولدت له أبا السائبِ بن أبي لُبابة. رواه أحمد والدارقطني. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: “ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً، وإذا لم يكن لأحد أن يلزم أحداً بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول تؤذي صاحبه ولا يمكن فراقه” وأقول” لله درك يا شيخ الإسلام، وأحب التنبيه إلى أن المذهب الحنبلي يقول بإجبار البكر على الزواج وعلماؤنا خالفوا المذهب ورأوا عدم إجبارها فمن باب أولى أن تتم مخالفة المذهب في مسألة جواز زواج القاصرة.

11- ورد في صحيح ابن حبان باب ذكر الإخبار عما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر عند خطبتهما إليه ابنته فاطمة عند إعراضه عنهما فيه (6948) أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون بنسا حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة: عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها صغيرة) فخطبها علي فزوجها منه. قال المحقق شعيب الأرنؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم، وفي سنن النسائي الصغرى (3187) - (3221) أخبرنا الحُسين بن حُريثٍ (ثقة)، قال: حدثنا الفضل بن موسى (ثقة ثبت)، عن الحُسين بن واقدٍ (ثقة)، عن عبدالله بن بُريْدة (ثقة)، عن أبيه (صحابي)، قال: خطب أبو بكر، وعُمر رضي الله عنهما فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنها صغيرة، فخطبها عليّ، فزوجها منه “قالوا إسناده صحيح ورجاله ثقات.. فرسول الله الذي يستدلون بزواجه من سيدتنا عائشة هو الذي احتج بصغر سن سيدتنا فاطمة رضي الله عنها، فلا بد أن يكون هناك سر في زواجه ومنعه.

12- وافق مجلس الوزراء السعودي في جلسة المنعقدة يوم الاثنين 26 شعبان 1427هـ الموافق 19 سبتمبر 2006م على انضمام المملكة العربية السعودية إلى عهد حقوق الطفل، وهذا الميثاق لا يمكن أن توقع عليه المملكة إن كان فيه مخالفات شرعية، كما أن الفتوى الشرعية لعامة المسلمين بجواز زواج القاصرات سيجرئ العابثين والشهوانيين على تعذيب الأطفال والتحرش بهن مما سينعكس على نفوسهن بأمراض لا تحمد عقباها، فأي مودة ورحمة يمكن أن تأتي من معاشرة رجل لطفل قاصر تموت على فراشها ليلة العرس، وإن لم يكن هذا التوحش فليس هناك توحش البتة. وأما أن يكون في آحاد المسلمين من يحتاج إلى فتوى خاصة في زواج ما فهذه تقدر بقدرها بعد سبر ظروف القاصر وتبقى فتوى آحاد لا تصلح لعامة المسلمين ولا تعلن على أنها شرع من الله.. والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com

رسالة إلى المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي
لماذا ترفضون تجريم زواج القاصرات؟
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة